الكناوي سيدي ميمون

الكناوي سيدي ميمون!

المغرب اليوم -

الكناوي سيدي ميمون

رشيد مشقاقة

لم يستطع البائع أن يقف على مشترياتنا، فقد شرعت فرقة غنائية من فصيل «كناوة» في الرقص والغناء وقَرْعِ أدَوَاتِهَا أمام باب الدكان، فتملكتني نوبة من الضحك.
لم أجد في ما أراه غرابة، فمنذ زمان استعصى على الغير فهمنا لما نستعمله من أدوات الزعيق والفوضى والهتاف والهيجان، وقد ضحك الفنان القدير كرم مطاوع بعينيه الكبيرتين، عندما سأله قائد شرذمة من الطَّبالينَ وحملة الدُّفوفِ والمزامير عن رأيه في الأوبريت التي قدمتها الفرقة قائلا: هذه أوبريت؟ واللهِ إنه طموح غريب؟
نعتقد في ما بيننا وبين أنفسنا أننا نُقْنِعُ مَحَاوِرينا عندما نرفع أصواتنا، وغالبا ما يبدي هؤلاء تسليما بواقع الأمر من باب التملص من الإزعاج، وقد استغربت وزيرة أجنبية من ارتفاع صوت زميلها المغربي أثناء الحوار، فهمست في أذن المترجم متسائلة: ـ هل هو أطرش؟ فالأطرش هو من يعتقد أنه صَوْتَهُ غير مسموع مادَام يعاني هو شخصيا من هذه الآفة!
في جميع معاركنا الفكرية والثقافية والرياضية والاجتماعية نرفع عَقِيرَتَنَا ونُجْهِزُ عَلى من يُخُالِفُنَا الرأي، أو يستمع إلينا كي لا يحرك ساكنا:
زعقت جِهَة تنادي بمساواة المرأة بالرجل بالإرث دُون تَرَوٍّ، فقالت لها الجهة التي تزعم أنها تنوب ـ معاذ الله ـ على الذات الإلهية، أنت لا تعرفين الزعيق الحقيقي، فاستفادت صفحات الإعلام ولن يستفيد الفكر الرصين شيْئا!!
ووظفنا ولازلنا نُوَظِّفُ الهتاف والفوضى في قضايا مصيرية فيطأطئ من نَصْرُخُ في قاع أذنه رَأسَهُ متألما غير فاهم، فيحصل لنا بالضبط ما حصل للفنان عادل إمام في فيلم «خلـي بالك من جيرانك»، فبعد أن أثنى على سلوك رجل وزوجته لا يحدثان أية قلاقل بالعمارة التي يسكنان بها دون بقية الجيران، اكتشف أنهما أطرشان أبكمان، لا يفهمان شيئا مما يحيط بهما، فأسقط في يده!!
طريقتنا في بلوغ الهدف تشبه الطريقة ذاتها التي تستعمل في صَيْدِ الخنازير، يستدير الزَّاعِقون حول الغَابَةِ، فَيَتَصَايَحُونَ من جميع الاتجاهات، وَغَالِبا ما يكون الخنزير قَدْ فَرَّ قبل ميعاد الصياح، فنصطاد خُفـَّي حنين!!
فَغَر العالم فمه لمّا صاحبت الموسيقى التصويرية ساحة «جامع الفنا» التي قدمناها مصيدة لاستضافة كأس العالم، فبدت قطعة من الفردوس، لوْ طابَقَ المتفرجون الخيال بالواقع لرفعوا الأعلام البَيْضاء!!
ومن يستمع إلى أصواتِنَا وصراخنا منذ سبعِينيات القرن الماضي في فرع رياضة كرة القدم، لاعْتَقدَ أننا حصدْنَا كؤوس المشرق والمغرب كاملة، بينما لم نَفُزْ منها بشيء!!
في حمأة الزعيق والهتاف بالأغاني والأناشيد، وقرع طبول الحماسة نَتَغَلـبُ على خصومنا، فيخْفِي إشهار السَّقف عيوب البناء، وتُخْفِي حفلات الأعراس عيوب الزوجين معا، لتَقعَ الأولى على رؤوس السكان، ويشهر الطلاق سَيْفَهُ في الثانية.
ونحن نستعمل الطلاسيم في علاقتنا ببعضنا البعض، وفي علاقتنا بالأجنبي من كل دول المعمور، فلا يفلح الساحر من حيث أتى!
اختلط الأمر على البائع، فقد حجبت عليه فرقة «كناوة» السمع والبصر، وفي الوقت الذي كان يحاول جاهدا استفهامي حول المشتريات، ارتفع بيننا صوت الكنَاوي راقصا بطاقيته المزركشة ولونه البرونزي اللامع وهو يردد ضاحكا «الكنَاوي..أبُو طاقِية…الكْنَاوي سِيدي مِيمُونْ!!»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكناوي سيدي ميمون الكناوي سيدي ميمون



GMT 18:16 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

بقّال

GMT 18:10 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

أسبوع حكومي مشوش.. وَلِّدْها يا حسان..

GMT 18:08 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

اللعبة البطيئة في لبنان

GMT 18:07 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

القيادة العالمية وزمن «الباكسا الصينية»

GMT 18:05 2025 السبت ,12 تموز / يوليو

«سرسوب» رمسيس والإسراف في الاستظراف

GMT 21:04 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هيرفي رونار يقلل من قيمة الدوري المغربي للمحترفين

GMT 10:02 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

منزلك أكثر تميّزًا مع الديكورات اليابانية العصرية

GMT 19:00 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تطور ملحوظ وفرص سعيدة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 21:52 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء الكيلاني تثير الرأي العام بقصة إنسانية في "تخاريف"

GMT 11:00 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

"بوما" تطرح أحذية رياضية جديدة ومميزة

GMT 10:39 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

تعرفي على إتيكيت أكل "الاستاكوزا"

GMT 12:35 2013 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

البدء فى البرنامج التوعوي التثقيفى لمرضى داء السكر في سبها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib