المفتش والمسيح
البحرين تفتح مجالها الجوي مؤقتاً كإجراء احترازي تصعيد إقليمي خطير وقصف إيراني يستهدف قاعدة العديد بحضور قائد "سنتكوم" وتحركات عسكرية في سوريا وإسرائيل تهاجم طهران إيران تؤكد أن الهجوم على قاعدة العديد في قطر هو رد يأتي في إطار الرد بالمثل وبما يتوافق مع القوانين الدولية وحق الدفاع المشرو الجيش الإسرائيلي يستكمل موجة من الغارات في غرب إيران استهدفت مواقع لتخزين صواريخ ومسيّرات قطر تدين استهداف قاعدة العديد وتؤكد التصدي للصواريخ الإيرانية بنجاح سقوط طائرة مسيرة من نوع "شاهد 101" في عمان يُسبب أضرارًا مادية وسط إجراءات أمنية مشددة إيران تعلن أن عدد الصواريخ التي أطلقتها على قطر كان مساويًا لعدد القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة في المواقع النووية إنطلاق صافرات الإنذار في ثلاث دول عربية خلال الرد الإيراني على الهجوم الأميركي إطلاق عمليات "بشائر الفتح" الإيرانية ضد قاعدة العديد الأميركية وتصريحات إسرائيلية عن تهديدات قادمة انفجارات في طهران والدوحة تدين هجوم الحرس الثوري الإيراني على قاعدة العديد وتؤكد حقها في الرد
أخر الأخبار

المفتش والمسيح

المغرب اليوم -

المفتش والمسيح

ادريس الكنبوري

في رائعته الخالدة "الإخوة كارامازوف" يحكي دوستويفسكي قصة طريفة، سنلخصها سريعا: هبط المسيح ذات يوم في القرن السادس عشر في إشبيلية، حيث كانت محاكم التفتيش تقتل يوميا المئات من البشر، تحت قيادة"المفتش الكبير". وبينما كان يتفقد"خرافه" أمر المفتش الكبير باعتقاله. وفي المساء ذهب إلى زيارته في زنزانته، وقال له: "لقد كنت تقول بأنك ستجعل الناس أحرارا، وها أنت قد رأيتهم كذلك، ولكن هذا كلفنا كثيرا، إلا أننا نجحنا أخيرا في عملنا الذي أنجزناه باسمك، والآن كن واثقا بأن الناس لم يشعروا بأنهم أحرار كما هم اليوم، ومع ذلك، فإنهم يأتون ويضعون حريتهم تحت أقدامنا!".

تصلح هذه القصة اليوم في تفسير الوضع الذي يعيشه المسلمون في الوقت الحالي باسم الدين. فالمفتش الكبير ينفذ جريمته باسم المسيح، بينما هو يعتقله في زنزانة، ويعتبر أن قتل الناس عملية تطهير لهم من المعاصي، لذلك يرى أنه يقوم بتحريرهم منها. أما أنهم يضعون حريتهم تحت قدمي المفتش فلأنهم تطبعوا على العبودية، فلم يعودوا يفهمون العبودية سوى بوصفها خضوعا لسلطان ديني. لكن المفارقة الرئيسية في الحكاية هي أن المفتش يعتقد أنه يحرر البشر، في الوقت الذي يجرد المسيح من حريته، ويؤمن بأنه لم يفعل سوى تنفيذ تعاليمه.

تشبه صورة المفتش الكبير الجماعات المتطرفة التي أصبحت اليوم تتوسل بالسلاح والقتل من أجل انتزاع صفة"الناطق"باسم الدين، والممثل له، زارعة في طريقها الرعب والعنف باسمه. فهي تعتقد بأنها تنطلق في أعمالها من الإسلام، بينما هي تعتقل الدين في زنزانة ضيقة لأنها تحاصره في تفسيرات متشددة، لا ترى شيئا آخر خارجها سواها. وتُعمل آلة القتل في المسلمين ظانة أنها تنفذ الأحكام الشرعية من أجل تحرير البشر من المعاصي، بينما هي تقوم بعمل وحشي مناف للإسلام الذي جاء رحمة للعالمين.

ولأن لكل شيء أصلا، لا بد من التساؤل عن أصول هذا التحول نحو التطرف والعنف داخل الإسلام بالشكل الذي نراه اليوم. لقد شغل عدد من المستشرقين أنفسهم كثيرا بالبحث عن جذور العنف والتشدد داخل الدين نفسه، وذلك من أجل إدانته في مقابل المسيحية التي لخصوها بجرة قلم واحدة في كونها ديانة التسامح، رغم أن هذا ليس صحيحا، وإلا لما كان هناك عصر تنوير في أوروبا وانقلاب على الكنيسة، ولما كتب لوك رسالته الشهيرة في التسامح، التي كانت إنجيل الأنوار. فتراث التنوير في حد ذاته يدين المسيحية كما كانت مطبقة.

لكن في الجانب المسلم، اكتفى العلماء بأمرين: الرد على "مطاعن" المستشرقين بكثير من العاطفة المجردة عن العلم، عدا محاولات قليلة، للإنصاف، والتنقيب في"فقه الاستبداد" للرد على السلطة. ولكون السلطة هي العقدة الرئيسية التي واجهها المسلمون في تاريخهم، خصوصا منذ سقوط الخلافة، غفلوا عن البحث في"فقه العنف" الناتج عن تفسيرات و"تبريرات" النص الدين، متناسين أنه إذا كان هناك فقه استبداد في الأعلى، فلأن ذلك الفقه يتحرك بحرية في الأسفل، وسط المجتمع، في التعليم النظامي وغير النظامي، وفي التراث الفقهي والديني الذي يتم تناقله بين الأجيال، كابرا عن كابر.

ولذلك ليس مفيدا اليوم ـ بعد خراب مالطا كما يقال ـ الاكتفاء بالتذكير بأن الإسلام دين تسامح واعتدال، طالما أن ذلك التراث لا يزال يتحرك بحرية ويمكن لأي جماعة اقتناصه وتبنيه، باسم الدين. لقد كان رواد الإصلاح الإسلامي في بداية القرن الماضي واعين بهذه الحقيقة، ولذلك ركز معظمهم على التربية والتعليم، من خلال إصلاح المناهج في الأزهر والقرويين والزيتونة، ولكن هؤلاء حوربوا من طرف العلماء التقليديين الذين أرادوا الحفاظ على القديم لأنه "من الدين". أراد هؤلاء أن ينجزوا ـ تقريبا ـ ما أنجزه مفكرو التنوير في أوروبا عندما وضعوا "الموسوعة" في عصر ديدرو ودالامبير، للقطع مع مناهج ومعارف متهالكة يمجها العقل وروح العصر.

بيد أن هذه الرغبة لم تمت في صدور العلماء الذين كانوا يرون في الأفق رياحا خريفية قادمة. وقد حاول البعض التصدي لما شاب التراث الديني والفقهي من قضايا كانوا يرون أن لا علاقة لها بالإنسان والحضارة، وبالضرورة لا علاقة لها بروح الإسلام، من أجل تهذيب هذا التراث وتطهيره من الغلو، لكنهم جوبهوا بحرب شرسة شنت عليهم من مختلف الجهات. والمفارقة ـ التي يمكن أن نراها اليوم بعين أخرى ـ أن واحدة من هذه الجهات كانت هي السلطة في العالم العربي، التي تبحث اليوم عن مخرج من هذه الدائرة الجهنمية، وصل مداها إلى انتقاد المدونة الفقهية والعقدية التي تقوم عليها الدولة نفسها في بلد عربي كبير. وعندما أعلن محمد الغزالي في مصر موقفه الصريح من أجزاء من هذا التراث قامت ضده موجة تشهير واتهم بالكفر والزندقة، ومات واقفا وهو يتكلم نتيجة الحسرة.

لهذا كله، يجب أن تكون هناك جرأة صريحة للقول بأن الذين كانوا يتصدون للتجديد باسم الحفاظ على تراث الأجداد دون تمييز، هم الذين مهدوا السبيل للتطرف الديني ولظهور السلفية الجهادية اليوم، من غير أن يدركوا بأنهم يؤسسون لمحاكم التفتيش باسم ذلك التراث، كما اعتقل المفتش الكبير المسيح باسم المسيح نفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفتش والمسيح المفتش والمسيح



GMT 20:10 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

شهادة منزلية

GMT 20:09 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

ثلاثةُ ملاكمين وهاويةٌ غير مسبوقة

GMT 20:08 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

«طوارق» الليل والنهار

GMT 20:06 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

أي فرصة سلام بعد الصدمة؟

GMT 20:05 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

دموع «الأرتيست»

GMT 20:04 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

لا مفاجأة فى الموضوع

GMT 20:02 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

من أغبى القرارات!

GMT 20:01 2025 الإثنين ,23 حزيران / يونيو

(جمعاء) يصادر (زوزو)!!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 21:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 08:54 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مايك شوماخر يشكل فريقا مع فيتيل في "سباق الأبطال"

GMT 05:25 2016 الخميس ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

معارض ماركس آند سبنسر تطرح تشكيلات رائعة وبأسعار جيدة

GMT 13:33 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أهمية تغيير زيت فرامل السيارة وخطورة تجاهله

GMT 03:21 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكويتية إلهام الفضالة تروي تفاصيل الحالة الصحية لزوجها

GMT 23:05 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

الاتّحاد السعودي يمنح حمد الله مكافأة بقيمة 50 ألف دولار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib