فى الأيام القادمة، سوف يتردد كثيرًا اسم الموسيقار الكبير محمود الشريف، وذلك بعد عرض فيلم «الست»، بطولة منى زكى، تأليف أحمد مراد، إخراج مروان حامد.
سيرى الناس جانبا مسكوتا عنه، تعودنا فى كل الأعمال الدرامية التى تناولت حياة (ثومة) أن نسقط تماما تلك الوقائع من حياتها، وهى أيضا لم تكن تريد أن يتصفحها أحد، ويقدمها على الشاشة، كإنسان يضعف أمام نداء قلبه، عندما أحبت رجلا أصغر منها، ملحن اسكندرانى موهوب عنيف تلقائى بوهيمى.. الفيلم الذى لم أشاهده حتى الآن، أظنه سيلتقط هذا الخيط، ولا أدرى بالطبع هل سيقول كل الحقيقة، أم سيكتفى بشذرات منها!.
من حسن حظى وفى بداية مشوارى الصحفى تواصلت معه، على الفور حدد موعد اللقاء فى بيته بالقرب من ميدان (باب اللوق) تحديدا عمارة شهيرة (استراند)، الدور التاسع شقة ٤.
رفض بغضب شديد أن أسجل الحوار بالجهاز الصغير الذى أحمله، فى البداية كان متوجسا، وبعد أول لقاء صار يطلق عليَّ (ابنه الروحى) ولم يكتف فقط بالتسجيل، كان بيننا لقاء كل مساء خميس استمر عدة سنوات.
فى حجرة صغيرة كانت هى (البلكونة) التى يطل منها على الشارع، أغلقها بألواح خشبية حتى تتسع شقته بإضافة غرفة للضيوف، محتفظا فقط بسور البلكونة، واضعا عليه فى الصيف العديد من القلل القناوى وداخلها الماء المعطر برائحة الورد والياسمين.
شهدت الغرفة عشرات من كبار القمم الغنائية وهم يستمعون إلى ألحانه على العود.
أتذكر مثلا أننى كنت شاهدا على بروفة بالعود مع سعاد حسنى وهو تغنى (لحظة سجودى/ هى دى لحظة لقاك) كتبها بهاء جاهين فى رثاء والده صلاح جاهين.
استمعت أيضا لشادية وهى تغنى على عود الشريف (غربتنى الدنيا عنك)، ولا أدرى السبب فى انها لم تسجلها بصوتها وسجلتها بعد ذلك ياسمين الخيام.
بروفات الأغنيتين قبل أكثر من ٣٠ عاما أهديتهما للإعلامية الكبيرة مشيرة كامل، وأذيعا فى برنامجها (من تسجيلات الهواة)، البرنامج به مئات من الكنوز، أتمنى أن نحافظ عليها من أيدى العابثين، وان تبدأ محطة الأغانى فى منحها مساحات على الخريطة.
أتذكر من الشخصيات التى التقيتها فى تلك الحجرة محمد عبد المطلب ومحمود شكوكو وحورية حسن وكارم محمود ومحمد قنديل وحافظ سلامة، والد جمال وفاروق سلامة؛ حيث كان يكتب (النوتة) الموسيقية لمحمود الشريف، وأيضا الموسيقار عطية شرارة الذى كان أيضا يتولى نفس المهمة. الشريف مثل أغلب ملحنى ذلك الزمان، لم يكن يكتب (النوتة).
الشخصية التى لها مكانة خاصة فى قلبى ( الشيخ حامد مرسى ) توفى عام ١٩٨٢، لحن له سيد درويش (زورونى كل سنة مرة)، وكان معبودا للنساء وتزوج ١٠ مرات، أشهرهن للفنانة الكوميدية الكبيرة عقيلة راتب، أول من حمل لقب (بلبل مصر)، الذى أطلقوه بعد ذلك على عبد الوهاب.
قال لى حامد إن سيد درويش أعجب بصوته عندما استمع إليه بعد بروفة واحدة وهو يغنى (زورونى كل سنة مرة)، وأثناء غنائها على المسرح وكانت تشاركه الراقصة حياة صبرى والتى كان يهيم بها سيد درويش عشقا، لاحظ درويش أن هناك شيئا من الاستلطاف بينهما، فطرده من الفرقة ليغنى هو مع حياة صبرى.
كان الشريف يعتز جدا بألحانه، وكثيرا ما كان يتعذر ماديا حتى عن دفع إيجار شقته ٧ جنيهات شهريا.. كنت معه، ودق جرس الباب وكان يتحرك بصعوبة، ومشرفة المنزل (فوقية) فى إجازة، طلب منى أن أطل من العين السحرية وأعرف من يطرق الباب، رأيت مطربا شهيرا، سيمنحه مؤكدا أموالا طائلة فى اللحن، عندما أخبرته باسمه طلب منى أن أتركه يرن الجرس حتى يزهق، كان يصفه بأنه صوت مكتمل (نظريا) إلا أن قلوب الناس موصدة أمامه.
هذا فقط جزءٌٌ يسيرٌ مما أحمله من ذكريات مع محمود الشريف، الذى ألقى بلحن (شمس الأصيل) من هذه الشرفة الدور ٩ شقة ٤ بعد إعلان فشل استكمال زواجه من أم كلثوم!!.