«البراءة» مما جرى في غزة

«البراءة» مما جرى في غزة

المغرب اليوم -

«البراءة» مما جرى في غزة

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

كان نصراً قبل أسبوعٍ واحدٍ من الزمن ثم تحوّل هزيمةً، والهزيمة بلا أبٍ والتاريخ يكتبه المنتصرون، وعندما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة أخذ الجميع يتبرأ مما جرى في غزة، وكلٌ يرمي المسؤولية على غيره، وهذا طبع المنهزمين لا المنتصرين.
تسابق قادة حركة «حماس» على إعلان النصر المبين وتبريره سياسياً وعسكرياً وشنوا حملاتٍ منظمةٍ ضد «السلام» وحرّضوا الشعوب العربية تحت غطاء ذلك النصر المزعوم، وتلقت إسرائيل الصدمة التي لم يتوقعها أحدٌ واستوعبتها وبدأت تعدّ للرد، وهدد رئيس وزرائها بملاحقة قيادات «حماس» والانتقام منهم على ما صنعوه، وإسرائيل لها تاريخٌ طويلٌ في سياسات الانتقام من خصومها لطالما نجحت فيه، من نازيي ألمانيا إلى رموز بعض الفصائل الفلسطينية.
بعد هذا التهديد الإسرائيلي تقافز الجميع من مركب النصر وفتشوا عن قارب نجاةٍ ووجدوه في البراءة من العملية، ومن أي مسؤولية عنها، وخرج «خالد مشعل» الذي كان يزبد ويرعد قبل يومين ليقول إنه لم يعلم بالعملية إلا يوم تنفيذها، وإنه علم بها من خلال وسائل الإعلام، وتغيرت لغته ولهجته، ثم خرج بعده «صالح العاروري» ليتبرأ من المسؤولية ويرميها على سكان غزة المساكين ويقول بالحرف: «هناك أفراد عاديون من غزة تمكنوا من دخول المستوطنات وأسر مدنيين ولكن هذه ليست خطتنا ولا مبادئنا»، وهذا دون شكٍ موقفٌ معيبٌ أخلاقياً، لأن من يقدم على مغامرة وحربٍ عسكرية يفترض فيه الشجاعة وتحمّل المسؤولية، لا رميها على المدنيين الغزاويين المغلوبين على أمرهم. حرصاً على بناء الوعي وتراكمه ينبغي التركيز على هذا التقلّب السريع في المواقف، ومقارنتها بدقةٍ وإعادة النظر فيها وتحليلها والبحث عن دوافعها ومسبباتها، لأن ذلك يجنّب الشعوب العربية كثيراً من المشكلات والأزمات في المستقبل، تجاه هذه المسألة وشبيهاتها ليصبح لديه مناعةٌ وحصانةٌ ضد «القابلية للانخداع» وضد الشعارات والمزايدات التي تخلط الدين بالسياسة وتبني قرارات الحرب على توجيهاتٍ خارجيةٍ ذات أجنداتٍ لا تمت لسكان غزة وشعبها بأي صلةٍ.
جماعات الإسلام السياسي من أكثر التيارات فشلاً في السياسة وجرأةً على اقتحامها دون وعيٍ ولا رؤية، والنماذج كثيرةٌ ومتعددةٌ وبعضها قريب العهد إبان ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، ثم إنهم بسبب انتشار خطابهم وتفشي أتباعهم لا ينجحون إلا في المزايدة فحسب، وأخطر من هذا أنهم يشكلون تياراً سياسياً لا يستهان بتأثيره ولا يمكن التقليل من دوره، فهم متحالفون مع مشاريع سياسية إقليمية معلنةٍ، وهم شكلوا جزءاً من رؤيةٍ غربيةٍ سعت لقلب عدد من الأنظمة في الجمهوريات العربية قبل عقدٍ من الزمان، ومن هنا فالتقليل من دورهم في اللعبة السياسية إقليمياً ودولياً، إنما يراد به الدفاع عنهم وعن توجهاتهم الخطيرة أكثر منه استجابةً لأدوات التحليل السياسي ومنطق التاريخ وطبيعة البشر.
هذا من جهة السياسية، وأما من جهة الإسلام فهم أقلّ الناس وعياً بالفقه التقليدي وأدواته وعلاقاتهم مضطربة دائماً برموزه من الفقهاء الكبار، وهاهنا مثالٌ معبرٌ في هذا السياق، ففي منتصف التسعينيات أصدر الفقيه المعروف «ابن باز» فتوى بجواز الصلح الدائم مع إسرائيل بناء على أدواته الفقهية المعتبرة، فثارت ثائرة «جماعة الإخوان» وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها رفضاً لتلك الفتوى، وتحرك رموزهم ودعاتهم وخطباؤهم للرد عليها، ولأنهم كانوا يخشون من قوة «ابن باز» وتأثيره فقد اضطربوا كثيراً، وهذا المثال يوضح بجلاء حجم الفرق بين الفقه التقليدي وخطاب جماعات الإسلام السياسي.
أخيراً، فالتعاطف مع الشعب الفلسطيني تعاطفٌ مستحقٌ دون شكٍ، ولكن قراءة الأحداث السياسية بأدواتها هي المعين الأكبر على الفهم والتجاوز.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«البراءة» مما جرى في غزة «البراءة» مما جرى في غزة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء

GMT 16:12 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره الهنغاري

GMT 01:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتكوين تقترب من 100 ألف دولار مدفوعة بفوز ترامب

GMT 05:10 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

كريم بنزيما أفضل لاعب في العام جلوب سوكر 2022
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib