الجولاني في اطلالته «المحتجبة»

الجولاني في اطلالته «المحتجبة»

المغرب اليوم -

الجولاني في اطلالته «المحتجبة»

عريب الرنتاوي


أطل “الفاتح” أبو محمد الجولاني علينا من على شاشة “الجزيرة”، ولم يطل ... رأينا شبحاً محتجباً عن الكاميرا وعيون الناس والفضوليين، بصورة لا تليق برجل يقود جيشاً للفتح، ويقدم نفسه بلقبه الأشهر “الفاتح”، ويتوعد بتحرير دمشق وتحكيم شرع الله، من دون أن يتردد في التقرير بشأن مستقبل السوريين من مختلف الطوائف، وصولاً إلى لبنان وضاحيتها الجنوبية ... كان يتعين على الجولاني أن يقرر مسبقاً، ما إذا كان سيظهر بملء الصوت والصورة كما فعل غريمه أبو بكر البغدادي في الموصل، أو أن يبقى على عادته بتسريب التسجيلات الصوتية التي يخاطب بها أنصاره عبر الأثير والانترنت... في لحظة فارقة معينة، تسقط اعتبارات الأمن الشخصي، وتتقدم عليها ضرورات الزعامة ومقتضياتها، البغدادي أدرك المسألة، أما الجولاني فقد أخفق في ذلك. الملاحظة الثانية، أن الرجل بدا غير كارزمي على الإطلاق ... حركة جسده المضطربة، ويداه الصغيرتان و”الناعمتان”، قميصه “الكاروهات”، نبرات صوته، لغته ومفرداته، لم تنجح جميعها في تقديم صورة “القائد / الفاتح” أو الزعيم أو الأمير ... ودائماً بالمقارنة مع غريمه في “داعش”، بدت الطلة الأولى للبغدادي مدروسة أكثر، وذات تأثير أعلى من طلة الجولاني. البغدادي، كشف عن وجهه، وتوجه إلى منبر مسجد في الموصل “المحررة” ليعلن عن الخلافة، مستعيداً بعض الصور من إرث العباسيين ... الجولاني آثر الظهور عبر قناة الجزيرة القطرية ... واختار مكتب محافظ إدلب الفاخر، ويقال إنه جلس على مقعده ... صورتان مختلفتان، الأولى لـ “مجاهد” ينشد الخلافة، والثاني، لرجل تورط في لعبة المحاور وصراعاتها، فبدا مقترباً من محور قطري – تركي – سعودي، في حين لم يألُ غريمه جهداً في الهجوم على الحكام الطغاة، وتقديم تنظيمه كمشروع بديل لأنظمة الفساد والردة جميعها. المقابلة بحد ذاتها، تندرج في سياق ممتد، هدفه إعادة تأهيل النصرة، ودمجها في “المعارضة السورية المعتدلة” ... سياق شقته قطر وتركيا والتحقت به السعودية في الأشهر الأخيرة بنشاط ... بدأ بمحاولة فصل النصرة عن القاعدة، وانتهى على ما يبدو بقبول “عضوية” النصرة في القاعدة، طالما أنها تقدم خطاباً متميزاً عن خطاب داعش، وبالأخص ممارساتها ... المقابلة بدت معدة سلفاً، وبإشراف “غرفة عمليات أمنية سياسية”، وليس “غرفة الأخبار أو التحرير”، حفلت بالكثير من “التلميع” و”الترويج” و”التبخير” ... بدا الرجل بنتيجتها “مبشراً” و “واعظاً”، وليس “مجاهداً” قارف ما قارف من أعمال وحشية ضد خصومه وحلفائه على حد سواء .... المقابلة عمل سياسي أمني بامتياز، في ترتيباته وأهدافه وسياقه ومحتواه. هل قلنا خطاب متميز للنصرة عن داعش؟ هكذا يراد تصوير المسألة، حتى أن الاختزالات المُخلّة التي عممتها الوكالات عن المقابلة، ذكرتنا بخطبة “الفتح العظيم”: “ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم” ... مع أن الرجل لم يتخل جوهرياً عن أي من مواقفه العقائدية الأساسية، وإن كان سعى في تدوير بعض زواياها الحادة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالأقليات... والأهم من كل هذا وذاك، أن تجربة “الجهاد العالمي” برهنت المرة تلو الأخرى، أنك لا تستطيع أن تثق بهؤلاء الذين كانوا أشد بأساً في حروبهم على بعضهم البعض، من أفغانستان وحتى سوريا، دع عنك انقلاباتهم المنهجية والمستمرة على حلفاء الأمس، أعداء اليوم. لكن مع ذلك، دعونا نرى ما الذي قاله الجولاني، وتحديداً بخصوص الأقليات ... النصرة ليست في حرب مع المسيحيين ... المسيحيون غير المحاربين سيأمنون في ظلال دولة الشريعة، لكن شريطة دفع الجزية، أما فقراؤهم فلا يدفعون ... البغدادي عرض “تخفيضات” في قيمة الجزية على فقراء المسيحيين ... العلويون أيضاً سيكونون آمنين على أنفسهم، شريطة ألا يحملوا السلاح، حتى هنا الأمر يبدو منطقياً، لكن جملة قالها الجولاني لم تستوقف أحداً، عندما اشترط “إسلامهم” لضمان سلامتهم.... ألم يعرض البغدادي “الشهادتين” على الأزيديين لحفظ أموالهم وأرواحهم وأعراضهم؟ ... أين التميز في مواقف الرجلين. ظهور الجولاني بالطريقة التي أطل بها، أمر لا يندرج في إطار حرية الصحافة والإعلام، وضغوط “المهنية” التي تملي مطاردة السبق الصحفي ... إطلالة الجولاني عمل سياسي – أمني بامتياز، يندرج في سياق مشروع سياسي إقليمي لسوريا، جوهره إعادة تأهيل النصرة وإخراجها من قوائم الإرهاب السوداء، وتأمين الدعم المالي والعسكري والسياسي لها بوصفها “العمود الفقري للمعارضة المعتدلة” ... في ظروف أخرى، فإن إطلالة الجولاني بالطريقة التي جاءت عليها، تستوجب معالجة بموجب قوانين محاربة الإرهاب وقرارات مجلس الأمن الدولي المأخوذة تحت الفصل السابع... مع ذلك، وبرغم ذلك، يسألونك عن الدول الراعية للإرهاب؟! 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجولاني في اطلالته «المحتجبة» الجولاني في اطلالته «المحتجبة»



GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:51 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

الدولة والحزب في أصعب الأيام

GMT 15:49 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مُحيي إسماعيل والتكريم «البايخ»!

GMT 15:47 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لبنان بين مأزق السلاح والتسوية مع سوريا

GMT 15:45 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مشروع الرفاهية والاستقرار

GMT 15:43 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

لماذا يقبل الناس على الإعلام الموازى؟!

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:23 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله
المغرب اليوم - عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله

GMT 09:34 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

الرجاء يخاطب منخرطيه قبل الجمع العام

GMT 05:15 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"قميص الدنيم" لإطلالة أنيقة ومريحة في آن واحد

GMT 07:07 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ناصر بوريطة يناقش قضايا متعددة مع وزيرة خارجية السويد

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:46 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

اعتقال رجل يقود سيارته برفقة زوجته "المتوفاة"

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وجهات مشمسة لقضاء عطلة صيفية في قلب الشتاء

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib