الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي

الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي

المغرب اليوم -

الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

أتحدَّث عن الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي، خصوصاً في إنشاء النصوص، وليس الحديث حول الذكاء الاصطناعي في المجالات الأخرى العلمية، فقد حقق نجاحاً في المجال الأخير، وما نحن إلا في العتبة الأولى منه.

ما يقلق أن إنشاء النصوص يحتاج إلى قراءات مكثفة وحصيلة معرفية، ومع الذكاء الاصطناعي تنتفي تلك الشروط، ويصبح من له حصيلة معرفية من خلال القراءة الواسعة، ومن ليست له حصيلة معرفية، متساويين في إنتاج النصوص من خلال الذكاء الاصطناعي.

على مقلب آخر، فإنه مقارنة بين قراءة العرب في السنة الواحدة بالدقيقة والمجتمعات الأخرى، فقد ذكرت تقارير مختلفة أن ما يقرأه المواطن العربي في المتوسط هو ست دقائق سنوياً فقط، أو نحو ربع صفحة في السنة، وهو رقم مثير للقلق، مقارنة مع الأوروبي؛ حيث يقرأ ما بين 10 و12 كتاباً سنوياً، كما تقول لنا المصادر المتاحة. بعض الأرقام متضارب حسب اختلاف القياس والقراءة الحرة، إلا أنها في المجمل متدنية لدى المواطن العربي إذا قارنا ذلك بمعدل القراءة لبعض الدول الأخرى، إذ سوف نجد أن متوسط القراءة السنوية للمواطن الهندي 8.7 ساعة أسبوعياً، ومتوسط القراءة لدى المواطن الصيني 8 ساعات أسبوعياً. تتبين الفجوة المعرفية من جهة بين مجتمعات ربما متماثلة في التاريخ الاجتماعي، وتأخذنا تلك الحقيقة إلى القول بأنه في الأساس المواطن العربي هو من أقل المواطنين في العالم قراءة، ولا بد من التذكير بأن نسبة الأمية تقارب 25 في المائة لدى العرب -ذلك المتوسط- مع اقتراب بعض دولنا إلى محو الأمية مثل السعودية والكويت والإمارات، وفي بعضها الآخر زادت الصورة قتامة بسبب الحروب والنزاعات. وفي التفاصيل نجد أن بعض البلدان العربية مثل السعودية والإمارات ومصر والكويت ولبنان، مقارنة بقراءة العرب المتوسطة هي الأعلى في نسبة القراءة.

وتأخذنا هذه الحقائق إلى القول بأن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء النصوص يقلل إلى حد كبير الإقبال على القراءة، وهي مدخل المعرفة والطريق إلى الوعي، ما يزيد من الفجوة المعرفية.

عندما نأتي إلى إنشاء النصوص فإنني سأضرب مثلاً، كيف يمكن لشخص عادي جدّاً أن ينشئ نصّاً كأنه كتب من كاتب متخصص:

سألته أنشئ لي نصّاً عن مدير شركة يُهنئ فيها زملاءه على النجاح الكبير الذي حققته الشركة، فكتب يقول:

«الزملاء والزميلات الأعزاء، يسعدني أن أشارككم مشاعر الفخر والاعتزاز بما حققناه من نجاح كبير خلال الفترة الماضية، لقد أثمرت جهودكم المتواصلة والتزامكم وحرصكم الدائم على الجودة والتميز، نتائج استثنائية نفتخر بها جميعاً، إن ما وصلنا إليه من إنجازات لم يكن ليتحقق لولا العمل الجماعي والتعاون الصادق بينكم، والإيمان المشترك برؤية ورسالة الشركة، لقد أثبتم أن روح الفريق الواحد هي سر النجاح الحقيقي في أي عمل. أتقدَّم إليكم جميعاً بالشكر والتقدير، وأهنئكم على هذا الإنجاز المستحق، ونحن اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بفرص أكبر، وطموحات أعلى، وأنا واثق بأنكم ستكونون كما عهدناكم دائماً على قدر المسؤولية والتحدي». ذلك ما كتب الذكاء الاصطناعي، وهو نص مؤثر يحفز العاملين.

أما حين سألته أن يكتب نصّاً عن مخاطر التلوث البيئي في حوض الخليج، فكتب يقول:

«يعد حوض الخليج العربي من أكثر المناطق البحرية حساسية بيئية على مستوى العالم؛ نظراً لطبيعتها الجغرافية المنغلقة، وارتفاع درجات الحرارة، وقلة التبادل المائي مع البحار المفتوحة، ومع التوسع الصناعي والعمراني الكبير الذي شهدته دول الخليج خلال العقود الأخيرة؛ حيث أصبحت قضية التلوث البيئي في هذا الحوض تُمثل تحدياً حقيقياً يتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية، ومن أبرز أضرار مصادر التلوث، تسرب النفط، والمخلفات الصناعية والكيميائية التي تصرف إلى البحر من الصرف الصحي غير المعالج من النفايات، والحزم البلاستيكية والصلبة، ما يقود إلى تدهور الحياة البحرية، فينقرض عدد من أنواع الأسماك، وتتضرر الشعاب المرجانية، ما يُهدد الصحة العامة، كما يمكن أن يُسبب ذلك خسائر اقتصادية كبيرة، خاصة في قطاعات السياحة والصيد البحري. ولمواجهة هذا التحدي، لا بد من تعزيز التعاون البيئي بين دول الخليج، وتبني استراتيجيات مشتركة لحماية البيئة البحرية».

النصوص السابقة مختصرة، ولم يُبذل فيها جهد غير طلب من سطر واحد، ثم تأتي الإجابة عن السؤال مسهبة، ذلك هو الذكاء الاصطناعي في إنشاء النصوص، وهو يُشكل ثلاثة مخاطر على الأقل، الخطر الأول هو عدم الاعتماد على القراءة من أجل المعرفة، فإذا كانت القراءة سطحية في مجتمعاتنا العربية، فسوف تصبح أكثر تسطيحاً، والخطر الثاني هو اللعب بالعواطف، فمن يستمع إلى تلك النصوص ولا يعرف كيف أنشئت سوف يتأثر عاطفياً بشكل عميق، والخطر الثالث زيادة الفجوة المعرفية لدى طلابنا.

نحن إذن أمام عصر تزييف النصوص، خاصة القضايا التي لها علاقة بالتعليم وتنمية المعرفة، فكم مفوهاً سوف نسمعه يتحدث بطلاقة، وبمصطلحات هو شخصياً قد لا يفهمها، ولكنه يعطي انطباعاً للآخرين بأن هذا من عبقرية فهمه وعمق قراءاته!

إذن بعدها ماذا سوف يحدث في مدارسنا وكلياتنا وجامعاتنا وصحفنا وأخبارنا إذا توفرت هذه الوسيلة بشكل أدق وأكثر احترافية، فما مستقبل التعليم في وقت الذكاء الاصطناعي؟ كيف يمكن أن تعالج تلك الظاهرة؟ ذلك سؤال مطروح للقيادات الثقافية والعلمية العربية، وهو سؤال يستحق عناء الإجابة.

آخر الكلام: من جديد تبرز قضية جودة التعليم في مجتمعاتنا، التي يبدو أنها تُعالج بمناهج قديمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي



GMT 16:09 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حرب «عاجل» والغبراء

GMT 16:08 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية إلى أين؟

GMT 16:07 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

عن العقل العربي الغائب

GMT 16:06 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

ترمب... يمتطي حصان الحرب

GMT 16:05 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

المشرق العربي... البولندي

GMT 16:03 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

تأجيلُ مؤتمرِ سلامٍ مؤجَّلٍ

GMT 16:02 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

حسابات توازن القوى

GMT 16:01 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

الإيمان والمستقبل...الدين وبناء السلام

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي

GMT 22:36 2016 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

10 نصائح للعناية بالشعر المعالج بالكيراتين

GMT 03:53 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

روندا روزي تتعرّض لضربة قاضية متوقعة من هولي هولم

GMT 06:38 2014 الأربعاء ,20 آب / أغسطس

توقيف نائب وكيل الملك في ابتدائية الناظور

GMT 19:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

نور الشريف يكشف حقيقة اشتراكه في فيلم روسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib