بيروت ـ المغرب اليوم
طلب الرئيس اللبناني جوزاف عون، الخميس، من الجيش "التصدي لأي توغل إسرائيلي"، وذلك بعد ساعات من مقتل موظف بلدي في قرية حدودية بجنوب البلاد بنيران قوة إسرائيلية.
وقالت رئاسة الجمهورية إن عون طلب، خلال لقائه قائد الجيش رودولف هيكل، "تصدي الجيش لأي توغل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية المحررة دفاعاً عن الأراضي اللبنانية وسلامة المواطنين"، معتبراً أن مقتل الموظف "يندرج في إطار الممارسات الإسرائيلية العدوانية".
ويأتي التوغل وسط تصعيد عسكري متزايد في الجنوب، حيث كثّفت إسرائيل غاراتها خلال الأسبوع الأخير، وأسفرت عن مقتل 23 شخصاً، وفق وزارة الصحة اللبنانية. وذكر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه تحقّق من مقتل 111 مدنياً في لبنان منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتنصّ الهدنة الموقّعة بوساطة أمريكية وفرنسية على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية وتراجع حزب الله عن منطقة جنوب الليطاني، إلا أن إسرائيل ما زالت تحتفظ بخمس نقاط استراتيجية داخل لبنان.
وفي ظل تزايد الغارات وطلعات الطائرات المسيّرة فوق بيروت، تصاعد القلق من احتمال توسّع رقعة الحرب، بينما بات الملف محور نقاش واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتباين التقديرات بشأن المرحلة المقبلة، إذ يرى بعض المراقبين أن البلاد تقف على أعتاب مواجهة جديدة، فيما يعتبر آخرون أن التطورات الراهنة تندرج ضمن حربٍ نفسية وضغوط سياسية متبادلة.
وسط تصعيد ميداني متسارع في الجنوب اللبناني، شهدت بلدة بليدا حادثة وصفتها مصادر لبنانية بأنها "الأخطر منذ وقف إطلاق النار".
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن قوة إسرائيلية توغلت، الخميس، داخل الأراضي اللبنانية لمسافة تقارب ألف متر، حيث دخلت إلى مبنى بلدية بليدا وأطلقت النار على موظف مدني يدعى إبراهيم سلامة أثناء وجوده في المبنى، ما أدى إلى مقتله.
وذكرت مصادر أمنية وإعلامية متقاطعة أن التوغل تخلله إطلاق نار كثيف، واستدعى الجيش اللبناني تعزيزات إلى المنطقة، كما أجرى اتصالات عاجلة مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، التي حضرت إلى الموقع لاحقاً.
وبحسب الروايات المتداولة، انسحبت القوة الإسرائيلية بعد نحو ساعتين من التوغل.
وعلّق الناطق باسم الجيش الإسرائيلي على الحادثة بالقول إن القوات الإسرائيلية "رصدت مشتبهاً به داخل مبنى يستخدم لنشاطات تابعة لحزب الله تحت غطاء مدني، وعند تحديد تهديد مباشر أطلق النار ما أدى إلى إصابة"، مضيفاً أن تفاصيل الحادثة "لا تزال قيد التحقيق".
ووصف الرئيس اللبناني جوزاف عون الحادث بأنه "انتهاك خطير للسيادة"، وطلب من قائد الجيش التصدي لأي توغل مماثل، معتبراً أن اغتيال موظف بلدي مدني خلال قيامه بمهامه "يشكّل امتداداً لسلسلة الاعتداءات التي لم تتوقف رغم الاجتماعات المتكررة للجنة مراقبة اتفاق وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم)".
وأضاف عون أن اللجنة "يجب أن تتجاوز دورها في تسجيل الانتهاكات إلى ممارسة ضغط فعلي على إسرائيل للالتزام بالاتفاق"، محذّراً من أن "الصمت الدولي إزاء هذه الخروقات يساهم في استمرارها".
ونعى رئيس الحكومة نواف سلام الموظف البلدي إبراهيم سلامة، واصفاً التوغل الإسرائيلي بأنه "اعتداء صارخ على مؤسسات الدولة اللبنانية وسيادتها". وأكد سلام أن الحكومة تواصل اتصالاتها مع الأمم المتحدة والدول الراعية لاتفاق الهدنة لضمان وقف الانتهاكات وتنفيذ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية.
وجاءت هذه التطورات بعد أيام من غارة إسرائيلية استهدفت منشرة خشب على أطراف بلدة البياض الحدودية، وأسفرت عن مقتل شقيقين، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام محلية. وأثار مقطع مصوّر لوالدتهما وهي تصرخ عند تلقيها نبأ مقتلهما تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، حيث اعتبره كثيرون تعبيراً عن معاناة المدنيين جرّاء التصعيد العسكري المتواصل.
ويتزامن هذا التصعيد مع حراك دبلوماسي مكثّف منذ مطلع الأسبوع، إذ وصلت الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس إلى بيروت قادمة من إسرائيل للقاء مسؤولين لبنانيين والمشاركة في اجتماع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية في الناقورة. كما زار العاصمة اللبنانية في اليوم نفسه مدير المخابرات المصرية حسن رشاد، تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ضمن مساعٍ إقليمية ودولية لاحتواء التوتر.
أشار عدد من الصحافيين والمحللين إلى تكرار سيناريو معروف في لبنان: كلما اقتربت زيارة مبعوث أمريكي ارتفعت نبرة التهويل بقرب اندلاع الحرب وتحديد مواعيد لها، ثم تمرّ الزيارة وينقضي الموعد ولا يحدث شيء.
وعلى موقع "أكس"، كتبت الدكتورة ليلى نقولا، وهي أكاديمية وخبيرة في العلاقات الدولية، أن هذه الموجة من التخويف "اشترك فيها هذه المرّة الإعلام الإسرائيلي مع اللبناني والعربي"، معتبرةً أنها جزء من حرب معلومات ممنهجة تستهدف لبنان.
وتوضح نقولا أن إسرائيل تخوض حرباً من نوع آخر إلى جانب عدوانها الميداني، وهي حرب المعلومات المضللة والشائعات. برأيها، فإنّ بث الأخبار الكاذبة والسيناريوهات المقلقة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل يهدف إلى"خلق حالة هلع وإرباك وضغط نفسي على اللبنانيين".
كذلك انتقد الأستاذ الجامعي والباحث قاسم غريب بعض الصحف اللبنانية التي عنونت تقاريرها بتعابير من قبيل "تحذير أخير" و"منعطف مصيري قد يعيد لبنان إلى أتون الحرب" إذا لم ينزع سلاح حزب الله، متسائلاً: "ما الجدوى من هذا التهويل؟" في ظل غياب أي تأكيدات فعلية لحرب وشيكة.
وفي السياق نفسه، دعا الصحافي والمحلل حسن الدر إلى الكفّ عن إشاعة أجواء الحرب قبل حصولها، قائلاً: "نحن لا نريد الحرب ولا أن نعيشها قبل أن تحصل… فاتقوا الله في أعصاب الناس".
لكن في المقابل، يرى فريق من المراقبين أن الخطر حقيقي ولا يجوز تغطيته بطمأنة مفرطة. فالصحافي حسين نور الدين حذّر من "أن التقليل من نوايا إسرائيل العدوانية لا يقل خطورة عن التهويل ذاته"، قائلاً إن إسرائيل "تقصف كل يوم وتتوعد بتوسيع الحرب"، فيما الحراك الدبلوماسي المكثف مؤشر إلى احتمال تصعيد قادم.
ويرى نور الدين أن كل التحليلات التي استبعدت توسّع الحرب كانت خاطئة، معتبراً أن إطلاق التحذيرات الجدية من الحرب ليس تهويلاً بل واجب في ظل المعطيات الميدانية. وعبّر عن اعتقاده بأن محللي "محور المقاومة" الذين يستبعدون المواجهة يعيشون "في عالم خيالي"، داعياً إلى مصارحة الناس بالسيناريو الأسوأ بدل تخديرهم بالطمأنة.
كذلك، أشار الصحافي سامي كليب إلى معلومات حصل عليها تفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بصدد تصعيد وتوسيع نطاق ضرباته في لبنان لاستهداف كوادر عسكرية وسياسية من حزب الله.
ورغم استبعاده العودة الفورية إلى حرب شاملة من دون ضوء أخضر أمريكي، نبّه كليب إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لعدة سيناريوهات هجومية بهدف منع حزب الله من استعادة عافيته.
فهل يمهّد التصعيد الحالي لحرب جديدة أم سيقتصر الأمر على مواجهات محدودة ومضبوطة؟
يرى عدد من المحللين أن الاحتمال الثاني هو الأرجح في المرحلة الراهنة، استناداً إلى المعطيات العسكرية والسياسية. ويقول الكاتب والمحلل غسان جواد إن تكرار سيناريو حرب موسعة كما حصل في سبتمبر/أيلول 2024، التي استمرت قرابة شهرين، مستبعد حالياً، موضحاً أن التصعيد الإسرائيلي لا يشير إلى نية لخوض حرب شاملة، بل يهدف إلى الضغط على حزب الله عبر اغتيالات وضربات موضعية تستهدف الحد من قدراته، بحسب تعبيره.
ويضيف أن هذه الاستراتيجية تمثل محاولة لإضعاف الحزب تدريجياً من دون كلفة مواجهة كبرى، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن الظروف الإقليمية والدولية، بما فيها مسار العلاقات بين واشنطن وطهران وتطورات الأوضاع في غزة وسوريا، لا تسمح حالياً بحرب واسعة.
ويرجح مراقبون استمرار الوضع الحالي من غارات إسرائيلية وردود محدودة، ما لم يطرأ تحول إقليمي كبير يغيّر ميزان القوى.
مع ذلك، لا يستبعد بعض المراقبين احتمال توسّع المواجهة إذا تطورت الأوضاع في اتجاهات غير متوقعة.
وكتبت الصحفية ريتا مقبل في تدوينة على منصة "إكس" أن "دبلوماسياً غربياً يرجّح بقاء الوضع تحت السيطرة حتى انتهاء زيارة البابا للبنان، المقررة بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني و2 ديسمبر/كانون الأول 2025، وبعدها قد ترى إسرائيل فرصة للانتقال إلى تصعيد أكبر أو حتى حرب أوسع، وإن بشكل تدريجي".
قد يهمك أيضا
مجلس الأمن يبحث مصير قوات "يونيفيل" في لبنان وواشنطن تضغط للانسحاب وجوزاف عون يؤكد التمسك ببقائها