إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة

إيران: لماذا لم تنفع الوصفة القديمة؟

المغرب اليوم -

إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة

أمير طاهري
بقلم : امير طاهري

مهما حاولت طبقة رجال الدين الحاكمة في إيران تزيين الأحداث الجارية في البلاد وطرحها في إطار إيجابي، يبقى الأمر الواضح للعيان أن: جمهوريتهم الإسلامية ليست في «مأزق» فحسب؛ وإنما في «مأزق عميق».

وبطبيعة الحال؛ ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها النظام؛ الذي جرى تشكيله على عجل على أيدي مجموعة من الملالي وأنصارهم اليساريين، عقبة في طريقه نحو المجهول؛ ذلك أنه حتى خلال عامها الأول، واجهت «الجمهورية الإسلامية» حركة مظاهرات ضخمة في طهران وعدد من المدن الكبرى الأخرى، واضطرت لاستخدام القوة لسحق حركات تمرد في صفوف الأكراد والتركمان داخل إيران.
وتبعاً لأفضل التقديرات المتاحة، فإنه كي تضمن بقاءها، أعدمت «الجمهورية الإسلامية» أكثر من 15 ألف شخص، ودفعت بأكثر من 8 ملايين إيراني نحو المنفى، ناهيك بحرب الأعوام الثمانية التي أشعلها آية الله الخميني مع العراق في ظل قيادة صدام حسين. ورغم كل هذا، فإن النظام نجح في البقاء بفضل عدد من العوامل.
كان أول هذه العوامل امتلاك الجمهورية الإسلامية قدراً ضخماً من النقد من عائدات صادرات النفط. ونتيجة الارتفاع المستمر في أسعار النفط، حصدت الجمهورية الإسلامية على مدار الأعوام الـ30 الأولى من تاريخها ما يفوق ما حصلت عليه إيران منذ أن بدأت التنقيب عن النفط عام 1908 بمقدار يتجاوز 20 ضعفاً.
وبفضل هذا المصدر المتاح للنقد، لم يجد حكام إيران الجدد أنفسهم بحاجة إلى المواطنين بصفتهم مصدراً للدخل عبر الضرائب مثلما الحال في البلدان الطبيعية.
في الوقت ذاته، لم يكن الحكام الجدد بحاجة إلى المواطنين كي يفوزوا في الانتخابات، نظراً لأن المرشحين كانوا ينالون الموافقة مسبقاً. ولم تكن الحكومة بحاجة إلى مواطنين كي يعملوا على استمرار الاقتصاد، خصوصاً أن أكثر من 4 ملايين لاجئ من أفغانستان والعراق وأذربيجان التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، وفّروا مصدراً ضخماً للأيدي العاملة الرخيصة.
وحول ما يتعلق بقتال المواطنين من أجل النظام، لم يكن الأخير بحاجة ملحة للمواطنين مرة أخرى نتيجة نجاحه في الاستعانة بمرتزقة من الدول المجاورة، خصوصاً أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ولبنان.
وكانت خطط الحروب بالوكالة هي التي جعلت من الجنرال قاسم سليماني بطلاً في الجمهورية الإسلامية. في الواقع، لم يكن سليماني بحاجة إلى أي خبرة عسكرية، وإنما كل ما احتاج إليه العمل آلة لضخ المال من أجل مقاتليه العاملين بالوكالة.
إلا إن الوضع تبدل اليوم، وتضاءلت العائدات النفطية عن ذي قبل. ويأمل النظام الإيراني في الحصول على نحو 60 مليار دولار سنوياً لتغطية نفقاته الأساسية. أما الاحتياطي الحالي المخصص للحرب، والذي جرى بناؤه على مدار سنوات عدة، فلن يتمكن من تغطية تلك النفقات الأساسية لأكثر من عام من الآن.
وتمثل عنصر آخر مهم في استراتيجية النظام الإيراني في ثقته بأنه مهما فعل في الداخل أو الخارج، فإن الدول الأخرى ستتحاشى دوماً اتخاذ إجراءات قوية ضده، وستفضل الحوار والتوصل إلى تسوية. إلا إنه اليوم بدأ هذا الخيار هو الآخر في التلاشي. وأشك في أنه حتى الأوروبيون الذين لطالما كانوا ضعاف القلوب في تعاملهم مع الملالي، سيرضون اليوم بمجرد ابتسامة ودّية ووعد بسلوك حسن مستقبلاً من طهران. وربما لا يزال الأمل يداعب الرئيس حسن روحاني ومن يطلق عليهم «فتية نيويورك» المحيطين به، في أن يصل مرشح عن الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض قريباً. لكن حتى لو حدث ذلك، فإنني أشك في أن أي رئيس أميركي في المستقبل سيكرر الأخطاء التي اقترفها باراك أوباما.
حتى قوة براغماتية مثل روسيا لم تَعُد تبدو على استعداد لخوض اللعبة تبعاً للقواعد التي صاغها الملالي. في الواقع، التجاهل الكامل من جانب الملالي للقوانين والأعراف الدولية للسلوك، والذي تجلى على نحو مأساوي في إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية في طهران، يجعل من الصعب حتى على ألدّ أعداء أميركا في الغرب وغيره الاستمرار في طرح الأعذار والمبررات لنظام فاسد وقاسٍ ويفتقر إلى الكفاءة.
ودارت الخطوة التالية في سيناريو الملالي حول تصوير أنفسهم على أنهم أشخاص وطنيون، ومطالبة الإيرانيين بغفران الهفوات التي يقعون فيها باسم الوطنية الخالصة. الملاحظ أن معاون روحاني المقرب، جواد ظريف والذي يتقلد منصب وزير الخارجية، كثيراً ما يتحدث عن «حضارة إيران الممتدة لـ7 آلاف عام» ويدّعي أنه «كنّا سادة العالم قبل أن يظهر الأميركيون على الخريطة». ومع ذلك، يبدو أن هذه الحيلة لم تفلح هي الأخرى، ذلك أن غالبية الإيرانيين، بمن فيهم كثير ممن يسوّقون المبررات للنظام داخل الغرب، يدركون جيداً أن الآيديولوجيا الجوهرية التي يقوم عليها النظام (الخمينية) تحمل في طياتها كراهية عميقة لكل ما هو إيراني.
والملاحظ أن محاولة الملالي الأخيرة لتسويق الجنرال سليماني على أنه بطل إيراني، وأيقونة قومية، أثبتت فشلها مع إقدام متظاهرين إيرانيين على تمزيق صوره. الحقيقة أن سليماني كان مجرد آلة لتوزيع المال؛ لم يفكر يوماً في أن يطلب من الإيرانيين الإذن في إنفاق أموالهم بالخارج. ولم تجرِ مناقشة الخطط التي كان يتولى الإشراف على تنفيذها في أي مكان، ولا حتى داخل المؤسسات التابعة للنظام ذاته، ناهيك بأي منتدى عام. كما أنه لم يكن مسؤولاً أمام أي شخص سوى «المرشد الأعلى» علي خامنئي الذي، تبعاً لما ورد في المقابلة الصحافية الوحيدة التي أجراها سليماني، لم يعبأ يوماً بالخوض في أي تفاصيل.
ويدور ملمح آخر في سيناريو البقاء الذي ينتهجه النظام في إثارة آمال كاذبة من خلال الدفع بشخصيات يفترض أنها «إصلاحية» وقادرة على أن تضع على وجهها ابتسامة بدلاً من الوجه العابس للنظام، وذلك لإرضاء بعض الإيرانيين وكثير من الأجانب السذج.
ومع ذلك، أصبح من الصعب اليوم تكرار هذه الخدعة، خصوصاً أن المزيد والمزيد من الفاعلين داخل لعبة «السعي وراء الإصلاح» أدركوا أنه يجري التلاعب بهم لكسب مزيد من الوقت فحسب. وعندما أخفقت جميع الخيارات الأخرى، أدرك الملالي أن بإمكانهم التشبث بالسلطة من خلال تنفيذ عمليات قتل وإلقاء قبض واسعة النطاق. وفي كل مرة استغلوا فيها هذه الحيلة، نجحوا في كسب بضع سنوات إضافية. إلا إن الأمر قد يكون مختلفاً هذه المرة.
يذكر أن الموجة الحالية من المظاهرات اشتعلت في غضون أيام قليلة من سحق الانتفاضة الوطنية السابقة. وبدت الجولة السابقة من المظاهرات منقسمة بين المطالبة بتغيير في النظام، والمطالبة بإجراء تغييرات شكلية؛ بينها استقالة عدد من كبار المسؤولين. ومع هذا، تركز المظاهرات الأخيرة بوضوح على المطالبة بتغيير النظام، حتى من جانب بعض «الساعين نحو الإصلاح» سابقاً. ويعني كل ذلك أن الوصفة الكلاسيكية للبقاء التي ينتهجها النظام لم تعد فاعلة؛ على خلاف ما كانت عليه سابقاً. وللمرة الأولى، بدأت أعداد متزايدة من الإيرانيين في النظر إلى تغيير النظام على أنه ليس فقط شعاراً مرغوباً، وإنما كذلك استراتيجية عملية لإنقاذ البلاد من المأزق الذي صنعته الخمينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة إيران لماذا لم تنفع الوصفة القديمة



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 02:49 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أبل تطلق خطة جديدة ماك بوك رخيص بمعالج آيفون
المغرب اليوم - أبل تطلق خطة جديدة ماك بوك رخيص بمعالج آيفون

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء

GMT 16:12 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره الهنغاري

GMT 01:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتكوين تقترب من 100 ألف دولار مدفوعة بفوز ترامب

GMT 05:10 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

كريم بنزيما أفضل لاعب في العام جلوب سوكر 2022
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib