المفتش والمسيح
أميركا تسمح لسوريا باستئناف عمل سفارتها في واشنطن هانيبال القذافي يغادر سجن بيروت بعد عشر سنوات من التوقيف في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر تركيا تؤكد على وحدة سوريا وتحذر من مخاطر تقسيمها ترامب يهدد بمقاضاة BBC بعد كشف تلاعب تحريري في وثائقي حول أحداث الكابيتول تجمعات مؤيدة ومعارضة أمام البيت الأبيض خلال أول لقاء بين ترامب والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع نتنياهو يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن أحداث السابع من أكتوبر 2023 في خطاب مثير للجدل أمام الكنيست الولايات المتحدة تنفذ ضربتين جوّيتين ضد قاربين لتهريب المخدرات في المحيط الهادئ وتقتل 6 أشخاص وسط جدل قانوني دولي إعتقالات واعتداءات إسرائيلية على الفلسطينيين في الخليل والقدس ورام الله مع تحطيم قبور بمقبرة باب الرحمة منظمة الصحة العالمية تحذر من أزمة إنسانية في غزة مع انتظار أكثر من 16 ألف مريض للعلاج في الخارج رحيل المطرب الشعبي إسماعيل الليثي بعد تدهور حالته الصحية عقب حادث سير وحزن مضاعف بعد عام من فقدان إبنه
أخر الأخبار

المفتش والمسيح

المغرب اليوم -

المفتش والمسيح

ادريس الكنبوري

في رائعته الخالدة "الإخوة كارامازوف" يحكي دوستويفسكي قصة طريفة، سنلخصها سريعا: هبط المسيح ذات يوم في القرن السادس عشر في إشبيلية، حيث كانت محاكم التفتيش تقتل يوميا المئات من البشر، تحت قيادة"المفتش الكبير". وبينما كان يتفقد"خرافه" أمر المفتش الكبير باعتقاله. وفي المساء ذهب إلى زيارته في زنزانته، وقال له: "لقد كنت تقول بأنك ستجعل الناس أحرارا، وها أنت قد رأيتهم كذلك، ولكن هذا كلفنا كثيرا، إلا أننا نجحنا أخيرا في عملنا الذي أنجزناه باسمك، والآن كن واثقا بأن الناس لم يشعروا بأنهم أحرار كما هم اليوم، ومع ذلك، فإنهم يأتون ويضعون حريتهم تحت أقدامنا!".

تصلح هذه القصة اليوم في تفسير الوضع الذي يعيشه المسلمون في الوقت الحالي باسم الدين. فالمفتش الكبير ينفذ جريمته باسم المسيح، بينما هو يعتقله في زنزانة، ويعتبر أن قتل الناس عملية تطهير لهم من المعاصي، لذلك يرى أنه يقوم بتحريرهم منها. أما أنهم يضعون حريتهم تحت قدمي المفتش فلأنهم تطبعوا على العبودية، فلم يعودوا يفهمون العبودية سوى بوصفها خضوعا لسلطان ديني. لكن المفارقة الرئيسية في الحكاية هي أن المفتش يعتقد أنه يحرر البشر، في الوقت الذي يجرد المسيح من حريته، ويؤمن بأنه لم يفعل سوى تنفيذ تعاليمه.

تشبه صورة المفتش الكبير الجماعات المتطرفة التي أصبحت اليوم تتوسل بالسلاح والقتل من أجل انتزاع صفة"الناطق"باسم الدين، والممثل له، زارعة في طريقها الرعب والعنف باسمه. فهي تعتقد بأنها تنطلق في أعمالها من الإسلام، بينما هي تعتقل الدين في زنزانة ضيقة لأنها تحاصره في تفسيرات متشددة، لا ترى شيئا آخر خارجها سواها. وتُعمل آلة القتل في المسلمين ظانة أنها تنفذ الأحكام الشرعية من أجل تحرير البشر من المعاصي، بينما هي تقوم بعمل وحشي مناف للإسلام الذي جاء رحمة للعالمين.

ولأن لكل شيء أصلا، لا بد من التساؤل عن أصول هذا التحول نحو التطرف والعنف داخل الإسلام بالشكل الذي نراه اليوم. لقد شغل عدد من المستشرقين أنفسهم كثيرا بالبحث عن جذور العنف والتشدد داخل الدين نفسه، وذلك من أجل إدانته في مقابل المسيحية التي لخصوها بجرة قلم واحدة في كونها ديانة التسامح، رغم أن هذا ليس صحيحا، وإلا لما كان هناك عصر تنوير في أوروبا وانقلاب على الكنيسة، ولما كتب لوك رسالته الشهيرة في التسامح، التي كانت إنجيل الأنوار. فتراث التنوير في حد ذاته يدين المسيحية كما كانت مطبقة.

لكن في الجانب المسلم، اكتفى العلماء بأمرين: الرد على "مطاعن" المستشرقين بكثير من العاطفة المجردة عن العلم، عدا محاولات قليلة، للإنصاف، والتنقيب في"فقه الاستبداد" للرد على السلطة. ولكون السلطة هي العقدة الرئيسية التي واجهها المسلمون في تاريخهم، خصوصا منذ سقوط الخلافة، غفلوا عن البحث في"فقه العنف" الناتج عن تفسيرات و"تبريرات" النص الدين، متناسين أنه إذا كان هناك فقه استبداد في الأعلى، فلأن ذلك الفقه يتحرك بحرية في الأسفل، وسط المجتمع، في التعليم النظامي وغير النظامي، وفي التراث الفقهي والديني الذي يتم تناقله بين الأجيال، كابرا عن كابر.

ولذلك ليس مفيدا اليوم ـ بعد خراب مالطا كما يقال ـ الاكتفاء بالتذكير بأن الإسلام دين تسامح واعتدال، طالما أن ذلك التراث لا يزال يتحرك بحرية ويمكن لأي جماعة اقتناصه وتبنيه، باسم الدين. لقد كان رواد الإصلاح الإسلامي في بداية القرن الماضي واعين بهذه الحقيقة، ولذلك ركز معظمهم على التربية والتعليم، من خلال إصلاح المناهج في الأزهر والقرويين والزيتونة، ولكن هؤلاء حوربوا من طرف العلماء التقليديين الذين أرادوا الحفاظ على القديم لأنه "من الدين". أراد هؤلاء أن ينجزوا ـ تقريبا ـ ما أنجزه مفكرو التنوير في أوروبا عندما وضعوا "الموسوعة" في عصر ديدرو ودالامبير، للقطع مع مناهج ومعارف متهالكة يمجها العقل وروح العصر.

بيد أن هذه الرغبة لم تمت في صدور العلماء الذين كانوا يرون في الأفق رياحا خريفية قادمة. وقد حاول البعض التصدي لما شاب التراث الديني والفقهي من قضايا كانوا يرون أن لا علاقة لها بالإنسان والحضارة، وبالضرورة لا علاقة لها بروح الإسلام، من أجل تهذيب هذا التراث وتطهيره من الغلو، لكنهم جوبهوا بحرب شرسة شنت عليهم من مختلف الجهات. والمفارقة ـ التي يمكن أن نراها اليوم بعين أخرى ـ أن واحدة من هذه الجهات كانت هي السلطة في العالم العربي، التي تبحث اليوم عن مخرج من هذه الدائرة الجهنمية، وصل مداها إلى انتقاد المدونة الفقهية والعقدية التي تقوم عليها الدولة نفسها في بلد عربي كبير. وعندما أعلن محمد الغزالي في مصر موقفه الصريح من أجزاء من هذا التراث قامت ضده موجة تشهير واتهم بالكفر والزندقة، ومات واقفا وهو يتكلم نتيجة الحسرة.

لهذا كله، يجب أن تكون هناك جرأة صريحة للقول بأن الذين كانوا يتصدون للتجديد باسم الحفاظ على تراث الأجداد دون تمييز، هم الذين مهدوا السبيل للتطرف الديني ولظهور السلفية الجهادية اليوم، من غير أن يدركوا بأنهم يؤسسون لمحاكم التفتيش باسم ذلك التراث، كما اعتقل المفتش الكبير المسيح باسم المسيح نفسه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفتش والمسيح المفتش والمسيح



GMT 19:27 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الفرح ليس حدثاً

GMT 19:13 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

من نيويورك إلى غزّة

GMT 19:10 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تلك الصورة في البيت الأبيض

GMT 19:07 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

زغلول النجّار.. ودراما الإعجاز العلمي

GMT 19:04 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان: المفاوضات وأزمة السيادة المنقوصة

GMT 19:02 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

طيور المحبة بين الرياض والقاهرة

GMT 18:58 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الخوف على السينما فى مؤتمر النقد!

GMT 18:55 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

السيمفونية الأخيرة

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 01:52 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قائد الجيش الباكستاني يحصل على صلاحيات واسعة وسط معارضة
المغرب اليوم - قائد الجيش الباكستاني يحصل على صلاحيات واسعة وسط معارضة

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib