آهات درنة
استقالة مدير عام بي بي سي ورئيسة الأخبار بعد جدل حول تغطية خطاب ترمب قصف إسرائيلي يستهدف سيارة جنوب لبنان وارتفاع حصيلة الشهداء في غارات متواصلة على النبطية والمناطق الحدودية حماس تندد بجولة رئيس الاحتلال الإسرائيلي في إفريقيا وتدعو الدول لرفض التطبيع وقطع العلاقات اسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتراخي وواشنطن تضغط لقطع تمويل ايران عن حزب الله سحب دفعات من حليب رضع في أميركا بعد تسجيل 13 حالة تسمم والتحقيقات مستمرة لمعرفة مصدر التلوث غزه تواصل النزيف حصيله الشهداء ترتفع الى 69 الفاً والاصابات تتجاوز 170 الف منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في 7 اكتوبر وزارة الداخلية السعودية تنفذ حكم القتل تعزيراً بحق مواطنين لانضمامهما إلى تنظيم إرهابي يستهدف أمن المملكة غرق قارب قبالة الحدود الماليزية التايلاندية ومفقودون يقاربون 290 شخص ستة قتلى ومئات المصابين بإعصار شديد في ولاية بارانا البرازيلية سوء الطقس في الكويت يجبر تسع طائرات على الهبوط الاضطراري في مطار البصرة الدولي
أخر الأخبار

آهات درنة

المغرب اليوم -

آهات درنة

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

هكذا أرادت قبضة الطبيعة، أن تهوي على رأس ليبيا، وتهزّ قلبها وتصبّ في عيونها دموعاً، وفي فمها عويلاً يجوب رحاب أنحاء الوطن، يندفع من أفواه وحَّدها نشيد الحزن الوطني الليبي. «دانيال» الرهيب ينفخ فحيح طوفانه فوق البحر الأبيض المتوسط، ومع سبق الإصرار، يقفز إلى جوهرة العقل والإبداع والجمال والتاريخ والثقافة الليبية، مدينة درنة قرطبة البحر الأبيض المتوسط. مدينة كانت عبر التاريخ، الوعاء الحي للكيان الليبي. هفا إليها الناس من كل أنحاء الوطن. على أرضها جاهدوا الاستعمار الإيطالي، وفي جوامعها التي بناها الصحابة حفظوا القرآن، ودرسوا الفقه والشعر واللغة العربية، فكانت حديقة الحياة والإبداع والفكر والعلم والسياسة. الشعر والفن، بكل أغصانه امتد من شجرتها الباسقة، واستظل به آلاف الليبيين.

«دانيال» الرهيب كأنه طوفان يسكنه وحش مفترس يتخير طرائده. الكائنات التي تنتح عبق الإبداع والجمال وتجعل من المكان والناس جوقة فرح خلَّاق، فهل هناك غير هذه اللؤلؤة الفريدة تندفع إليها مخالب الوحش الهوائي القاتل؟ في ظلام ليل اندفع الماء الكاسر إلى مدينة درنة. غزا البيوت ودفع البشر والحجر إلى بحر الموت. عائلات بمن فيها من النساء والرجال والأطفال، ابتلعهم البحر وغطاهم طين ثقيل، وضرب الموت ضربته الرهيبة.

طين الحزن الثقيل ساح فوق كل ليبيا، فمن لا يحزن على درنة التي فيها من كل أنحائها نفوس وأنفاس، ولها أيادٍ وأرواح في معارك الجهاد، ومنها رجال قادوا مرحلة بناء دولة ليبيا المستقلة، فعلى من سيحزن!. عندما تشكلت لجنة الستين التي صاغت دستور الدولة الليبية المستقلة، واختار الأمير إدريس السنوسي أعضاء اللجنة العشرين عن إقليم برقة، كان بينهم ستة من مدينة درنة. بعد قيام الدولة الليبية سنة 1952، تولى سياسيون مناصب مهمة في الدولة، بينهم كوكبة من أبناء درنة، وزراء ووكلاء وزارات وسفراء، وفي مجال الاقتصاد حين كانت ليبيا من أفقر دول العالم، تولت نخبة درناوية إدارة الشؤون المالية والاقتصادية وساهمت في بناء رواسي الكيان الاقتصاد الوليد الجديد. يصدق الحديث نفسه في مجالات التعليم والأدب والثقافة وغيرها. النازلة الرهيبة التي حلت بمدينة درنة جوهرة ليبيا، أصابت الليبيين جميعاً في كيانهم وتكوينهم، فتدافعوا من كل صوب نحو شهيق ضميرهم وزفيره. طوت أخبار الموت كل البلاد، وطارت بها وسائل الإعلام إلى كل أصقاع الأرض، لكن للأخبار حرارة النار في قلوب العاشقين.

لم يعش الليبيون أنفاس هول رهيب، مثلما عاشوا وهم يرون ويسمعون صور الدمار العنيف المرعب الذي حلَّ بجوهرة الوطن ووردة حديقة الحياة. درنة.

زلزال المرج الذي ضرب المدينة سنة 1963، اهتزت له ليبيا من أقصاها إلى أقصاها. وتحرّكت نحوها الخطوات والقلوب، وعمَّ الحزن والألم في كل الوطن الليبي. آنذاك لم يكن للإعلام المرئي وجود، ولم تلد العولمة الإعلامية والفضائيات التلفزيونية بمراسليها المنتشرين في كل مدن العالم، وسائل التواصل الاجتماعي تصنع اليوم خيوطاً ساخنة بين البشر. الآن الليبيون يعيشون آهات درنة، تحيا معهم في بيوتهم، ويحملونها ألماً في قلوبهم. الشباب يتنادون من كل مكان ويتوجهون إلى درنة يحملون ما يملكون من مساعدات إلى ديار أيقونة الوطن درنة، تحذوها نبضات قلوبهم.

عاشت درنة مراحل من الألم منذ زمن الاستعمار والفاشية الإيطالية، ودفعت الدم والأرواح، وعانت الفقر والاعتقال، وفي سنوات قريبة مضت، شدّ إليها الإرهاب عنفه ودماره. أرادوا أن يجعلوا منها منصة للظلام، لكن زادها الفكري المتنور صمد بقوة، ولم ينجح الجهل المقدس أن يخترق، ما صنعه العقل المؤهل بالفكر والثقافة وما صح من الدين الإسلامي الحنيف.

آهات درنة اليوم حارة ومؤلمة وحزينة. عائلات بكاملها جرفها طوفان «دانيال». ردم بعضها تحت الطين، وبعضها قذفه في أعماق البحر الأبيض المتوسط. لكن رغم حجم المأساة، ستعود درنة وترفع هامتها التي تسكنها روح الحياة المبدعة، القادرة على مقارعة ومقاومة نوازل الزمن. درنة مدينة امتلكت سر الصبر المقاوم على مدى التاريخ. تكسرت جميع العصي التي ضربتها، ونهضت تشعل أنوار إبداعها وفكرها وفنها وعلمها. المصاب جلل ومرعب، والحزن الذي يسري في أعطاف الوطن الليبي شرقه وغربه وجنوبه، سيصنع ناقوساً وطنياً يوقظ الغافلين، درنة في هذه الأيام التي فقد فيها الوطن الليبي آلاف الأحبة فوق ارضها، وفي مياه المتوسط، صارت هي الصوت الذي يسري حيَّاً في كل إنسان ليبي، بمن فيهم من طالته غشاوة «الأنا» الجهوية والعشائرية والمصلحة الشخصية العبثية.

مدينتنا المكلومة لها دَين في أعناقنا جميعاً. لها أياد بيضاء على كل أبناء الشعب الليبي؛ فقد كانت قوة للجهاد والعلم والقيادة السياسية التي ساهمت بقوة في بناء دولة الاستقلال.

كل ما في درنة حياة، والموت رغم هوله وثقله ومآسيه، سيعبر، وستعود حديقة الوطن الجميلة، تزف عطر إبداعها إلى فجاج ليبيا بجبالها وشواطئها وصحرائها. لتكن مدينة درنة وما حولها من المدن المكلومة، حلقة الأمل، مثلما هي اليوم حلقة الألم وآهة الحرقة. من الجهل والعقوق، أن يتكدس طمي النسيان على ما حلَّ بدرنة وما حولها من المدن، بعد أيام أو أشهر أو حتى سنوات. لا بد من تعبئة الموارد المالية والبشرية، وحتى القدرات الطبية بكل تخصصاتها بما فيها النفسية، من أجل أن نستعيد المدينة الليبية التي كانت على مدى الزمن الرافعة الفكرية والثقافية والفنية للوطن كله. نعم، آهات درنة مؤلمة بلا حدود، لكنها في الوقت ذاته، هي ناقوس يقظة صاعق، وومضة ضوء في زمن غابت فيه أضواء عن ربوع بعض الضمائر. كل ضحية من أهل درنة، وما جاورها من المدن المكلومة، عين تنظر إلى كل ليبي، وتكتب بآخر أنفاسها قبل أن يدفنها الطين أو يبتلعها ماء البحر الأبيض المتوسط، تكتب على خريطة الوطن: أنا لم أكن مجرد فريسة للوحش «دانيال»، أو لهياج السدين... فهل تعقلون؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آهات درنة آهات درنة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:21 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية
المغرب اليوم - غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية

GMT 15:44 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
المغرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
المغرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 15:53 2020 الإثنين ,20 إبريل / نيسان

فضيحة أخلاقية في زمن الحجر الصحي بنواحي أكادير

GMT 15:34 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

عملاق فرنسا يبدي رغبته في ضم حكيم زياش

GMT 07:22 2018 الخميس ,02 آب / أغسطس

"جاغوار" تطرح نسخة مبتدئة دافعة " two-wheel"

GMT 04:03 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

غاريدو يكشف أن الرجاء مستعد لمواجهة الوداد

GMT 16:51 2017 الإثنين ,24 إبريل / نيسان

طريقة عمل بروكلي بصوص الطماطم

GMT 05:00 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مشروب التوت بالحليب مع الشوكولاتة المبشورة

GMT 01:09 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طبيب ينجح في إزالة ورم حميد من رأس فتاة

GMT 04:40 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

موقع "أمازون" ينشئ سلة مهملات ذكية تدعى "جيني كان"

GMT 02:53 2015 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

المهاجم مراد باطنا يقترب من الانتقال إلى "انطاليا التركي"

GMT 04:17 2012 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

كوزوميل جزيرة الشعاب المرجانية ومتعة هواة الغطس

GMT 10:00 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة أمل صقر تكشف أن المجال الفني يعج بالمتحرشين

GMT 11:01 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أبرز عيوب مولودة برج العذراء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib