زنقة الأصنام

زنقة الأصنام!!

المغرب اليوم -

زنقة الأصنام

رشيد مشقاقة

قبل مدة رحلت عنّا فنانة قديرة، في صمت رهيب ودعت أهلها وجمهورها بلا استئذان. حضرت جنازتها وقد التف حولها أفراد أسرتها من رجال الفن، فاستحضرت جسدها النشيط وهي تركض فوق الركح، وتبعث من خلال الحوار رسائل صريحة غاية في البوح بقضايا المجتمع. فنصفق ملء العقول والأفئدة والأكف. ثم اخترق ذاكرتي صوتها الناعم عبر المسلسل الإذاعي «الأزلية»، إنها رسولة السلام «شامة» التي جسدتها باقتدار الفنّانة الراحلة فاطمة بنمزيان، وقد ظلت الألسن إلى زمن غير يسير تلهج باسم البطلة في كل مناسبة. ثم التقيت بابن الراحلة بعد وفاتها بمدة، فبدا الرجل حزينا. قال بنبرة آسفة: «لم ينصف المجتمع والدتي، السيدة التي جايلت كبار الفنانين، لم تحظ بوسام ملكي قيد حياتها وبعد أن لبت نداء ربها». إنها أجدر به بما قدمته من أعمال كامرأة في زمن كانت نساء الفن فيه على رؤوس الأصابع، نحن – أبناءها- لا ندري ما السِّرُ في استثنائها من هذا الإنعام المَلَكي الجميل، فهو رمز للتقدير والمحبة والرضا الذي كانت ستناله من الجناب الشريف لو دفع باسمها ضمن الكوكبة التي عاشت إلى جانبها، أو أتت بعْدَها، فالكل يَعرف من هي الفنانة فاطمة بنمزيان، فهي ظلت إلى حين اقتراب أجلها وفيّة للرسالة التي اضطلعت بها.
سمعت من الابن البار حكاية أم أنجبت أسرة فنية متكاملة في الكتابة والإخراج والتمثيل، هي أسرة الجندي أبناء الفنان القدير أحمد حسن الجندي، وشعرت بالظلم الكبير الذي عاشته الفنانة، وقارنت بين فن رفيع هو ملك الفنون بدون منازع لا نوليه اهتماما، وبين تفاهات تخاطب النزوات وتحرض على المجون وتذهب بالعقول، وتنشر الرذيلة، وقد حظيت بإقبال منقطع النظير، وراكم روادها ما راكموه من متاع الدنيا!!
ثم نظرت إلى مدينتي سلا، وتملكني الضحك وأنا أرى أسماء الأزقة والشوارع بلا معنى ولا هدف، فاستحضرت أسماء كبيرة مرت بتاريخ المدينة والبلد كله لا تطلق على مرافقها، وإن هي أطلقت علّقَت لوحاتها على دروب مجهولة بجوار المقابر أو مستودع النفايات أو في الفراغ!!
في الوقت الذي يسمي المقاولون وأرباب رؤوس الأموال المؤسسات الثقافية والتعليمية بأسمائهم.
ثم أجريت مقارنة بين هذا الذي أراه وبَيْنَ ما أعاينه فعلا ببلاد غربية متقدمة، فتأكدت فعلا أننا متخلفون عَن سَبق إصرار وترصد وتصميم، وليس بالصدفة!!
وكأنني لامست خواطر الرجل فقال: «تَسْعى العائلة جاهدة كي تقبل جهة الاختصاص بإطلاق اسم الفنانة فاطمة بنمزيان على مؤسسة تعليمية بالمدينة، وقد وعدوني خيرا» فقلت له ضاحكا: «هل لازالت الأصنام كما كانت بالجاهلية»؟
فرد مبتسما: «لا».
قلت له: «اذهب إلى المدينة الفلانية، ستجد زقاقا يحمل اسم «زنقة الأصنام»، وفي مدينتك سَلاَ، هناك «زنقة الحَبْس»، وزنقة «الدولة».
في مدينة الأولياء والصالحين، العلماء والفلاسفة والمفكرين، والأدباء والفنانين، والوطنيين الفدائيين، لا تطلق أسماؤهم على شوارعها وأزقتها ودروبها، وتحل محلها أسماء الوديان والأنهار، ودول العالم ومدنها وقد لا تحمل اسماً!!
ودّعت صاحبي مواسيا: «قَد يكون إغفال توشيح اسم الفنانة فاطمة بنمزيان بوسام ملكي عابرا، كما سيكون إطلاق اسمها على أحد شوارع أو أزقة مدينتها شرفا لأهل الفن والثقافة». فلننتظر!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زنقة الأصنام زنقة الأصنام



GMT 18:16 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

بقّال

GMT 18:10 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

أسبوع حكومي مشوش.. وَلِّدْها يا حسان..

GMT 18:08 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

اللعبة البطيئة في لبنان

GMT 18:07 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

القيادة العالمية وزمن «الباكسا الصينية»

GMT 18:05 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

«سرسوب» رمسيس والإسراف في الاستظراف
المغرب اليوم - نانسي عجرم تكشف موعد طرح ألبومها الجديد Nancy 11

GMT 21:04 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هيرفي رونار يقلل من قيمة الدوري المغربي للمحترفين

GMT 10:02 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

منزلك أكثر تميّزًا مع الديكورات اليابانية العصرية

GMT 19:00 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تطور ملحوظ وفرص سعيدة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 21:52 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء الكيلاني تثير الرأي العام بقصة إنسانية في "تخاريف"

GMT 11:00 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

"بوما" تطرح أحذية رياضية جديدة ومميزة

GMT 10:39 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

تعرفي على إتيكيت أكل "الاستاكوزا"

GMT 12:35 2013 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

البدء فى البرنامج التوعوي التثقيفى لمرضى داء السكر في سبها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib