كارثة الميت إذ تُظَهّر ما في فينا

كارثة الميت إذ تُظَهّر ما في فينا

المغرب اليوم -

كارثة الميت إذ تُظَهّر ما في فينا

بقلم - عريب الرنتاوي

أظهرت كارثة البحر الميت، أحسن ما فينا، وأسوأ ما لدينا.
أحسن ما فينا، أننا شعب مُحب وعاطفي، فما من بيت أردني واحد، إلا واجتاحته مشاعر الحزن والألم والفقدان ... ما من بيت أردني إلا وأحس بأن جزءاً منه، يجري البحث عنه في السيول الجارفة والمياه الطينية الممزوجة بملوحة مياه الميت ... ما من واحد، إلا وتضرع للعلي القدير، أو صلى بالطريقة التي يؤمن بها، لنجاة الأطفال والنساء والرجال وسلام أرواحهم، وليُلهم ذوي الضحايا الصبر والسلوان ويسقط عليهم سكينته.
لكننا في المقابل، تكشفنا عن سمات وخصائص، بعضها سيء، بل وسيء للغاية ... عشرات الألوف منّا، تصرفوا كخبراء وعلماء في كل شيء ... خبراء طرق وسدود، إنشاءات ومقاولات، تخطيط مدن، أرصاد جوية، تغير مناخي، احترار الكوكب وثقب الأوزون... أضعافهم بدو كخبراء إدارة وإدارة عامة، تخطيط استراتيجي، محاسبة ومساءلة وشفافية... الكل يعرف ما الذي كان يتعين فعله، ليس يوم الفاجعة فحسب، بل وقبلها بسنوات وعقود ... ومن ارتطم ذات يوم بـ «مطبّ» على الطريق، أخرج إلينا لسانه، وبدأ «يعايرنا»: ألم أقل لكم؟
بدت الألوف من الأردنيين، كما لو أنها تضبط خطواتها على دقات «بيغ بن».... يتحدثون كما لو أنهم هبطوا للتو من كوكب آخر، مع أن معظمهم، حتى لا أقول جميعهم، لا يدري في صبحه ماذا سيفعل في مسائه ... وأنه لن يتوانى للحظة للإفلات من قبضة الدوام، أو تجاوز السرعة المقررة أو اجتياز القانون في طريقه، أو التشاطر على حقوق الاخرين ... بدونا ملائكة في ثياب «الآدميين»، طالما أن قررنا مسبقاً، أن هناك كبش فداء لا بد من تقديمه، أو أننا سنشارك في حفلة لطم وردح، لها أول وليس لها آخر.
لفتني أن الأردنيين تجتاحهم رغبة في «الإقالة» و»الاستقالة»، يبدو أن معظمنا لا يروق له بقاء أي أحد في موقعه أو منصبه، لكأن الأردنيين اصطفوا في طابور طويل، كما الطابور في ديوان الخدمة المدنية، يريدون تسريع هذا الدور، بالدعوات للإقالة والاستقالة، وكلما أقيل أحدهم أو «استقيل»، تعالت صحيات الله أكبر، وهل من مزيد؟ ... لا أدري من أين يأتي هذا الشغف، أمن إحساس عميق بأن الخراب عميم ومقيم، أم من مواطن الغيرة والحسد والتشفي، لا أعرف في الحقيقة مبعث هذا التوق لرؤية الناس وقد غادروا مواقعهم، وعلى أي مستوى.
مع أنه يتعين على الأردنيين أن يكونوا تعلموا الدرس ... فقد تابع كل واحد منهم، حتى أصغرهم سنّاً حركة الداخلين والخارجين إلى المنصب العمومي، وصح فيها، كلما دخلت أمة لعنت أختها ... وأحياناً «الخل أخو الخردل»، فلماذا الإصرار على ممارسة طقوس الانتظار المضني للرحيل والترحيل، والمطالبة اليائسة لاستعجالهما ... أين الخلل «النفسي» وليس السياسي في هذه المعادلة.
وثمة فئة، نحمد الله أنها قليلة، مصرة على البقاء في أسر الغيبيات والخرافات وبراثن التطرف والغباء المطلق ... هذا يتحدث عن «لعنة قوم لوط» وعدم جواز الانتفاع بكل ما ورثنا عن القوم الفاسقين ... وذاك، يتوقع عقاباً إلهياً على فجور قارفه فتية وفتيات في عمر بعض الورد ... وهناك ظلامية وكراهية، لا أدري من أي إناء تنضح، وبٍتُّ أخشى على أصحابها من هول وطأتها.
وأدهشتني قلة الحيلة وانعدام القدرة على الإبداع، عند ألوف مؤلفة ممن تابعت ردود أفعالهم ...جيوش من الفيسبوكيين، لا وظيفة لهم سوى القص والتلصيق، ببغاوات، يعاودون تكرار ما ينتجه غيرهم، ولا يخجلون من نسبته لأنفسهم، ومن دون تدقيق أو تمحيص... كل شيء مصدق عندهم حتى الأكاذيب الأكثر سذاجة، وأيديهم طويلة، لا تبقي نصاً أو صورة، إلا وتنسخه أو تطبعها على صفحاتهم.
قتلتني السوداوية و»الطاقة السلبية» التي تشع من طوفان التعليقات والبوستات، وبصورة قد تلحق بك إعاقة مزمنة، وتفقدك القدرة على تذوق فنجان قهوة الصباح، أو الذهاب إلى عملك والسعي في رزقك ... «كل شيء أسود قاتم، لا شيء يفيد أو ينفع ... كل الناس سفلة وانتهازيون ... الخراب يحيط بنا من جهاتنا الأربع ... فالج ما تعالج، أين منّا «خراب البصرة»، وهل سنقيم «الدين في مالطا» أو أن «نطلب العلم ولو في الصين»، وما النفع والجدوى» ... مناخات قاتمة واكتئاب حاد يطل برأسه من خلف كل تعليق وصورة على صفحات كثرة كاثرة من نشطاء الفيسبوك ومناضليه.
لقد قررت أن أعطي لنفسي إجازة من هذه المتابعات الفارغة، مبنى ومعنى ... واكتفي بزيارة واحدة، صباحية أو مسائية، للإجابة على ما يستحق من أسئلة وتعليقات، وترك الهذر والهذيان، للترك والنسيان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارثة الميت إذ تُظَهّر ما في فينا كارثة الميت إذ تُظَهّر ما في فينا



GMT 14:36 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

انتقام... وثأر!

GMT 14:29 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 14:20 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 13:58 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

بايدن والسعودية

النجمات يخطفن الأنظار بصيحة الفساتين المونوكروم الملونة لصيف 2025

بيروت ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - 6 طرق بسيطة للحفاظ على صحة المفاصل ومرونتها

GMT 04:12 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث الفلكية للأبراج هذا الأسبوع

GMT 10:33 2023 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المعدل الطبيعي لفيتامين "B12" وأعراض نقصه

GMT 22:42 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

سوق الأسهم الأميركية يغلق على انخفاض

GMT 05:44 2022 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تراجع أسعار النفط في المعاملات المبكرة الجمعة

GMT 22:31 2022 الأحد ,19 حزيران / يونيو

المغرب يتسلم 4 طائرات أباتشي متطورة

GMT 14:42 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

والد صاحبه الفيديو الإباحي يخرج عن صمته و يتحدث عن ابنته

GMT 19:31 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تحمل إليك الأيام المقبلة تأثيرات ثقيلة

GMT 08:54 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

رابطة حقوقية تدين احتلال إسبانيا لأراضٍ مغربية

GMT 03:10 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن أفضل 7 أماكن في جمهورية البوسنة والهرسك

GMT 07:59 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الرئيس الأميركي يعين مارك إسبر وزيرًا للدفاع

GMT 21:53 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

استمتعي بعطلة ساحرة وممتعة على متن أفخم اليخوت في العالم

GMT 08:33 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة حالة الاقتصاد الروسي تعكس تراجع مؤشر ثقة قطاع الأعمال

GMT 01:47 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة أميركية تؤكد أن ثرثرة الأطفال دليل حبهم للقراءة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib