شبحان فرنسيان والرئيس ماكرون

شبحان فرنسيان والرئيس ماكرون

المغرب اليوم -

شبحان فرنسيان والرئيس ماكرون

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

في الوقت الذي يطرح فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه زعيماً جديداً لأوروبا في مبارزة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد يكون من الأفضل له أن يلقي نظرة على اثنين من عظماء فرنسا اللذين نصحا بعدم التسرع والغطرسة.

الأول هو تاليران، ذلك المثل الأعلى للدبلوماسية، الذي استطاع أن ينجو من أربعة أنظمة، بما في ذلك نظام أنشأته ثورة دموية، وآخر أشعل النار في أوروبا قبل أن يغرقها في الدماء.

ذات يوم استُدعي تاليران من قِبل نابليون الغاضب، والذي أمره على الفور بالمبادرة وصياغة إعلان حرب على النمسا رداً على «إهانات فيينا». فعل الدبلوماسي المحنك ذلك ولكن، كما يتذكر فيما بعد؛ احتفظ بإعلان الحرب ذلك تحت وسادته حتى اليوم التالي، عندها أمره الإمبراطور نابليون بنسيان الأمر برمته لأن فرنسا لم تكن مستعدة للحرب.

كانت الحكمة أفضل ما في الشجاعة.

أما الرجل الفرنسي العظيم التالي الذي يجب أن يتطلع إليه ماكرون فهو المارشال فرديناند فوش، القائد العام لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، فقد تلقى برقيات من جنرالات الجبهة الأمامية يرجونه فيها أن يزورهم على وجه السرعة، فاستقل المارشال سيارته آمراً السائق بقوله: «أسرع ببطء، فأنا في عجلة من أمري!».

وفي الأسبوعين الماضيين، كان ماكرون يتنقل في كل مكان ببراعة الفراشة. لقد افترض أن التحالف الذي دام 80 عاماً بين الديمقراطيات الأوروبية والأميركية قد انتهى أمره، وأن حلف شمال الأطلسي قد مات، وأن روسيا مصممة على غزو أوروبا، وأن الحرب - إن لم تكن الحرب العالمية الثالثة - باتت أمراً لا مفر منه.

ولكن ما سبب هذا التعجل الذي لا يمكن أن يتمخض عنه كما نعلم إلا الخراب أو ما هو أسوأ؟

الإجابة هي النسخة السياسية من برنامج تلفزيون الواقع «ذا أبرينتس - المتدرب» الذي قدمه الرئيس ترمب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، بالإضافة إلى بضع مئات من التغريدات، أو أياً كان ما يطلقونه عليها الآن، التي يلقيها الرئيس الأميركي على العالم في كل أسبوع.

بماذا قد ينصح شبحا تاليران وفوش ماكرون؟

كان من الممكن أن يدعو تاليران ماكرون إلى التريث ورؤية ما إذا كان برنامج المكتب البيضاوي لن يتضمن تكملة قد تُغير مسار الحبكة في اتجاه آخر الآن بعد أن فتح زيلينسكي حواراً جديداً مع الإدارة الأميركية الجديدة. كما أن تاليران كان سيدعو ماكرون إلى عدم الالتفات إلى حكاية جون بولتون المهلهلة حول تخطيط ترمب لتدمير حلف شمال الأطلسي، وهي الحكاية التي ظلت قيد التشغيل والتكرار لمدة ست سنوات تقريباً. بدلاً من ذلك، كان الدبلوماسي الماكر سوف يطلب من الرئيس الفرنسي أن ينتظر ليرى ما إذا كان ترمب سيحضر قمة حلف شمال الأطلسي المزمع عقدها في لاهاي بهولندا يومي 24 و25 يونيو (حزيران) المقبل، من عدمه.

كل ما نعرفه هو أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته يعمل مع خبراء واشنطن للتحضير للقمة.

ربما يكون تاليران قد يلفت انتباه ماكرون إلى موعد آخر مدرج في جدول أعمال قصر الإليزيه: قمة مجموعة السبع التي سوف تعقد في ألبرتا بكندا في الفترة من 15 إلى 17 يونيو، مع منح رؤساء الاتحاد الأوروبي هذه المرة مقاعد على الطاولة العليا.

ولإرضاء ترمب، استبدل الكنديون بالفعل برئيس الوزراء جاستن ترودو، الذي كان من أبغض الناس للزعيم الأميركي، مارك كارني الذي يدين بنجاحه في مسابقة زعامة الحزب الليبرالي جزئياً إلى موجة من القومية الكندية التي أثارها حديث ترمب عن زيادة الرسوم الجمركية وضم الأراضي الكندية. كارني المصرفي والخبير الاقتصادي هو الأقدر على التخفيف من حدة التوتر السياسي وتعزيز المراجعة الجادة للعلاقات التجارية والاقتصادية بين الجارتين.

كان فوش لينصح ماكرون بألا يفترض أن الولايات المتحدة سوف تجلس مكتوفة الأيدي بينما تشاهد جيش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المكون من الكوريين الشماليين والأوزبك والشيشان والكازاخستان بدعم من الطائرات الإيرانية المسيَّرة، وهو يزحف صوب الشانزليزيه.

وفي حين أنه لا يجب التقليل من شأن المخاطر التي يشكلها بوتين، إلا أنه سيكون من الحماقة المبالغة في تضخيمها بدافع من العصبية والتوتر.

ربما كان بإمكان المارشال الماكر أن يلاحظ أن بناء آلة حربية من النوع الذي يتحدث عنه ماكرون وأورسولا فون دير لاين قد يستغرق ما بين خمس إلى عشر سنوات. وربما كان بإمكان فوش أيضاً أن يعلق ساخراً بأنه لا يمكنك صد عدو بمجرد الكلام الكبير. وإذا كنت ترغب حقاً في تثبيت ظهر بوتين على الأرض، فلا بد أن تضع حداً لسيطرته على الأجواء الأوكرانية؛ ما يعني منح الأوكرانيين بعض الطائرات الحربية التي يمتلكها أعضاء الاتحاد الأوروبي.

يتحدث الرئيس ماكرون عن بناء نظام دفاعي أوروبي يتطلب قفزة هائلة إلى الأمام في التنمية الصناعية، والبحث العلمي والتكنولوجي، وإعادة التشكيل الاقتصادي والسياسي، وكل ذلك يتطلب دعماً شعبياً هائلاً، وهو أمر يعدّه قادة الاتحاد الأوروبي مفروغاً منه على مسؤوليتهم الخاصة.

ربما قدم الحكيمان الفرنسيان من الماضي اقتراحاً آخر: لماذا لا نحاول إيقاف حرب لا يمكن لأحد طرفيها أن يفوز بها ولا يمكن للآخر أن يخسرها؟ وهذا يتطلب التفكير قبل الفعل وليس العكس، وهي حقيقة تُدخل عنصر الوقت في أي حسابات.

في غضون عامين مع انتخابات التجديد النصفي الأميركية، هل سيكون ترمب بعد ذلك في الموضع الحصين المنيع نفسه الذي هو عليه اليوم؟ وهل يتمتع بوتين بالقدرة على التحمل التي يحظى بها عدَّاء المسافات الطويلة والاستمرار في حرب منحته التقدم بخطى شديدة البطء؟

هل يجب على أوروبا أن تنظر إلى روسيا بصفتها عدواً أبدياً مميتاً أو أن تفكر في تحويلها جاراً مقبولاً إن لم يكن صديقاً في غضون بضع سنوات قليلة؟

بعبارة أخرى، كما كان شبحا تاليران وفوش ليقولا: «لا تفعل اليوم ما قد تندم على فعله غداً».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبحان فرنسيان والرئيس ماكرون شبحان فرنسيان والرئيس ماكرون



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 01:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين
المغرب اليوم - ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib