الصدرُ والقبرُ
وزير الخارجية المصري تم الاتفاق على أن يدير قطاع غزة فريق مكون من 15 شخصية فلسطينية من التكنوقراط، بإشراف السلطة الفلسطينية، وذلك لفترة مؤقتة مدتها 6 أشهر. شركة الخطوط الملكية المغربية تطلق خدمة ويفي مجانية على متن طائرات "دريم لاينر" الجزائر ترفض بشكل قاطع إجراء صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية مادونا تدعو بابا الفاتيكان لزيارة غزة وتحذر من فوات الأوان مباراة الدرع تكشف معاناة محمد صلاح قبل انطلاق الموسم رابطة العالم الإسلامي ترحب بموقف أستراليا الداعم للاعتراف بدولة فلسطين وسائل إعلام لبنانية مناصرون لحزب الله ينظمون مسيرة بالدراجات النارية في الضاحية الجنوبية لبيروت احتجاجًا على قرارات الحكومة بشأن حصر السلاح بيدها ترامب يعلن نشر الحرس الوطني ووضع شرطة واشنطن تحت إدارة اتحادية للتصدي للجريمة الاتحاد الأوروبي يعلن إعداد حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا ويتمسك بوقف إطلاق نار كامل قبل أي تنازلات طائرة حربية إسرائيلية تخترق أجواء العاصمة دمشق وتحلق فوق ريفها
أخر الأخبار

الصدرُ والقبرُ

المغرب اليوم -

الصدرُ والقبرُ

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

ونحن أناسُ لا توسط عندنا
لنا الصدر دون العالمينَ أو القبرُ
أبو فراس الحمداني، الفارس المقاتل والشاعر الفحل، ولد وعاش في زمن عربي فيه الكثير من القلق، ولم يغب عنه حلم العظمة والكبرياء. في بلاط ابن عمه سيف الدولة الحمداني الذي حكم حلب، وأقام مجالاً سلطوياً له بحد السيف، وخاض حروباً مع الروم حقق فيها انتصارات كبيرة. كان نخبوياً بارزاً، فجمع في حاشيته الشعراء والنحويين، وأسس لمرحلة عربية نوعية. الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي، وسيف الدولة الحمداني، كانا هناك يتدفقان شعراً، ويخوضان المعارك مع قائدهم الذي نافح عن مجاله العربي أرضاً وهوية وأدباً. وبسط يديه لمن حوله. أبو فراس الحمداني عندما قال: (ونحن أناس)، قصد العرب جميعاً، ولم يعنِ بذلك من هم حول سيف الدولة الحمداني، أو العشيرة الحمدانية فقط. لماذا نذهب إلى ذلك؟ لأن الفارس الشاعر وقبله ابن عمه وقائده سيف الدولة ومن معه، كانوا يواجهون الرومان كعدو له هويته التي تمثل الآخر في كل شيء. أبو فراس لم يقف عند الآخر الروماني فحسب، بل وضع كل من فوق الأرض في دائرة لا تطاول (النحن) الذي يمثله الشاعر والفارس العربي الحمداني. قال: لنا الصدر دون العالمين. كلمة (العالمين) في اللغة العربية حمَّلها اللغويون والمفسرون أثقالاً كلامية ودينية مختلفة. ولكن ماذا عن الصدر؟
لقد قصد الشاعر الفارس ابن عم الحاكم المقاتل قاهر الأعداء؛ قصد التفوق المطلق على غير العرب. لا يقبل الوسطية في أي شيء. يحتكرون وحدهم كل سلالم العظمة. لكن هذا المكان الذي يعتليه الكبار، وهو الصدر له ثمن غال يقابله، وهو القبر أي الموت. وضع الشاعر قوسين على أطراف هويته المتعالية: الصدر والقبر.
أبو فراس الحمداني الفارس المقاتل والشاعر المعتز بكل ما به، ألقمته الحياة أمكنة وحالات، رأى فيها عالمين آخرين، وعاش ما دون التوسط الذي رفضه يوماً. فارسنا وهو في الأسْر صار حكيماً آخر. تعلق بحبل الكبرياء والجلد، لكن الإنسان هو الإنسان، بغض النظر عن هويته وعرقه ومعتقده. فيه كل مكامن القوة والضعف، والخير والشر وغيرها. ظروف الحياة وفعلها هما ما يحدد مكان كل واحد. في قفص الأسر صار أبو فراس واحداً من العالمين. لا صدر ولا أمر. قال :
أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ
أما للهوى نهي عليك ولا أمرُ
قال الشاعر قصيدته هذه التي استهلها بهذا البيت الغزلي على عادة الشعراء العرب القدامى، وهو أسير عند الروم. لكنه هنا غير ذلك الشاعر الفحل المقاتل الذي ينتمي إلى قوم لا يقبلون إلا بالصدارة. توسل كثيراً إلى ابن عمه الحاكم أن يفتديه ويحرره من قبضة الروم.
لم يجد صاحب الصدر مكاناً وسطاً، لا لأنه يرفضه، ولكنه خارج دائرة الاختيار، فهو بلا صدر ولا وسط. في جوف أسره صار يناجي حمامة، ويتوسل إليها أن تأتيه ليقاسمها همومه. نعم هناك في الحياة مضارب أخرى، وأماكن غير الصدر وغير القبر. هناك القصر والشارع والسجن، والغنى والفقر، والقوة والضعف، والصدر والقبر، والعلم والجهل، وغيرها.
قد يكون التوسط حلماً بعيداً لا يطاله فارس أسير حتى في خيال شعره.
شعراء عرب خاضوا معارك الحياة. قاتلوا فانتصروا وهزموا. عاشوا بين الرفاهية والحاجة، وتنقلوا في رحاب الأرض والحياة. نضحت أشعار الكثيرين منهم فلسفة وحكمة خالدة. ارتفعت أصوات العلو والترفع والفخر، لكن مطرقة التدافع الإنساني العنيف كانت هي الأقوى دائماً.
الشاعر الفحل الفارس المقاتل رفيق أبي فراس الحمداني وغريمه في حاشية سيف الدولة الحمداني، أبو الطيب المتنبي كان ابن ذات المرحلة والبيئة التي تحركت بين الانتصارات والانكسارات، قال:
وإني لمن قومٍ كأن نفوسَهم
بها أَنَفٌ أن تسكنَ اللحمَ والعظما
كذا أنا يا دنيا فإن شئتِ فاذهبي
ويا نفس زيدي في كرائهها قُدْما
فلا عبرتْ بي ساعةٌ لا تُعِزُّني
ولا صَحِبَتْنِي مهجةٌ تقبلُ الظُّلْمَا
شاعرنا الكبير عاش مثل رفيقه أبي فراس، السجن بتهمة ادعاء النبوة، وطوى الفيافي، يدفعه حلم لم يفارقه، وهو أن يكون ممسكاً بمقود صدر سياسي ومالي، لكنه فرَّ من خيمة سيف الدولة غاضباً محبطاً إلى سرادق كافور الإخشيدي طامعاً مادحاً، وغادر مصر هارباً خائفاً.
أما أولهم القديم عمرو بن كلثوم التغلبي الذي قال:
إذا بلغ الفطامَ لنا رضيعُ
تخر له الجبابر ساجدينا
فقد حلّق إلى ما فوق الصدر. الجبابرة يخرون ساجدين لرضيع من قومه. لا قوة للرضيع الذي يحبو سوى أنه ينتمي إلى عشيرة ترهب الجبابرة. فما بالك بمن بلغ سن الرشد حاملاً سيفه ودرعه من تلك العشيرة؟ !
ذاك ما كان عن الصدور التي لا تقبل التوسط، والنفوس التي بها أنف أن تسكن اللحما والعظما، والرضيع الذي تخر له الجبابرة خاضعين ساجدين. فماذا عن القبر؟
أبو فراس الحمداني الذي أعلن أنه لا يقبل التوسط. إما أن يكون مع من هم في الصدر وإما في القبر. انتقل من الأسر إلى القبر. قتل وعمره سبع وثلاثون سنة، في معركة مع أبي المعالي، وهو ابن أخته في صراع على تولي حكم إمارة مدينة حمص. صار إلى القبر بلا روح أو صدر.
أما أبو الطيب المتنبي، الذي قال بأنه من قوم كأن نفوسهم بها أنف أن تسكن اللحما والعظما، فقد سكنت نفسه وأنفها في قبر دفعه إليه مقتولاً عصابة من الصعاليك.
ذلك الزمن بما فيه من صدور وقبور، اندفع بقوة من لحد قديم، وصرخ شاخصاً في زمننا القريب، في شعارات وأغانٍ وأشعار قالت:
فلسطين تحميك منا الصدور
فإما الحياة وإما الردى
ولبيك يا علم العروبة
كلنا نفدي الحمى
لبيك واجعل من جماجمنا
لعزك سلما
لبيك إن عطش اللواء
سكب الشباب له الدماء
غاب التوسط، وهو المكان الذي يصنعه العقل، بالعلم والإبداع والإنتاج والحرية. فتهشم الصدر وسادت الهزيمة والتخلف، واتسع القبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصدرُ والقبرُ الصدرُ والقبرُ



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أزياء كارمن سليمان أناقة معاصرة بنكهة شبابية وجرأة في اختيار الأزياء

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,12 آب / أغسطس

اشتباكات بين الجيش وقسد شرق حلب محاولة تسلل
المغرب اليوم - اشتباكات بين الجيش وقسد شرق حلب محاولة تسلل

GMT 18:05 2025 الثلاثاء ,01 تموز / يوليو

ليونيل ميسى يدرس الرحيل عن إنتر ميامي

GMT 14:47 2021 الجمعة ,30 تموز / يوليو

موديلات فساتين منفوشة للمحجبات

GMT 18:46 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تكون مشرقاً وتساعد الحظوظ لطرح الأفكار

GMT 22:45 2020 الجمعة ,14 شباط / فبراير

كتاب جديد يكشف موضع إعجاب غريبا لدى ترامب

GMT 20:56 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

مطالب بعودة أحكام الإعدام في المغرب بعد مقتل السائحتين

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية تضرب الحسيمة ليلا بقوة 3,2 درجة

GMT 04:37 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ملابس زهريّة أنيقة ومميزة تضامنًا مع مرضى سرطان الثدي

GMT 01:55 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الجعايدي الحارس الأشهر للملك محمد السادس يعود إلى الواجهة

GMT 11:59 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

يوسف النصيري يقترب من رايو فاليكانو

GMT 19:08 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

"CineView" يناقش أسباب غياب الفيلم المصري عن مهرجان القاهرة

GMT 12:42 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

سفارة المغرب في مصر توضح موقفها بشأن ملفات التأشيرة

GMT 11:55 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حكايات من المخيم مخيم عقبة جبر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib