سوريا بين المشكلة والإشكالية

سوريا بين المشكلة والإشكالية

المغرب اليوم -

سوريا بين المشكلة والإشكالية

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

تحرص الأكاديميات العلمية على التفريق بين المشكلة والإشكالية، ذلك أن المشكلة بسيطةٌ في تصورها وتوصيفها وحلولها، بينما الإشكالية ليست سهلةً لا في تصورها ولا توصيفها ولا محاولات إيجاد حلولٍ لها، وظلّ بعض الكتاب يعتقد أنهما مصطلحان يعبران عن نفس المعنى، وهذا أمرٌ غير صحيحٍ على الإطلاق.

كتب المفكر الكبير جورج طرابيشي في كتابه «هرطقات» كتابةً تعبر بدقةٍ عن هذا التفريق، فقال: «فالحديث عن إشكاليات الديمقراطية في العالم العربي لا يرادف الحديث عن مشكلاتها، فالمشكلة هي بالتعريف كل مسألة يمكن الإجابة عنها، بعد الدرس والتقصي، بطريقة علمية أو برهانية، ولكن الإشكالية بالمقابل هي كل مسألة أو مجموعة مسائل تكتنف الإجابة عنها صعوبات وتبدو قابلة لأجوبة متعددة، بل متناقضة، هذا إن لم تستوجب أصلاً تعليق الحكم بانتظار توفر شروط أفضل للإجابة، سواء من منظور وضوح الرؤية لمضمون الإشكالية، أم من منظور تقدم وسائل المعرفة، أم من منظور تطور الممارسة التاريخية التي من شأنها أن تسهل ما كان يبدو معقداً أو أن تحل عملياً ما كان يبدو غير قابل للحل نظرياً.

باختصار، لنقل إن الإشكالية، بخلاف المشكلة، لا تتحرى عن جواب، وبالأولى عن جواب يقيني، بقدر ما تعنى بصياغة السؤال وبسوقه إلى مجال الوعي وبالتحريض على البحث عن جواب، أو أجوبة عنه». مَن يمتلك إجاباتٍ لكل ما يجري في سوريا اليوم بَنى ذلك على اعتقاده أنها مجرد مجموعة مشكلاتٍ يمكن تصورها وتوصيفها وتقديم إجاباتٍ وحلولٍ لها ويكتب وينظّر على هذا الأساس، في حين أن مَن يقف متسائلاً عن كثيرٍ من المتغيرات القديمة والجديدة، التاريخية والواقعية، الهوياتية والعملياتية، السياسية والاجتماعية، وعن طبيعة العلاقات والتداخلات بينها، وما يمكن أن ينتج عن كل ذلك إنما يعبر عن اعتقاده بأن ما يجري في سوريا اليوم يعبر عن «إشكالياتٍ» معقدةٍ لا «مشكلاتٍ» سهلةٍ.

تعبر عن هذه الإشكاليات المعقدة والمتداخلة بعض الأسئلة التي تحتاج للصياغة مراراً وتكراراً قبل الأمل بالظفر بإجابات متكاملة لها، فمثلاً كيف يمكن أن تتعامل الدولة السورية مع «الأقليات» من الشعب السوري؟ وهي أقلياتٌ وجودها في سوريا ضارب الأطناب في التاريخ، وكثيرٌ منها وجد في نفس مكانه منذ ما قبل الإسلام.

الاعتراف بوجود الأقليات ليس جواباً سياسياً، بل هو إقرارٌ بمعطى تاريخي وواقعي، بينما جواب الدول يجب أن يكون برسم حدود الحقوق والواجبات بشكلٍ معلنٍ وقانونيٍ ودستوريٍ، حتى تستطيع هذه الأقليات أن تطمئن لمستقبلها، فأحداث الساحل السوري و«الأقلية العلوية» علّقت جرساً كبيراً للدولة السورية الجديدة، ولم يتوقف ذلك الجرس حتى علت أصوات «الأقلية الدرزية» في السويداء، والاعتماد في مواجهتها على «العشائر» السورية، ولمزيدٍ من التعقيد، فالعلويون لهم امتداداتٌ خارج سوريا، في تركيا وغيرها، والدروز كذلك، لهم امتداداتٌ في لبنان وإسرائيل وفلسطين، والعشائر أيضاً لها امتداداتٌ خارج سوريا، وضرب الهويات القديمة بعضها ببعض أخطر بكثيرٍ من أحداثٍ أمنيةٍ أو عسكريةٍ عابرةٍ. هذا في «الطوائف» المنتسبة للإسلام، علويين كانوا أم دروزاً أم عشائر، فكيف بالمنتسبين لأديانٍ مختلفةٍ مثل «المسيحيين» أو لإثنيةٍ غير عربيةٍ مثل «الأكراد»؟ هذا من جهة واقع الشعب السوري، وتنبثق عن هذا أسئلة أخرى عمّن هو المسؤول عن هؤلاء؟ هي الدولة السورية دون شكٍ، ولكن مَن يمثلها اليوم؟

تقرّ كل التقارير الغربية بوجود آلاف المسلحين «غير السوريين»، وهم مقاتلون مؤدلجون جاؤوا من أرجاء العالم في سنوات الحرب، فما دور هؤلاء؟ وهل يمثلون الدولةَ أم هم شيء مختلفٌ عنها؟ أخيراً، فالإشكاليات السورية أعقد بكثيرٍ من أن يتصور البعض أنه قادرٌ بالحماسة الفكرية والعنفوان الكتابي أن يتجاوزها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا بين المشكلة والإشكالية سوريا بين المشكلة والإشكالية



GMT 18:44 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

تاريخ النسيان

GMT 18:40 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

الجهل نعمة!

GMT 18:37 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

ترمب و«رقصة الفالس الدبلوماسية»

GMT 18:35 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

الفن والدين!!

GMT 18:33 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

شهاب والـ«تيك توكرز»

GMT 18:32 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

مبادرة عتبات الياسمين!

GMT 18:30 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

لأنهما مصر والأردن

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:16 2025 الثلاثاء ,05 آب / أغسطس

ناسا تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر
المغرب اليوم - ناسا تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر

GMT 15:22 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 03:19 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

أسوس تكشف عن مزايا هاتف "6Z" الجديد

GMT 09:44 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

إصابة شرطيين في حادثة سير بالفقيه بن صالح

GMT 10:33 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

ليفربول يواصل الاحتفال بهدف صلاح في مرمى تشيلسي

GMT 20:40 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

نانسي عجرم تكشف عن تفاصيل حياتها في برنامج "تخاريف"

GMT 18:01 2018 الخميس ,13 أيلول / سبتمبر

"دار السلام" تترقب تشغيل مستوصف في "سعادة"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib