رفضت الحكومة الإسرائيلية بشدة موجة الانتقادات الدولية التي أعقبت مصادقة المجلس الوزاري الأمني المصغر "الكابينت" على خطة عسكرية تهدف إلى السيطرة الكاملة على مدينة غزة، في خطوة وُصفت بأنها تصعيد غير مسبوق في الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عامين.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن "الدول التي تدين إسرائيل وتهدد بفرض عقوبات لن تضعف عزيمتنا"، مضيفاً: "سيجدنا أعداؤنا يداً قوية وموحَّدة ستضربهم بقوة كبيرة". وجاءت هذه التصريحات رداً على إدانات دولية واسعة للخطة، التي تقضي بإحكام السيطرة العسكرية على كامل مدينة غزة، والتي تشهد دماراً واسع النطاق ونزوحاً جماعياً منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن المرحلة المقبلة من العمليات تستهدف السيطرة على المناطق الأكثر كثافة سكانية والتي تضم أكثر من مليوني فلسطيني، معظمهم من النازحين، في وقت قالت فيه الحكومة إن الجيش يسيطر بالفعل على نحو ثلاثة أرباع القطاع.
وتتضمن الخطة، التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية، خمسة أهداف رئيسية: القضاء على البنية العسكرية لحركة حماس، استعادة الرهائن الإسرائيليين، نزع سلاح القطاع بشكل كامل، فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية طويلة الأمد، وإنشاء إدارة مدنية بديلة لا تخضع لحماس أو للسلطة الفلسطينية.
وتتضمن المراحل الأولية من الخطة السيطرة الكاملة على مدينة غزة، ونقل ما يقرب من مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع، إلى جانب السيطرة على مخيمات اللاجئين في وسط غزة والمناطق التي يُعتقد أن فيها رهائن إسرائيليين. كما تشمل العملية توزيع مساعدات إنسانية على المدنيين خارج مناطق القتال، بالتوازي مع زيادة الهجمات العسكرية.
وفي المقابل، أعلن مجلس الأمن الدولي عن عقد جلسة طارئة يوم الأحد المقبل لبحث تداعيات الخطة الإسرائيلية، وذلك بناءً على طلب عدد من الدول الأعضاء، وفي مقدمتها فلسطين. وقال المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، إن الخطوة تمثل تصعيداً خطيراً "يتناقض تماماً مع القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي والمنطق السليم".
ومن جانبها، وصفت حركة حماس الخطة بأنها "جريمة حرب جديدة وتطهير عرقي"، متهمةً إسرائيل بالتخلي عن الرهائن لصالح تصعيد عسكري جديد، ومؤكدة أن أي محاولة لتنفيذ هذه الخطة ستواجه "مقاومة شرسة" وستُكلّف إسرائيل ثمناً باهظاً. كما حمّلت الحركة الولايات المتحدة مسؤولية دعم إسرائيل في هذه العملية، معتبرة أنها أجهضت جهود الوساطة التي كانت قريبة من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وفي السياق ذاته، وصفت الرئاسة الفلسطينية الخطة بأنها "جريمة مكتملة الأركان" واستمرار لسياسة "الإبادة الجماعية والقتل الممنهج والحصار"، معتبرةً أنها تنتهك القانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية.
وعلى الصعيد المحلي داخل إسرائيل، أثارت الخطة خلافات واسعة، حيث انتقدها مسؤولون عسكريون وزعماء في المعارضة. ووصف يائير لابيد، زعيم المعارضة، الخطة بأنها "كارثة"، محذراً من أنها ستؤدي إلى مقتل الرهائن والجنود. كما قال رئيس الوزراء السابق بيني غانتس إنها تمثل "فشلاً سياسياً"، فيما حذر رئيس الأركان إيال زامير من تبعاتها.
وأصدر منتدى عائلات الرهائن بياناً شديد اللهجة قال فيه إن "الحكومة حكمت بالإعدام على الرهائن وتخلّت عنهم"، محذّراً من أن حياة ما لا يقل عن عشرين رهينة لا تزال على قيد الحياة في غزة أصبحت في خطر داهم.
وتعززت معارضة الخطة بعريضة وقّعها نحو 300 مهندس معماري ومخطط حضري إسرائيلي، طالبوا فيها بوقف الخطة والدعوة إلى إعادة إعمار غزة، معربين عن "صدمتهم العميقة" من حجم الدمار والقتل والتهجير في القطاع، الذي أسفر عن تدمير أكثر من 280 ألف وحدة سكنية و2300 مؤسسة تعليمية وعشرات المستشفيات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى المساجد والكنائس والأسواق والبنى التحتية.
وفي ظل الانهيار الإنساني الكامل، دعت شخصيات وطنية وأكاديمية وعشائرية من غزة، حركة حماس، إلى تسليم إدارة القطاع إلى لجنة عربية برئاسة مصر، تمهيداً لتسليم زمام الأمور للسلطة الوطنية الفلسطينية، في محاولة "لإنقاذ ما تبقى من الوطن والمواطن" بحسب البيان الصادر عنهم.
من جانبه، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن الخطة تمثل "تصعيداً خطيراً" من شأنه أن يزيد من الكارثة الإنسانية، داعياً إلى وقف دائم لإطلاق النار وضمان دخول المساعدات دون قيود. وأكد المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن أي تصعيد إضافي سيقود إلى المزيد من القتل والدمار والتهجير القسري.
وفي تقرير لها، قالت المقررة الأممية الخاصة بالأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، إن "من الصعب تخيّل حجم الأذى الذي قد يُحدثه تنفيذ الخطة"، مؤكدةً أن غزة باتت في حالة انهيار كامل، وأن الاحتلال الإسرائيلي للقطاع "غير قانوني ويجب تفكيكه" وفقاً لما جاء في قرارات محكمة العدل الدولية.
هذا وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الغالبية العظمى من سكان القطاع هجّروا من منازلهم، وأن نحو 12 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، في وقت وصلت فيه أجزاء واسعة من غزة إلى مرحلة المجاعة، مع حرمان واسع من الغذاء والماء والرعاية الصحية، بسبب الحصار الإسرائيلي المتشدد المفروض على دخول المساعدات، والذي تقول تل أبيب إنه يستهدف تقويض قدرات حركة حماس.
ومنذ بدء الحرب عقب هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف 251 رهينة، شنّت إسرائيل هجوماً عسكرياً واسع النطاق على قطاع غزة، أدى، بحسب وزارة الصحة في غزة، إلى مقتل ما لا يقل عن 61,158 فلسطينياً، أغلبهم من النساء والأطفال.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر