مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف
استقالة مدير عام بي بي سي ورئيسة الأخبار بعد جدل حول تغطية خطاب ترمب قصف إسرائيلي يستهدف سيارة جنوب لبنان وارتفاع حصيلة الشهداء في غارات متواصلة على النبطية والمناطق الحدودية حماس تندد بجولة رئيس الاحتلال الإسرائيلي في إفريقيا وتدعو الدول لرفض التطبيع وقطع العلاقات اسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتراخي وواشنطن تضغط لقطع تمويل ايران عن حزب الله سحب دفعات من حليب رضع في أميركا بعد تسجيل 13 حالة تسمم والتحقيقات مستمرة لمعرفة مصدر التلوث غزه تواصل النزيف حصيله الشهداء ترتفع الى 69 الفاً والاصابات تتجاوز 170 الف منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في 7 اكتوبر وزارة الداخلية السعودية تنفذ حكم القتل تعزيراً بحق مواطنين لانضمامهما إلى تنظيم إرهابي يستهدف أمن المملكة غرق قارب قبالة الحدود الماليزية التايلاندية ومفقودون يقاربون 290 شخص ستة قتلى ومئات المصابين بإعصار شديد في ولاية بارانا البرازيلية سوء الطقس في الكويت يجبر تسع طائرات على الهبوط الاضطراري في مطار البصرة الدولي
أخر الأخبار

مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف

المغرب اليوم -

مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

أحدُ الضباطِ العرب الذين شاركوا في القفز إلى كرسي الحكم، كان يظنُّ أنَّ الخطابة مثلها مثل أي منصب يمكن الاستيلاء عليه ما دام هو يحمل في حزامه مسدساً. وقف خطيباً في حشد من الناس المساقين إليه. قال الضابط بصوت مجلجل في الميكرفون: أخوتي لقد كنَّا على شفا حفرة من النار، وبحمدِ الله لقد تقدَّمنا خطوات إلى الأمام. لقد عبر من دون قصد عن حقيقة الوضع، لم تخنه اللغة، لكنَّها كانت أكثرَ معرفة منه بأين يقف وإلى أين يتحرَّك.
منذ بدايات القرن العشرين وتراجع الأمية في البلاد العربية بقدر، وبداية التواصل مع الغرب واتساع تقنية الطباعة، بدأ من يمكن أن نعتبرهم نخباً في طرح أسئلة تمحورت حول أسباب التخلف والتردي الشامل الذي يعيشه العرب والمسلمون. تعددت الإجابات، لكنها تمدَّدت واستدارت حول موضوع واحد هو الماضي. الماضي بكل ما فيه من أحداث وحكايات وأشخاص. الدين الإسلامي مثل غيره من الأديان والمعتقدات، يشكل ركيزة أساسية في تكوين الشخصية، وله فعل في توجيه سلوك الناس وضبط حركتهم. امتلأت المكتبات بالمجلدات الضخمة بألوانها الفاقعة وزخارفها المحفورة فوق الأغلفة. مجلدات جرى استيرادها من قاع الماضي السحيق الذي ترعرع وتهادى في أزقة بغداد ودمشق والقاهرة ومراكش والقيروان وغيرها من المدن العربية. وخاض المعممون وأصحاب الطرابيش وحاسرو الرؤوس معاركَ كلامية استعادت مواقع الجمل وصفين والنهروان وغيرها، لكن بسيوف وسهام الحروف التي تسفح دم الماضي على الورق الأصفر والأبيض. لم يغادرنا الجمل بسيوفه ودمائه حتى بعد ما قدم لنا الغرب الكائنات الحديدية التي نركبها، واختلفت مجامع اللغة العربية على تسميتها. تحول الماضي السحيق بكل ما فيه إلى صور متخيلة لها أنفاس وحواس تفتل حبالاً تشدُّنا من دون توقف إلى حفرة غيبية نساها وردمها الزمان، لكنَّها وجدت مكاناً لها في الرؤوس، وغابت السلالم التي يمكن أن تحفز الأقدام التي فوق الأكتاف على الصعود إلى دنيا الوجود الذي يعيش فيه البشر الذي يخوض في يقظة الحياة. في العقدين الأولين من القرن الماضي، حاولت نخبة في بعض البلدان العربية أن تجعل من العقل سلَّماً ترتفع به من حفرة الماضي السحيق الذي حولته قرون الزمان إلى هشيم ميت. لكن فيالق وألوية وكتائب الحفر كانت هي الأقوى، وأرغمت المغامرين على التقافز داخل الحفر بحركات أخرى. كانت المعركة من أجل تجاوز المحنة وجهاً آخر لها. الأسماء الكبيرة التي فرضت وجودها في تلك المعركة الطويلة، صار أغلبهم من الجرحى الذين طالت رؤوسهم سيف وسهام ونبال قوات الحفر السحيقة. كان أبو العلاء المعري رهين محبسين؛ محبسه الأول العماء وذاك لم يكن باختياره، أما محبسه الثاني ببيته فقد كان بقرار منه لأنَّه أدرك أن الانكفاء في خندق العزلة عن أهل زمانه هو غنيمة الدهر بالنسبة له. حاول بعض الباحثين، أو لنقل المفكرين العرب، فتح باب يلج منه العقل العربي إلى عالم الدنيا الجديدة التي بنتها أوروبا بصخور العلم والفكر والفلسفة والصناعة والإبداع والعمل، لكن قوات الأزمان الهشيمة المتمترسة في حفرته، تسابقت إلى كسر مفاتيح الباب الذي يدخلنا إلى الدنيا الجديدة. الدين هو الفأس الذي لا تتقادم شفرته وتشحذه الرؤوس المتخندقة في حفرته. التاريخ السحيق حوله هؤلاء إلى مقدس، وأقوال الأسماء التي قدت من الحجارة، أو استعيرت من أسماء الوحوش، تحولت إلى نصوص مقدسة، قد خاب من اقترب منها.
حاول مغامرو العقل أن يفككوا ترسانة المقاومة المسلحة بالهشيم السحيق، واجتهدوا في قراءة ما مضى علهم يصنعون مفاتيح للعقل الباب، لكن الأسوار كانت عالية والأبواب موصدة. منذ محاولات علي عبد الرازق وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم، وصولاً إلى محمد عابد الجابري وحسن حنفي وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وجورج طرابيشي ومحمد أركون ومحمد شحرور وعثمان أمين ومحمد خلف الله ونجيب محفوظ ونصر حامد أبوزيد وفرج فودة، وآخرهم المستشار محمد عبده ماهر، منذ بداية تلك المحاولات التي اجتهدت من أجل الحفر في آبار الماضي الهشيم كي تفكك ما تكدس في قاعه، كانت قنابل عنقودية لا تتوقف عن الانفجار في وجه كل من اقترب منها. ساحت كلمات، النقد ونقد النقد... إلخ، وكلها تغوص في حفر الماضي كي تنتشل العقل العربي منه، لكن أغلب تلك المحاولات كانت تمضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف. الماضي بكل ما فيه، كان هو المادة التي لم تغب عن أعمال الفدائيين العقلانيين. كتاب طه حسين (مستقبل الثقافة في مصر) رسم خطوطاً فكرية موضوعوية لطريق النهوض بداية من مناهج التعليم القمينة بخلق جيل جديد قادر على الولوج إلى العصر الإنساني الجديد، وقال بكل بصراحة إذا أخذنا شيئاً من أوروبا، فإنها قد أخذت منا، وإذا ارتبطنا بدول البحر المتوسط الأوروبية، فلقد ذهبنا لها يوماً، وجاءت لنا اليوم باختراعاتها وعلمها، فما يضيرنا إذا استفدنا مما سبقتنا إليه، لكن كتابه وما فيه ذهبا مع الريح. الكارثة، نعم وأكرر كلمة الكارثة، أننا اليوم نسخر ما ابتكره الغرب في تعميق حفرة التخلف. عشرات إن لم تكن المئات من القنوات التلفزيونية الخاصة التي أسسها بعض من يسمون أنفسهم بالفقهاء أو العلماء، تجر الشباب إلى ماضٍ سحيق متخيل لا يضيف إلى الرؤوس سوى التراب ورماد الوهم الهشيم. لا حديث عن البحث العلمي والصناعة والفلسفة والإبداع والتسامح ودراسة تجارب الآخرين الذي نهضوا بعد كبوات الاستعمار والجهل والتخلف والحروب. ألا تستحق تجارب الصين وسنغافورة ورواندا وغيرها أن تكرس لها الندوات والدراسات؟ من المضحك أن نرى المعارك الكلامية الساخنة بين المذاهب الإسلامية على القنوات التلفزيونية، في حين تتحد أوروبا بمن فيها من الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، ولا تسمع عامل نظافة أو أستاذ جامعة أو زعيماً سياسياً يتحدث عن المذاهب الدينية المسيحية، وإذا سألت أحداً منهم عن ذلك، ينظر إليك مقهقهاً ويتركك ويمضي ويحسبك مجنوناً. بابا الفاتيكان يتحدث عن المهجرين والنازحين والقتلى والجرحى والجياع من المسلمين، أكثر مما يتحدث عنهم الفقهاء والعلماء على المنابر في بلداننا. أغلب الدول المتبرعة لمساعدة المحتاجين من المسلمين هي دول غير إسلامية.
الخلاصة، لا مناص من خروج المفكرين والباحثين والمبدعين العرب من الحفر في الماضي السحيق، والبحث في المعرفة العلمية، وإيصالها إلى العامة بوسائل الاتصال الحديثة المختلفة التي صارت الحبل الذي يمتد للجميع للخروج من حفر الماضي السحيق، والتوقف عن مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 07:14 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت
المغرب اليوم - نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 23:21 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية
المغرب اليوم - غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية

GMT 20:01 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش السوداني يصد هجوماً للدعم السريع على بابنوسة
المغرب اليوم - الجيش السوداني يصد هجوماً للدعم السريع على بابنوسة

GMT 15:44 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
المغرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
المغرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 15:53 2020 الإثنين ,20 إبريل / نيسان

فضيحة أخلاقية في زمن الحجر الصحي بنواحي أكادير

GMT 15:34 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

عملاق فرنسا يبدي رغبته في ضم حكيم زياش

GMT 07:22 2018 الخميس ,02 آب / أغسطس

"جاغوار" تطرح نسخة مبتدئة دافعة " two-wheel"

GMT 04:03 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

غاريدو يكشف أن الرجاء مستعد لمواجهة الوداد

GMT 16:51 2017 الإثنين ,24 إبريل / نيسان

طريقة عمل بروكلي بصوص الطماطم

GMT 05:00 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مشروب التوت بالحليب مع الشوكولاتة المبشورة

GMT 01:09 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طبيب ينجح في إزالة ورم حميد من رأس فتاة

GMT 04:40 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

موقع "أمازون" ينشئ سلة مهملات ذكية تدعى "جيني كان"

GMT 02:53 2015 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

المهاجم مراد باطنا يقترب من الانتقال إلى "انطاليا التركي"

GMT 04:17 2012 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

كوزوميل جزيرة الشعاب المرجانية ومتعة هواة الغطس

GMT 10:00 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة أمل صقر تكشف أن المجال الفني يعج بالمتحرشين

GMT 11:01 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أبرز عيوب مولودة برج العذراء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib