ألعاب التعريفات النارية لترمب ناجحة

ألعاب التعريفات النارية لترمب ناجحة

المغرب اليوم -

ألعاب التعريفات النارية لترمب ناجحة

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

رغم الضجيج وصيحات الغضب التي أثارتها قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة بشأن التعريفات الجمركية، قد يكون من المبكر تقييم تأثيرها الدائم. ومع ذلك، تبقى هناك بعض الأمور المؤكدة.

أول هذه الحقائق أنه على عكس ما يروّج له بعض المحللين عبر شاشات التلفزيون، فإننا لا نتجه نحو حرب تجارية عالمية. صحيح أن الولايات المتحدة تشكل أكبر اقتصاد بالعالم، وتحتل المرتبة الثانية باعتبارها قوة تجارية، إلا أن حصتها من التجارة العالمية تدور حول 12 في المائة أو أقل من 10 في المائة. أما الـ88 في المائة المتبقية من التجارة العالمية والتي تخص 192 دولة، فلن تتأثر على الفور بقرارات ترمب.

علاوة على ذلك، فإن ما يقارب نصف تجارة الولايات المتحدة الخارجية يتركز مع جارتَيها: كندا والمكسيك، اللتين خاضتا معركة رسوم جمركية في مواجهة ترمب في فترته الرئاسية الأولى، لكنهما نجحتا في التوصل إلى اتفاق نهاية المطاف، ومن المتوقع أن تفعلا الشيء ذاته هذه المرة.

وباستثناء تعريفة الـ10 في المائة العامة التي تشمل جميع الواردات، جرى اقتراح رسوم جمركية أعلى على نحو 60 دولة، من بينها قرابة 30 دولة تمثل 40 في المائة من مجمل التجارة الخارجية الأميركية.

وحتى وقت كتابة هذا المقال، أبدت العديد من هذه الدول استعدادها للتفاوض على حل وسط. حتى الاتحاد الأوروبي الذي هدد في البداية برد قوي، بدأ يدرك أنه إذا وجدت نفسك داخل حفرة، فعليك أن تتوقف عن الحفر. وقد توفر قمة «مجموعة السبع» القادمة فرصة لتناول هذا الأمر.

اللافت أن الصين التي بدت وكأنها دخلت في لعبة تحدٍّ ضد الولايات المتحدة، يكاد يكون في حكم المؤكد أنها ستدرك أنها لا تستطيع تحمّل تكلفة الدخول في مواجهة تجارية شاملة أمام واشنطن.

من ناحيتهم، عبر بعض المحللين، مثل أستاذ جامعة كولومبيا جيفري ساكس، عن اعتقادهم بأن التعريفات التي طرحها ترمب قد تؤدي إلى ركود اقتصادي. ويستشهدون على ذلك بقانون سموت-هاولي لعام 1930 الذي فرض مجموعة من التعريفات على الواردات الأميركية. ويرى ساكس أن هذا القانون سبب «الكساد الكبير».

من ناحية أخرى، أثار السلوك المتقلب للبورصات العالمية في الأيام القليلة الماضية شبح ركود جديد، لكنني أشكك في حدوث ذلك. وحتى إن حدث، فسيكون نتيجة لفهم خاطئ من قبل الممولين الذين تحركهم مشاعر الخوف والجشع، فالمصانع ستواصل العمل، والمزارع لن تتوقف عن الإنتاج.

أما صحيفة «واشنطن بوست»، فذهبت إلى أبعد من ذلك، عندما قارنت ترمب بالرئيس ويليام ماكينلي، واصفةً الولايات المتحدة ضمنياً بأنها «قوة إمبريالية». إلا أن الصحيفة تتجاهل السمات الأساسية للإمبريالية، والتي لا تنطبق على الولايات المتحدة؛ فالقوة الإمبريالية تصدّر شعوبها، في حين ظلت أميركا، بفضل الهجرة، مستوردةً للسكان طوال تاريخها.

ويواجه ترمب اتهامات باتباع سياسات حمائية، في حين على أرض الواقع، فإن مقداراً معقولاً من الحماية يُعد مفيداً للنمو الاقتصادي. ولولا الحمائية لَما استطاعت إنجلترا في العصر الفيكتوري أن تبني ثورتها الصناعية، ولا أن تؤسس إمبراطورية عالمية، ولَما أصبحت ألمانيا في عهد بسمارك المحرك الصناعي الأول لأوروبا في القرن التاسع عشر.

وبالمثل، فإن «معجزة» اليابان في عهد مييجي تحققت بفضل السياسات الحمائية.

ومع ذلك، فإن الحماية الزائدة قد تخلف تداعيات مؤذية؛ لأنها تقلل من المنافسة والابتكار، وتكافئ الكسل العلمي والفكري.

ومثل ترمب، كان آدم سميث، مؤسس علم الاقتصاد باعتباره علماً أكاديمياً، داعماً للتعريفات الجمركية، رغم رفعه شعار السوق الحرة باعتبارها النموذج الذي تصبح في إطاره جميع المزايا المقارنة لجميع الدول فاعلة. ومع ذلك، فإن هذا النموذج يعتمد على العبارة اللاتينية القائلة: «Ceteris Paribus» - وتعني: «مع ثبات جميع العوامل الأخرى».

بمعنى آخر، فإن توفر المواد الخام، وكذلك عمالة بأسعار تنافسية، وقرب الأسواق، والمستوى العلمي والتكنولوجي، والاستقرار السياسي والقانوني، والتنظيمات... جميعها عوامل تدخل في الحسبان. الواضح أن تحقيق التكافؤ في معظم هذه العناصر، إن لم يكن كلها، أمر غير واقعي، وأن أي علاقة تجارية ستضع أحد الأطراف في موقف أضعف.

وهذه تحديداً الحال الآن مع واشنطن، كما يتضح من عجزها الكبير في ميزان المدفوعات، ومديونيتها العامة، والرسوم الجمركية العالية التي تواجهها في عصر العولمة.

من جهته، حاول ترمب معالجة بعض هذا الخلل في ولايته الأولى، من خلال فرض الرسوم الجمركية، والتي أبقى عليها خليفته جو بايدن، رغم كونه من أنصار العولمة.

وفي ولايته الثانية، يعتزم ترمب الذهاب إلى أبعد من ذلك، عبر معالجة مشكلات أخرى متأصلة في النظام العالمي، مثل هشاشة سلاسل التوريد، والخطر الناتج عن الاعتماد الاستراتيجي على مصادر أجنبية لتوفير السلع والخدمات الحيوية.

وإذا ما جرى تنفيذ هذه الخطة المقترحة فعلاً، فإن واشنطن قد تعالج مشكلات أخرى كذلك، من بينها فقدان «الذاكرة الصناعية» في قطاعات كثيرة، وتدهور مناطق واسعة من البلاد نتيجة نقل الوظائف إلى الخارج، والإدمان على السلع الرخيصة وذات الجودة المتدنية.

وقد تكون هناك نتيجة غير مقصودة أخرى، وهي تقليص حصة الدولار الأميركي في المعاملات التجارية. وعلى عكس اعتقاد ترمب بأن «الدولار هو الملك» في التجارة العالمية، ويمثّل ميزة للولايات المتحدة، فإن خفض هذه الهيمنة قد يساهم في تحقيق هدف آخر له، وهو حماية واشنطن من تقلبات نظام عالمي قد يخرج عن السيطرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألعاب التعريفات النارية لترمب ناجحة ألعاب التعريفات النارية لترمب ناجحة



GMT 19:27 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الفرح ليس حدثاً

GMT 19:13 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

من نيويورك إلى غزّة

GMT 19:10 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تلك الصورة في البيت الأبيض

GMT 19:07 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

زغلول النجّار.. ودراما الإعجاز العلمي

GMT 19:04 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان: المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

GMT 19:02 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

طيور المحبة بين الرياض والقاهرة

GMT 18:58 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الخوف على السينما فى مؤتمر النقد!

GMT 18:55 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

السيمفونية الأخيرة

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء

GMT 16:12 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره الهنغاري

GMT 01:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتكوين تقترب من 100 ألف دولار مدفوعة بفوز ترامب

GMT 05:10 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

كريم بنزيما أفضل لاعب في العام جلوب سوكر 2022
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib