«بيرل هاربر» التي لا تغيب

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

المغرب اليوم -

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

 

سُئل الأستاذ والدبلوماسي السياسي الأميركي الكبير هنري كيسنجر، ما الذي على السياسي أن يقرأه؟ أجاب كيسنجر، التاريخ. في التاريخ يسكن معمل الإدارة الإنسانية الشاملة. فيه أفعال الكبار من السياسيين، والقادة العسكريين، وإبداع المفكرين والفلاسفة التي غيَّرت مسارات الحياة. في التاريخ حياة تكشف روابي الانتصارات، وحفر الهزائم والنكسات. من التاريخ نتعلم محركات الانتصارات، وهفوات الهزائم. لحظة اندفاع قصيرة، يقفز فيها مَن بيده القرار الأعلى، إلى وهم رغبوي، يقود أمته إلى هلاك لا خلاص منه. الحربان العالميتان الأولى والثانية، أسستا لعالم جديد في كل شيء. تفككت إمبراطوريات، ووُلدت دول جديدة، بآيديولوجيات ومذاهب سياسية واقتصادية مختلفة. الحرب العالمية الأولى قدح شرارتها، شاب صربي وطني متعصب، عندما أطلق النار على الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي العهد المجري النمساوي وزوجته. ارتفع الانفعال السياسي، وتشكل تحالف عسكري بين دول أوروبا. التوتر والاحتباس السياسي والتحالفات العسكرية، كان لها فعل كامن في الدول الكبيرة. اغتيال ولي العهد المجري النمساوي، كان سقط الزند الرقيق الذي أشعل النار العالمية الكبرى. كانت أوروبا في حالة سيولة قلقة، تبحث عن صيرورة تكوين وتوازن آخر. نيران الحرب تسخن حديد الواقع ليطرق كي يتغير.

في الحرب العالمية الثانية، ألمانيا كانت هناك مثلما كانت في الأولى. عريف نمساوي بسيط، حارب مع الجيش الألماني، في الحرب العالمية الأولى أشعل بخطبه المشتعلة، وحركة يديه المتشنجة، حرباً عالمية غير مسبوقة أو ملحوقة. مدينة غدانسك البولندية، التي غزاها هتلر بعد تفاهم ميونيخ حول أزمة تشيكوسلوفاكيا، دفعت فرنسا وبريطانيا إلى إعلان الحرب على ألمانيا النازية. في أيام قليلة تمكّن الجيش الألماني من احتلال فرنسا. استسلمت فرنسا للجيش الألماني، واضطرت مئات الآلاف من القوات البريطانية والفرنسية، إلى الهروب من ميناء دنكرك الفرنسي، نحو الجزيرة البريطانية، في سبعة أيام في يونيو (حزيران) سنة 1940 بقيت بريطانيا بمفردها في مواجهة الجيش الألماني المتفوق براً وجواً.

وجد رئيس الوزراء البريطاني الجديد ونستون تشرشل نفسه، أمام مهمة شبه مستحيلة، وهو مواجهة القوة الألمانية النازية الضاربة. شخصيات سياسية مهمة داخل حكومته وخارجها، مالت إلى حتمية التفاوض مع ألمانيا والتصالح معها لإنقاذ بريطانيا، لكن رئيس الوزراء ونستون تشرشل، أصرَّ على المواجهة العسكرية مع الكيان النازي مهما كلف الأمر. الحلم الذي علَّق عليه أمله، كان دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب إلى جانب بريطانيا. منذ اندلاع الحرب في أول سبتمبر (أيلول) 1939، كانت الولايات المتحدة محايدة رسمياً، والتزمت بقوانين الحياد المتمثلة بعدم الانخراط في الصراع في أوروبا وآسيا. لم يكن هناك إجماع في الرأي العام الأميركي على مساعدة بريطانيا عسكرياً ضد ألمانيا، حيث مالت أغلبية من الشعب الأميركي، إلى أن بريطانيا، ستخسر الحرب ما لم تقف الولايات المتحدة إلى جانبها عسكرياً.

ضربة القدر جاءت، عندما هاجمت القوات الجوية والبحرية اليابانية الأسطول الأميركي، في ميناء بيرل هاربر في السابع من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1941. فقدت أميركا 21 سفينة بين الغرق والتحطيم، ودُمرت 88 طائرة أميركية، وقُتل 2403 أشخاص. خطب الرئيس فرانكلين دي روزفلت في جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي، وصف في خطابه، ما حدث في بيرل هاربر، بيوم العار الذي سيذكر بالخزي. أعلن بعدها الكونغرس مباشرة الحرب على اليابان، وبدأ الدعم العسكري الأميركي يتدفق إلى بريطانيا والاتحاد السوفياتي. مباشرة بعد هذا التطور الحلم، صرح ونستون تشرشل قائلاً: لقد انتصرنا في حربنا على ألمانيا النازية. وفي مساء اليوم الذي شنّت فيه قوات الإمبراطورية اليابانية الهجوم على الأسطول الأميركي في بيرل هاربر، قال أدميرال ياباني: لقد بدأت هزيمتنا، عندما صفقنا لنصرنا بعد هجومنا على أميركا في بيرل هاربر.

كان الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأميركي، قفزة حساب خاطئة في لحظة وهم عبثية، قادها الجنرال إيسورو كوياما ماماتو، قائد الأسطول الياباني المشترك، الذي اعتقد أن ذلك الهجوم يشكّل الفرصة الوحيدة للانتصار في الحرب. قبل ذلك كانت ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، والإمبراطورية اليابانية، قد وقّعت اتفاقية للدفاع المشترك، وشكَّلت بذلك ما عُرف بقوة المحور في الحرب العالمية الثانية. القفزة العبثية نفسها التي قام بها العريف الفوهرر الألماني عندما قرَّر شنّ الحرب على الاتحاد السوفياتي، الذي وقع معه معاهدة روبنتروب مولوتوف بعدم الاعتداء، واتفق مع الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين على تقاسم أرض بولندا. ذات القفزات العبثية، التي قام بها الدوتشي الفاشي بينيتو موسوليني، عندما دفع بقواته إلى فرنسا لدعم القوات الألمانية، التي احتلت فرنسا وخسر الآلاف من قواته في الجبال الجليدية، ودعم القوات الألمانية في هجومها على الاتحاد السوفياتي، وكذلك هجومه على القوات البريطانية في العلمين، وتقدمه إلى اليونان. كان القادة العسكريون الإيطاليون، يرون أن قواتهم غير مؤهلة للدخول في أي معارك عسكرية، لكن موسوليني كان همّه الأول والأخير، أن يجلس على مائدة المفاوضات عند نهاية الحرب، يكون له نصيب في ثمار النصر.

بيرل هاربر، ساعات قليلة ولدت عالماً جديداً، قسمت العالم وغيَّرته. بدأت في اليابان، حيث انتهت بقنبلتين ذريتين عليها، وأصبحت تحت هيمنة أميركا، وفي ألمانيا حيث دمَّرت وقسمت وانتحر زعيمها المقدس، وفي إيطاليا حيث قُتل الزعيم وعلق من قدميه. «بيرل هاربر»، هي حالة لا تغيب. تولد بلا توقف في رؤوس الواهمين الذين تنخرهم السلطة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بيرل هاربر» التي لا تغيب «بيرل هاربر» التي لا تغيب



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:27 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 02:03 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

أجمل موديلات فساتين عروس طبقات 2020

GMT 07:33 2023 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يُصبح هداف مصر التاريخي في تصفيات كأس العالم

GMT 14:18 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مصر ترد على وكالة "ناسا" بشأن الإعصار المتجه نحو البلاد

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

طاليب ينتقد معارضيه بعد انتصاره على الوداد

GMT 04:24 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

برنامج تجسس" يستهدف الهواتف ويسرق محتوياتها في المغرب"

GMT 19:09 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليليان تورام يزور أكاديمية نادي الفتح الرياضي

GMT 22:36 2016 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

10 نصائح للعناية بالشعر المعالج بالكيراتين

GMT 03:53 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

روندا روزي تتعرّض لضربة قاضية متوقعة من هولي هولم

GMT 06:38 2014 الأربعاء ,20 آب / أغسطس

توقيف نائب وكيل الملك في ابتدائية الناظور

GMT 19:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

نور الشريف يكشف حقيقة اشتراكه في فيلم روسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib