حرب التحريض بين العرب

حرب التحريض بين العرب

المغرب اليوم -

حرب التحريض بين العرب

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

قبل أيام أضرمت جموعٌ غاضبةٌ النيرانَ في مبنى في ليفربول البريطانية بعد إشاعة تقول إنَّ أبناءَ المهاجرين الذين أسكنتهم الحكومة فيه قاموا بالتحرش بفتاةٍ من الحي. وقد لا تكونُ القصة سوى محضِ خيال، وقد تكون صحيحةً، ولا يصحُّ أن تعاقبَ جماعةٌ بجريرة فردٍ فيها.
هذا التأليب صارَ حالةً عاديةً وظاهرةً عالمية، يتمُّ نشرُ ما يثيرُ البغضاءَ ويحرّض ضد الآخرين. بعضهم يفعلُها ضمن أجندةٍ سياسيةٍ أو فكرية، ومعظمُها مجردُ بطولاتٍ وشعبوية، مع أنَّ كثيراً من المشاركين نقرأ في المعرفات عن أنفسهم، أنَّهم محبُّون للغير، وإنسانيون، وغير ذلك من الهراء المستنسخ، الذي لا يعكسُ حقيقةَ ما يكتبونه ويقولونه.
هذا لا يعني أنَّ الناسَ في الماضي كلهم كانوا ملائكة، أو بلا رأي في من حولهم، الأشخاص والأجناس والدول والعقائد، لكن إن كانت لنا آراء سلبيةٌ فهي محدودة التأثير.
لا ننكر أنَّه قد يوجد في دواخلنا شيءٌ من عنصريةٍ مندسة، يصاحبُها بعضٌ من كراهية موروثة ثقافياً، أو تعكس إحباطاتِ التجارب الحياتية الفردية.
من بينها سخريةُ العربِ المتبادلة من بعضهم بعضاً، دائماً موجودة، لكنَّها في الآونة الأخيرة انتشرت وصار بعضُها تحريضاً مؤذياً.
الآراء الساخرة في ذاتها لا تشكل خطراً، وموجودة بين الجيران، مثلها مثل رأي الفرنسيين والبريطانيين في بعضهم. البريطانيون يعتبرون جيرانَهم الفرنسيين مادتهم المفضلة في السخرية.
فمن ناحية، يحبُّون طبخَ الفرنسيين، وشرابَهم، وذوقَهم في هندامَهم، ونساءَهم، وعمارتَهم التاريخية، لكنَّهم يسخرون من فوقيتهم وجلافتِهم في تعاملاتهم الشخصية. والفرنسيون كذلك يبادلون البريطانيين الثناءَ والنميمة. معجبون بروح السخرية الإنجليزية الراقية، وتاريخهم العظيم، واختراعاتهم، وتفوقهم في المجالات الإبداعية من موسيقى ومسرح وأفلام، ولكنَّهم ينتقدون فوقيتَهم الثقافية وغرورَهم التاريخي وذوقَهم الرديء في الطبخ والملبس. وهكذا هي الحياة الطبيعية، تتَّسع لشيء من السخرية والانتقادات التي لا تتحوَّل إلى عنصرية بغيضة.
لكل مجتمعٍ رأيُه في نفسه وجيرانه، والعرب، مثل غيرهم، في حالة تنافس مع بعضهم بعضاً لا تتوقف، لكنَّها في السنوات القليلة تمادت واستشرت، وهبطت مع انحدار «الصراحة» في نقاشات الإعلام الاجتماعي. وصار يشارك فيها أناسٌ، يفترض أنَّهم أكثر ثقافة، ودراية بالمسؤولية الاجتماعية.
تذكروا أنَّ مثلَ هذا التفكير المنحدر نحو القاع، والمستعد لإيذاء الأبرياء ينقلب على أصحابه في الأخير، الكراهية ثقافة تترسَّخ وليست مجردَ خصومةٍ تذهب مع الريح، مع الوقت تعمُّ ولا حدود لها. من دون رادع تتجرأ وتتجاوز إلى مجتمعك الكبير، ثم دوائر مجتمعك الصغير، من الأديان إلى الطوائف، ومن البلدان الأخرى إلى منطقتك وبلدتك، ومع الوقت والانتشار تتحوَّل إلى هواية جماعية.
التحريض أخطرُ الأسلحة، فتَّاك، ودماره شامل، ووسائل الإعلام الاجتماعي التي تنقله مثل سكاكين المطبخ متوفرة وسهلة الاستعمال.
في السابق، كنَّا نظنُّ أنَّ المجتمعات الجاهلة هي التربة الخصبة لبذور الكراهية، لكن ها هي أمامنا، في حرم الجامعات المحترمة، ونسمعُها من العوام والنخبة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب التحريض بين العرب حرب التحريض بين العرب



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:04 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

اللاعب جيمي فاردي يعلن رحيله عن ليستر سيتي

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib