الدكتوراه الفخرية

الدكتوراه الفخرية!

المغرب اليوم -

الدكتوراه الفخرية

بقلم : رشيد مشقاقة

دار بين رجلي قانون الحوار التالي:

ـ أنا من كتبت مقدمة مؤلفك وليس رئيسنا الذي ذكرت اسمه على الغلاف، هو لا يقرأ أصلا !

ـ المهم أن يرضى عني!

وقد بادرني أحدهم بالقول:

ـ كتابك “أمي” رائع، لِمَ لْمَ تَكْتُب عن والدك!

ـ بَلى، في الكتاب فصول عنه.

ـ لَمْ أَصِل إليها بعد!

ـ بل هِيَ في مقدمة الكتاب!

في المثالين معا استخدام غير أمين لملكة العقل في أمور المجاملة والأكاذيب والقربى والانتهازية لمداعبة شعور الآخر لكل غاية مفيدة!

ما دار بين القاضيين أعلاه لمسته فعلا بالمكتبة عندما وقفت على عدة كتب تصدرتها أسماء أشخاص نَكِرَات في الحقل المعرفي، لكنهم مُعرَّفون بمناصبهم الرفيعة، لذلك يُغِازَلون وتُمْسَح أحذيتهم. وقد ابتسم في وجهي صاحب المكتبة وقال:

ـ كانت لي كُتُب قيد الطبع، فاتصل بي أصحابها ملتمسين التريث في إصدارها ريثما تنقشع الغيوم عَنْ وَليِّ نعمتهم الجديد لإلغاء المقدمة واسم السَّلف غَير الصَّالِح!

تقديم أي كتاب يفترض في من يضطلع بمهامه أن يكون بالأساس يقرأ الكتب، وله الاطلاع والصلة بالمادة التي أُحيلت عليه لقراءتها، سواء أكانت قانونية أو أدبية بوجه عام، وأن يكون المُقَّدِم علامة فارقة في الحقل المعرفي!

وقد أخبرني دكتور في الحقوق، أن عدد رسائل الدكتوراه المتواضعة جدا، سارع أصحابها إلى طبعها ونشرها بتقديم لم تَقُم به الجهة المشرفة عليها، بل كُتِبَ للرئِيس المباشر لصاحبها، فلّما عاب عليه الأستاذ المشرف ذلك، قاطعه لغاية كتابة هذه السطور. أمَّا الإذن بالنشر الذي كان جزاءً إيجابيا وتتويجا للرسائل العلمية المتميزة، فقد أصبح حبرا على ورق، فجميع امتحانات الطَّلبة من الإجازة إلى الدكتوراه أصبحت في الأسواق تُباع بمقدمات طللية لا علاقة لها بالموضوع.

لا تقف خطورة المسألة عند محاباة رؤساء الممتَحِنين بتقديمهم لأوراق الامتحانات في شكل كتاب قانوني أو أدبي، بل تتاح لمنْ يَجْنَح إلى هذه البدع فرصة الترقي واحتلال المناصب الوظيفية بطريقة الخداع والنفاق، فهذه التزكيات المجانية تَضَعُ من لا مستوى علمي له في مقدمة العلماء والمفكرين، وليس غريبا أن تَجِدَهُ يوما ما مشرفاً بِدَوْرِهِ على رسائل الممتحنين، وأن يُذْكَر اسمه هو أيضا في زمرة من يقدمون كتب الغير!

الذي لم يقرأ كتابي، وضبطته مُتَلبِسا لا يختلف عن ذلك الذي قال لصاحبي: أنا لم أطلع مطلقا على ما كتبته، وما قلته في حفل التوقيع مجرد مجاملة، فسقط في عيني صاحبي وعَابَ عليه ذلك!

إذا كنا نعاني من هذا الإقبال المَرضي على التأليف، وجمع شتات النصوص من الوزارات والأمانة العامة للحكومة وطبعها بين غلافين جيدي الصنع، فإن أشد وأخطر المعاناة تأتي من هذه الفئة التي تستعمل أسماء رؤسائها وأولياء نعمتها على واجِهَة ما تدعيه كتاباً بقصد نَفْعِي خاص هو الرضا عنها. بهذه الوسيلة يقفز محترفو الغش والكسلاء ونَاقِلُو كتب الغير إلى مصاف الصدارة!

الرسائل الجامعية هي امتحانات، ولا يُصَنَّفُ صاحبها بها وَحْدها عالما أو مفكرا، ولا بد من تفعيل شرط الإذن بالنشر. هذا التضخم الذي نَرَاه بالمكتبات حولها إلى مدرج لِكُلية الحقوق أو الآداب وليس إلى دار علم، هو سر الضعف الذي نلاحظه على مستوى الفهم والاستيعاب لدى العديد من حملة الرسائل الجامعية الذين تأبطوها فقط، لإنعاش منصبهم الوظيفي!

رحم الله الأديب والمفكر الكبير عباس محمود العقاد، عندما رغبت جامعة القاهرة منحه الدكتوراه الفخرية كجائزة عن إنجازاته، رفضها قائلا: “على الدكاترة الذين سيمنحونني الجائزة أن يتقدموا إليّ لأقوم بفحص مؤهلاتهم، وهل يستحقون ألقابهم؟”. صدق العقاد!   

المصدر : صحيفة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدكتوراه الفخرية الدكتوراه الفخرية



GMT 10:14 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«أوراقي 9».. محمود الشريف الدور 9 شقة 4!

GMT 10:11 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات دمشق

GMT 10:10 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع من موسكو إلى واشنطن

GMT 10:09 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أما آن للمغرب العربي أن يتعافى؟

GMT 10:08 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الجهل قوّة يا سِتّ إليزابيث

GMT 10:07 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية: هل سيشكر ترمب ممداني؟

GMT 10:05 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» في بيانين

GMT 10:04 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس كَمَنْ سمع

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار

GMT 08:13 2016 الجمعة ,22 إبريل / نيسان

بيبيتو يكشف دور ميسي وسواريز في تألق نيمار

GMT 18:04 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وزير الرياضة يناقش خطة اتحاد الجودو في 2018

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 07:23 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"روائح مبعثرة" المجموعة القصصية الأولى للعسيري

GMT 05:34 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"سيات ليون كوبرا" ضمن أفضل 5 سيارات في "اليورو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib