«النسوية» البيضاء
أخر الأخبار

«النسوية» البيضاء

المغرب اليوم -

«النسوية» البيضاء

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

باستثناء تظاهرة خجولة من بضع نساء في لبنان، لم نسمع من جمعيات حقوق المرأة العربيات بمن فيهن اللبنانيات، اللواتي تفاخرن طويلاً بريادتهن في الدفاع عن الجنس المهيض، مواقف تذكر، احتجاجاً على ما تتعرَّض له المرأة الفلسطينية في غزة، من جرائم منكرة، وصلت حدّ الإبادة، وأطفالهن الذين يقتلون في المهد. والأمر ليس بالضرورة مصادفة. فالمرجعيات الغربية لغالبية هذه الجمعيات، لا تتقاسم مع الفلسطينيات وجعهن.

ولعلَّنا ظلمنا «الرجل الأبيض» حين نسبنا إليه وحده العنصرية، ونزعة التفوق المتعجرفة، فيما يبدو أن «المرأة البيضاء» لا تقل عنه انحيازاً للونها على حساب جنسها، وعنصرية من أجل الحفاظ على برجها. فمن الصادم أن تكشف وزيرة المساواة بين الجنسين، الفرنسية أورور برجيه، أنها مصرّة على معاقبة الجمعيات النسائية التي شاب تعليقاتها «أدنى غموض» فيما يخص الظلم الذي تعرض له الإسرائيليون على يد «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، دون أدنى ذكر، لعشرات آلاف النساء والأطفال الأبرياء الذين قتلوا ولا يزالون يذبحون في غزة.

حرمان الجمعيات من التمويل بعد أن صارت تطارد بعناية وتحاسب على كل كلمة تصدر عنها، بحيث تدرس من كثب، من قبل السيدة الوزيرة، يعني إغلاق أبوابها؛ ولا يكفي أن تصمت أو تتعاطف بهدوء، بل يجب أن تعلن بوضوح لا لبس فيه، وبصوتٍ عالٍ وقوفها إلى جانب إسرائيل، كي تنال المال. فقد قالت الوزيرة الشابة: «أن تكوني نسوية يعني دعم النساء اللاتي تعرضن للاعتداء في 7 أكتوبر». ومع أن لا شيء مثبتاً، فيما يتعلق بالادعاءات الإسرائيلية حول الاغتصاب، وحرق الأطفال، ولا تزال المحاولات مستميتة لإثبات أي تفصيل، إلا أن الوزيرة تريد أن تصدق وتغرد حول عذابات الإسرائيليين، ومنها ما حذفتها؛ لأن إبقاءها، بعد افتضاح كذبها، ما عاد ممكناً.

شكوى جمعيات حقوق المرأة من رهن موقفها بمصالح الممولين، وأصحاب السلطة ليس بالجديد، لكن التصريح أقوى من التلميح. كان واضحاً الاستخفاف ولعشرات السنين بآلام النساء العراقيات اللواتي ذبحن وأُفقرن وثكلن دون أن يحتجّ أحد، فيما تتجند الجمعيات النسوية الغربية وتطلق الدعايات، وتفرد صفحات المجلات للتشهير بالرجل الأفغاني الذي يحرم المرأة من التعليم، ويفرض عليها الحجاب. وثمة نساء بسمن وغيرهن بزيت، تبعاً لإمكانية توظيف القضية في تدعيم السياسات الاستعمارية، ومصلحة المحتلّ في كل مرة. فقد استخدم الأميركيون النساء عندما كانوا في أفغانستان ونسوهن بمجرد هروبهم بالطائرة.

الحركة النسوية في الأصل تبلورت في نهاية القرن التاسع عشر، وخرجت من رحم الثورات التحررية في أوروبا، التي نادت بالمساواة واحترام حقوق الإنسان. وانصبت في البدء مطالبها على العمل والتصويت والمشاركة السياسية. ولم يكن نشر هذه القيم عالمياً على جدول المناضلات يومها، وإن تأثرت بهن نساء عربيات، وبدأن يكشفن عن وجوههن ويخلعن الأحجبة، ولا يزال كتاب قاسم أمين «تحرير المرأة» محطة، ودور هدى شعراوي، يؤرخ به. لكن ما حدث بعد ذلك في النصف الثاني من القرن العشرين إثر خروج الجيوش الاستعمارية، هو أقرب إلى أدلجة هذه المطالبات وتغريبها، وإلحاقها بما يحدث في أوروبا، منها إلى الحركات النسوية الوطنية ذات الصوت المستقل. وبمرور الوقت وتزايد التمويلات الخارجية فقدت غالبية الجمعيات النسائية بوصلتها الذاتية، وخضعت لأجندات جاهزة، بحيث لم تعد أولويتها الوعي والتعليم، والمساواة في العمل، بقدر ما ركزت على الطلاق والزواج وما يدور في المحاكم الشرعية. ولا ينكر على هذه الجمعيات بعض إنجازاتها التي حققتها، لكنها في لحظة تاريخية كالتي نحن فيها، تختفي وتغيب، وكأنها لم تولد يوماً.

استغلال براءة الحركات النسوية لحسابات سياسية، ليس حكراً على العرب والدول النامية. ففي أوروبا تشتكي نساء من وقوعهن تحت سطوة «السياسات الإمبريالية». ولم تنتظر هؤلاء السيدات مآسي غزة ومذابحها ليستشعرن مخاطر استغلال عناوين نسائية لتحقيق مكتسبات مالية وسياسية، لا صلة لها بالمرأة ولا بالطفل.

الأسئلة كثيرة عند النساء حول ركوب موجة حقوق المرأة للنفاذ إلى أهداف شريرة. «ما هو الرهان؟ كيف انتقلنا من النسوية التي كانت بعيدة عن شرّ العنصرية والاستعمار في العالم، إلى نسوية بيضاء إمبريالية؟» تسأل فرنسوا فيرجيس في كتابها «نسوية لإنهاء الاستعمار» الذي تحاول فيه أن تفهم كيف أصبحت الحركة النسوية ركيزةً للعديد من الآيديولوجيات التي تبدو للوهلة الأولى معارضة لبعضها البعض، مثل الليبرالية، والقومية المعادية للأجانب، والآيديولوجية اليمينية المتطرفة؟ كيف أصبحت حقوق المرأة إحدى الأوراق الرابحة للدول الاستعمارية، ومن الملاذات الأخيرة للنيوليبرالية، ورأس الحربة لسطوة القوى الاستثمارية؟ وثمة نساء غربيات اليوم، يعتقدن أنهن بحاجة للتعامل مع نساء الجنوب، بمختلف جنسياتهن، يداً بيد ليضعن حداً لتسلط القوى المهيمنة، والتي يقعن جميعهن، على مختلف ألوانهن، ضحايا لها. فإذا كانت هذه القوى المتسلطة تفقر وتقتل نساء الجنوب، فهي ترتكب الجرائم باسم نساء الشمال ورجاله.

وفي جلسة عقدت مؤخراً شاركت فيها الكاتبة فرنسواز فرجيس والناشطة الفرنسية الجزائرية الأصل حورية بوثلجة، تحت عنوان «النسوية البيضاء متواطئة مع إسرائيل»، قالت الأخيرة: «إن نضالنا بدأ يثمر؛ لأن سياسة البيض في حالة خلل وارتجاج، وهم بحاجة إلينا في هذه اللحظة. لهذا تمكنا من تحويل بعضهم، ومن جعلهم بيضاً بنسخة أفضل من السابقة، وهذا ما نحن مستمرّات في عمله. فهؤلاء بروحهم الاستعمارية، لم يبق أمامهم سوى خيارين، إما أن ينضموا إلينا ويتصالحوا معنا، وإما أن يذهبوا إلى الفاشية البشعة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«النسوية» البيضاء «النسوية» البيضاء



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib