الصراع و«ضربة البياجر»

الصراع و«ضربة البياجر»

المغرب اليوم -

الصراع و«ضربة البياجر»

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

لقرونٍ متطاولة عرفت منطقة الشرق الأوسط الصراعات الكبرى، بين الإمبراطوريات والأديان والطوائف، وكانت مركزاً لتلك الصراعات العالمية، كلٍّ في حينه، دينياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفي منتصف القرن العشرين دخل على المشهد عامل جديدٌ يعيد التاريخ القهقرى لصراعات الماضي السحيق، وأعلن قيام دولة إسرائيل. في العقود السبعة الماضية احتل الصراع «العربي» الإسرائيلي العنوان الأبرز وشبه الأوحد للصراع، فلم تتدخل أي دولة غير عربية في المنطقة فيه بشكل مباشر، وأدت انقلابات العسكر، التي سميت ثورات في الجمهوريات العربية، إلى خسائر متوالية في كل مواجهة وكل حرب بين الطرفين، حتى جاء الرئيس السادات فانتصر في حرب 1973 وقاد تغيير المنطقة نحو السلام نهاية السبعينيات.

في تلك اللحظة التاريخية، برز عنصر جديد في المنطقة ينشد إحياء الصراعات الدينية والطائفية والسياسية، فشكل محور ممانعة إقليمياً تحت شعار محاربة إسرائيل، وكان الهدف حشد قوى عربية، وسعى لضرب المشاريع التنموية التي أحرجت شعاراته الطائفية بتحريك أتباعه في المنطقة ضد إسرائيل؛ فكانت 7 أكتوبر الماضي وبالاً على غزة وأهلها المنكوبين. اكتشف هذا المحور، عبر الطريق الصعب، أن إسرائيل ليست مثل أميركا، فتتالت الضربات الموجعة وترك الاستفادة من التجربة والخبرة العربية والعقلانية والواقعية في إدارة الصراع، وجرب أن يخوض طريق الحرب، وإن بتردد ظاهر والاكتفاء بالعنتريات والصواريخ الضعيفة.

7 أكتوبر الماضي كان قراراً من فصيل فلسطيني أحرق غزة وسكانها وأخرجهم من المعادلة، إن لم يخرجهم من التاريخ، وهو أشبه بالهجوم الياباني على بيرل هابر الأميركية، الذي أدى لدخول أميركا الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء، فخسرت دول المحور ألمانيا وإيطاليا ومن معهما الحرب بسبب الموقف الياباني. هجوم 7 أكتوبر الماضي أدى إلى انكشاف كامل لمحور المقاومة، وكل الدول العربية سعت جهدها السياسي والدبلوماسي حتى لا تتوسع الحرب في غزة، ولكن المواجهة قد بدأت وكل الظروف دفعت لإعادة ترتيب كبرى لأولويات المواجهة في الشرق الأوسط. الأيديولوجيا والخرافات لا تستطيع مواجهة العلم والاختراعات، فهما ينهزمان في كل معركةٍ، وهذا ما جرى بحيث أصبح التراجع لمحور المقاومة متتابعاً ومنهجياً وثابتاً عندما تحول الصراع من حرب باردة إلى حربٍ ساخنةٍ.

فقد هذا المحور في الحرب الساخنة قائد «حماس»، وميناء الحديدة في اليمن وقيادات في مقر دبلوماسي في دمشق، ومئات القيادات والعناصر في لبنان، وصولاً إلى «ضربة البياجر» التي جعلت العالم يقف متسائلاً بذهولٍ عن نوعية وطبيعة هذه الحرب التقنية الجديدة وغير المسبوقة، ثم جاء بعدها مباشرةً استهداف قيادات عسكرية مهمة لمحور المقاومة في لبنان، وصرح بعض المسؤولين الإسرائيليين أن «قواعد اللعبة قد تغيرت» وأصدر قائمة للقيادات التي يستهدفها والتي لم يتبق منها إلا ثلاث شخصياتٍ على قيد الحياة.

بعد هذا كله خفف محور المقاومة من لهجته السياسية، وخرج خطاب المقاومة مهزوزاً دون شعاراتٍ ودون صراخٍ، وأخذت الدول العربية مواقف رافضة للتصعيد وتوسيع الحرب، ولم يشمت بالحدث سوى اليتامى والثكالى العرب من ضحايا وحشية الأقليات التي قادها محور المقاومة ضدهم وهم يتذكرونهم جيداً بالأسماء والمناطق التي استهدفوها. أخيراً، فخيارات الحرب والسلام خياراتٌ عقلانيةٌ يدفع لها العقل والتجربة التي تتحول إلى خبرةٍ، والسعيد من اتعظ بغيره، والحروب لا تأتي بخير.

نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع و«ضربة البياجر» الصراع و«ضربة البياجر»



GMT 17:44 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

الشهادة القاطعة

GMT 17:43 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

GMT 17:41 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

لا تطمئنوا كثيرًا..!

GMT 17:36 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

استنزاف الشرع أم تفكيك سوريا؟

GMT 17:34 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إعادة قراءة لتواريخ بعيون فاحصة

GMT 17:32 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

إيران دون عقوبات: تمكين الحلفاء بديل النووي

GMT 17:30 2025 الإثنين ,05 أيار / مايو

هل عاد زمن العطارين؟

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:41 2023 السبت ,22 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.5 درجة في اليونان

GMT 07:39 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغجر يحبُّون أيضًا" رواية جديدة لـ"الأعرج"

GMT 15:40 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيفية اختيار لون المناكير المناسب

GMT 23:58 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

ساني يهزم نيمار في سباق رجل جولة دوري أبطال أوروبا

GMT 19:43 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

البدواوي يكشف أن "حتا" شهدت إقبالاً كبيراً من السياح

GMT 14:00 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "إشبيلية" يرغب في التعاقد مع ماركوس يورينتي

GMT 00:51 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

التلفزيون الملون لم يدخل بيوت الآلاف في بريطانيا

GMT 00:29 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

صفية العمري تؤكّد أنها تبحث عن الأعمال الفنية الجيدة فقط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib