حين تصبح «الفيفا» ساحة للحرب الباردة المتجددة

حين تصبح «الفيفا» ساحة للحرب الباردة المتجددة

المغرب اليوم -

حين تصبح «الفيفا» ساحة للحرب الباردة المتجددة

عريب الرنتاوي


لست ممن يتابعون أو يهتمون بأخبار “الفيفا”، والأصل أنني لست شديد التعلق بكرة القدم ... لكن ما جرى في الأيام القليلة الفائتة من أحداث وتطورات، سياسية بامتياز، دفعتني رغم أنفي لمتابعة التطورات، سيما وأن كبريات الصحف ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية، قد رفعت خبر “الفيفا” إلى صدارة صفحاتها ونشراتها الإخبارية، حتى إن الانتخابات النيابية والرئاسية في عشرات الدول، لم تحظ بساعات “البث المباشر” التي حظيت بها انتخابات “الفيفا”. فساد “الفيفا” يزكم الأنوف، ليس الآن، وإنما منذ سنوات طوال، والمنظمة “الثرية” تحولت إلى إمبراطورية يديرها “ديكتاتور” منفرداً، لم يتردد وهو في التاسعة والسبعين من عمره، محاطاً بكل الشبهات والفضائح، من خوض غمار الولاية الخامسة، بالضد من الانتقادات والنصائح والتحذيرات، التي صدرت عن جهات سياسية ورياضية على أرفع المستويات في العالم، بل ومقامراً بمستقبل المنظمة و”الكرة” على حد سواء، ومجازفاً بانشقاق “الفيفا” وخروج “قارات” من عضويتها. لكن أن “تستفيق” الولايات المتحدة فجأة على أمر الفساد المستشري في “الفيفا”، وبالطريقة والتوقيت اللذين جاء عليهما الأمر، فتلك مفاجأة من العيار الثقيل، دفعت قادة الكرملين للبوح بخشيتهم من “مؤامرة” أمريكية هدفها “تشليح” موسكو “شرف استضافة “مونديال 2018” ... فجأة تقفز مسألة، الأصل فيها أنها جنائية، إلى مسألة سياسية، وعنوان من عناوين الحرب ... قطر بدورها نظرت بارتياب إلى ما يجري، فهي تدرك أنها ستؤكل يوم يؤكل “الدب الروسي الأبيض” ... كان لا بد من خوض معركة بلاتر حتى النهاية، باعتبارها خط الدفاع الأول عن مونديال الدوحة، وليس مونديال موسكو وحده. لنكتشف أن للرجل جذوراً ضاربة في عمق الاتحادات الآسيوية والأفريقية، لكأنه “النصير” الأوحد، لرياضة الفقراء واتحاداتها، ولنرى أن سنوات التحكم والسيطرة على اللعبة ومواردها وأطرها القيادية، قد جعلت منه “نظاماً” غير قابل للانحناء أمام “رياح الربيع” التي اجتاحت أروقة “الفيفا” بقوة هادرة ... لقد صمد “رأس نظام الفيفا” على الرغم من الزلزال الذي أطاح بـ “الخلية الأمنية” المحيطة به، وبرغم التوصيفات القاسية جداً التي جهد القضاء الأمريكي في استخدامها للإطاحة به، والتي وصلت حد تشبيه “الفيفا” بعصابات الجريمة المنظمة والمافيات وشبكات غسيل الأموال. ليست قدرات بلاتر الخارقة ولا “سحر” شخصيته الكارزمية وحدهما هما من مكنّاه من الفوز بالمعركة على الأمير علي بن الحسين ... المعركة تخطت الرياضة إلى السياسة، وهنا يصبح استخدام كل أنواع السلاح، من الابتزاز إلى الإغراء، أمراً مشروعاً بالنسبة للأطراف المتضررة من رحيله. العرب كعادتهم، دخلوا معركة “الفيفا” منقسمين على أنفسهم ... المحاور التي تصطرع في أريحا وجسر الشغور وعدن ومأرب، لقيت صدى لها في أروقة المؤتمرين وقاعات اجتماعاتهم ... حتى أن بعضهم جعل من نفسه “هيئة أركان حملة بلاتر”، ولأسباب مختلفة، بعضها يعود لمصالح مباشرة، وأخرى متصلة بمنطق المناكفات والنكايات الذي يحكم العمل العربي المشترك ... وهذا أمرٌ مؤسف، ويصفع بقوة كل المروجين لنظرية “الصحوة العربية الجديدة” ... من أخفقوا في امتحان “الفيفا”، لن ينجحوا في الامتحانات الأهم: من مواجهة طهران وحتى “القوة العسكرية المشتركة” مروراً بإسقاط “داعش”. فلسطين خرجت خاسرة من امتحان “الفيفا” ... رفعت السلطة سقف التوقعات، وبدا أن معركة “نزع الشرعية” عن إسرائيل ستبدأ من الملاعب وكرة القدم ... النهاية المؤسفة التي آل إليها الطلب الفلسطيني بإسقاط عضوية إسرائيل من المنظمة، وصولاً للمصافحة الاستفزازية، مروراً بالاكتفاء بقول الشعر الجاهلي “رضيت من الغنيمة بالإياب” ... جميعها تطورات أشعلت شبكات التواصل الاجتماعي بمشاعر الخيبة والإحباط وعززت اتجاهات الانقسام وانعدام الثقة. والعلاقات الأردنية – الفلسطينية أصيبت بدورها بضربة مؤلمة للغاية ... تردد صداها على شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن، وأحياناً بقدر كبير من المبالغات، وبلغة أقرب للغة الفتنة والتحريض ... ولا أدري كيف أديرت معركة فلسطين في “الفيفا” وما الدور الذي اضطلع به “المستوى السياسي في إدارة تلك المعركة. أياً يكن من أمر، لقد وضعت معركة تجديد قيادة “الفيفا” أوزارها ... الأردن كان لاعباً رئيسا فيها بعد أن اقترن التجديد والتغيير بشخص الأمير علي، المرشح الوحيد في مواجهة بلاتر ... لكن الحرب في الفيفا وعليها، لم تضع أوزارها بعد، وعلينا أن نراقب بضعة تطورات “نوعية” منتظرة للتعرف على وجهة المعركة واتجاهاتها وتوازنات القوى القائمة ... (1) نتائج التحقيق مع مجموعة الشخصيات التي ألقي القبض عليها وستسلم لواشنطن بناء على طلبها .... (2) موقف الاتحاد الأوروبي، وما إذا كان سيلتزم بتهديدات بلاتيني بالانسحاب من “الفيفا” أم لا، فعند هذه النقطة سيتقرر مصير “الفيفا” وليس مصير بلاتر ... (3) هل سيفتح ملف التحقيق من جديد في مونديال “موسكو 2018” و”الدوحة 2022”، ومن سيقوم بالتحقيق، هل سيترك الأمر للفيفا أم ستقوم به جهات مستقلة؟ أسئلة وتساؤلات برسم المرحلة المقبلة في عمر “الفيفا” واللعبة الأشهر في العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين تصبح «الفيفا» ساحة للحرب الباردة المتجددة حين تصبح «الفيفا» ساحة للحرب الباردة المتجددة



GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:51 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

الدولة والحزب في أصعب الأيام

GMT 15:49 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مُحيي إسماعيل والتكريم «البايخ»!

GMT 15:47 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لبنان بين مأزق السلاح والتسوية مع سوريا

GMT 15:45 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مشروع الرفاهية والاستقرار

GMT 15:43 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لماذا يقبل الناس على الإعلام الموازى؟!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:23 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله
المغرب اليوم - عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله

GMT 09:34 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

الرجاء يخاطب منخرطيه قبل الجمع العام

GMT 05:15 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"قميص الدنيم" لإطلالة أنيقة ومريحة في آن واحد

GMT 07:07 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ناصر بوريطة يناقش قضايا متعددة مع وزيرة خارجية السويد

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:46 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

اعتقال رجل يقود سيارته برفقة زوجته "المتوفاة"

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وجهات مشمسة لقضاء عطلة صيفية في قلب الشتاء

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib