أكاذيب وحقائق

أكاذيب وحقائق

المغرب اليوم -

أكاذيب وحقائق

بقلم - عريب الرنتاوي

كشفت المعارك الطاحنة – والمتزامنة - في الغوطة الشرقية وعفرين عن حجم الرياء والنفاق، واستتبعا المعايير المزدوجة، التي تميز أداء السياسة والإعلام لدى بعض أحزابنا وتياراتنا السياسية والفكرية، ... فالكارثة لا يُعتَرف بها ككارثة، ولا تصبح إنسانية، وترقى إلى مستوى “جرائم الحرب” إلا حين يقارفها من هم في عداد الخصوم، أما حين تُقترف من قبل معسكر الأصدقاء، فيضرب صفحٌ عنها وعن ضحاياها، وتعطى أسماء برّاقة من نوع “تحرير” و”استعادة”، وتمارس مختلف صنوف التعتيم الإعلامي على فصولها الدامية والنازفة، وحين تضطر وسائل إعلام بعينها للاعتراف بوقوع ضحايا من المدنيين الأبرياء، بـ “نيران صديقة”، يجري “تقزيم المشهد” وتخفيف أثر “الصورة”، بل وتبرير ما حصل بأن الأبرياء يسقطون في كل الحروب، وليس في هذه الحرب وحدها؟!
ركام هائل من الأكاذيب والحقائق تكشف على هامش المعركتين الدائرتين في عفرين والغوطة الشرقية ... 
في الوقت الذي كانت فيه طائرات سلاح الجو التركي وفوهات دباباته ومدافعه، تدك القرى السورية، كردية وعربية، وتقتل المدنيين أيضاً، وليس المقاتلين فحسب، وتشرد مئات الألوف منهم، كان الساسة والإعلاميون الأتراك، ينددون بجرائم نظام دمشق في الغوطة، وينتقدون الصمت الدولي حيال ما يجري فيها من “كارثة إنسانية”، فأي نفاق هذا؟
الإخوان المسلمون، بأدواتهم الإعلامية المختلفة، لاذوا بصمت القبور حيال ما يجري في عفرين، ولم تستوقفهم سوى مذابح الأسد في الغوطة ... لكأن من يقتلوا ويشردون تحت شعار “غصن الزيتون” ليسوا بشراً ولا مسلمين، يستحقون بعض الرثاء، دع عنك الشعور بالانتماء القومي الذي لا يعترف به هؤلاء، في عداد “البدعة” .
في الغوطة، لا تسقط القذائف السورية ولا الصواريخ الروسية إلا فوق رؤوس الأبرياء، والمستشفيات ومولدات الطاقة ومحطات المياه ... لا عسكريين وإرهابيين يقتلون، مع أن الغوطة، ملاذ النصرة وشقيقاتها اللائي لا يختلفن عنها بشيء ... أما في عفرين، فلا تصيب المدافع والطائرات التركية، سوى مرتزقة وإرهابيين وعملاء لواشنطن والنظام على حد سواء، أما المدنيون من قتلى وجرحى، أو الذين هربوا في قوافل امتدت لكيلومترات عديدة، فلا يؤتى على ذكرهم إطلاقهم.
 لا تجد في إعلام “المقاومة والممانعة” ولا في صحف اليسار والقوميين ومنشوراتهم، ما يشير إلى إحساس بالأسف حيال الضحايا الأبرياء، في الغوطة الشرقية، كل ما يشغل اهتمام هذا الإعلام، هو ما يجري في عفرين  ... الناس هنا لا قيمة لهم وهم ليسوا من صنف البشر، فيما الناس هناك، هم من يستحقون البكاء والعويل على صدر الحبيب.
إنه زمن المعايير المزدوجة، أو النفاق والرياء على نحو أوضح ... أنه زمن اختلاط الأكاذيب بالحقائق ... من هذه الأكاذيب أن الناس في الغوطة تفر من النظام، وأن النظام يستخدم المغادرين دروعا بشرية كما قال نصر الحريري من دون أن يرف له جفن، ومن دون أن يوضح “دروع ممن” ... لقد رأينا رأي العين، خلاف ذلك ... رأينا انتفاضة في الغوطة الشرقية ضد المسلحين، وحالات فرح وابتهاج للخروج من قبضة العصابات والمسلحين والتنظيمات الجهادية ... والصورة اكتملت بمشهد قوافل الهاربين من جحيم “غضن الزيتون” إلى مناطق سيطرة الدولة السورية ... أيهما نصدق، الحريري والائتلاف والإعلام الداعم له، أم نصدق أعيننا ومصادرنا وما شهده العالم برمته ... أيهما نصدق الرواية التركية على “تحرير الشعب السوري من الإرهابيين” أم قوافل الهاربين من “الجيش الحر” والجيش التركي، صوب مناطق “النظام المجرم”؟
ثم يأتي الدور على “المجتمع الدولي” و”المنظمات الإنسانية”،ـ أهل الغوطة كانوا السبب وراء تدبيج المئات من البيانات المفعمة بالإنسانية والمنددة بوحشية الأسد وقسوة بوتين ... ها هم هؤلاء، يخرجون حفاة وعراة ومثقلين بالجراح والفاقة من مناطقهم إلى مدن الإيواء المؤقت ... هنا تتوقف المشاعر الإنسانية الجياشة، ويكف هؤلاء عن أن يكونوا بشراً يحتاجون المساعدات والتضامن والمؤازرة ... انتفت وظيفتهم، كوسيلة للتحشيد ضد إيران وسوريا وروسيا، فما عاد أحد يكترث لجراحهم وعذاباتهم وجوع أطفالهم ... يتركون للنظام “الوحشي” كما تقول آلة الدعاية المستنفرة دوماً، مع أننا رأينا استنفاراً كاملاً للدولة السورية بكامل أجهزتها، لاستقبال عشرات ألوف الخارجين من جحيم الغوطة، بين عشية وضحاها ... مرة أخرى، أيهما نصدق؟
الشيء ذاته ينطبق على أهل عفرين وجوارها ... فما أن وضعت المعارك أوزارها، وغادرت مئات الألوف من المدنيين، حتى كف هؤلاء عن أن يكونوا وقوداً في ماكينة الاعلام ... لا أحد يذكرهم أو يتذكرهم بكسرة خبز أو شربة ماء أو كأس حليب للأطفال.
انه النفاق والرياء مجدداً، انها المعايير المزدوجة التي تضرب الجميع وتكاد تخرجنا عن أطوارنا، انها الأكاذيب التي يراد لها أن تكون حقائق، لمجرد أنها صدرت عن هذه الجهة أو تلك، أو لتكرار عرضها على مسامعنا من دون توقف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكاذيب وحقائق أكاذيب وحقائق



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

سيرين عبد النور تتألق بمجوهرات فاخرة وأزياء أنيقة في مختلف المناسبات

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 23:03 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

محمد السادس يترأس مجلسًا وزاريًا بالقصر الملكي في الرباط

GMT 09:00 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

كيندال جينير تلهمكِ إطلالة مسائية جريئة

GMT 03:49 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

مسيرة سلمية للسيطرة على الاحتباس الحراري في بلجيكا

GMT 07:23 2018 الجمعة ,19 تشرين الأول / أكتوبر

تكدس نفايات البلاستيك في اليابان بعد حظر الصين استيرادها

GMT 07:00 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

وسائل التواصل الاجتماعي تثير الشعور بالغيرة من الآخرين

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

شريفة أبو الفتوح تبيّن أن الجيلي يضر بصحة الطفل

GMT 10:17 2018 الثلاثاء ,18 أيلول / سبتمبر

" La Reserva Club " الشاطئ الخاص الوحيد في إسبانيا

GMT 00:43 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

فخر يطالب بالالتفاف حول خريبكة لتحسين نتائجه

GMT 10:21 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

أغلى الرجال فيلم جديد عن حياة الزعيم جمال عبد الناصر

GMT 10:35 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

نادال يتعرَّض لإصابة في الركبة تغيبه عن الملاعب 3 أسابيع

GMT 10:10 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

"تجرّأ" مبادرة شبابية للرقص في شوارع مدينة اللاذقية

GMT 05:56 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

فنانون يتقدمون بشكوى لحكومة العثماني ضد مخرج معروف

GMT 10:41 2012 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ديفيد يطلق مجموعة جديدة

GMT 04:50 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

افتتاح أكاديمية الرجاء البيضاوي لكرة القدم آذار المقبل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib