مَن يرث أميركا

مَن يرث أميركا؟

المغرب اليوم -

مَن يرث أميركا

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

هل تريد أميركا، حقاً، أن تتخلَّى عن نعمتها كـ«مغناطيس» يجتذب عباقرة الكوكب، وتتنازل طوعاً عن توظيف مواهبهم لصالحها في عزّ معركتها الشعواء مع الصين؟ إنه لأمر محيّر! يتبين أن 50 في المائة من حملة الدكتوراه في أميركا هم من أصل أجنبي، وأن الوجاهة الأكاديمية للجامعات، كما تمايز «وادي السيليكون» والشركات الكبرى مثل «غوغل»، تقوم في أغلبها على أكتاف المواهب الدولية.

الطلاب الأجانب الذين يفوق عددهم حالياً المليون، نصفهم يتخصصون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وهي اختصاصات يتنافس على عبقرييها كل بلد طموح له مشروع ذكي. نما عدد هؤلاء الطلاب بشكل لافت في السنتين الفائتتين. وهو ما يفترض أن يفرح بلداً، يسعى لأن يستعيد مجده الصناعي، لكن الاستراتيجيات الجديدة تظهر غير ذلك.

طلب الرئيس دونالد ترمب من جامعة «هارفارد» أن تخفض طلابها الدوليين من نسبة الثلث إلى 15 في المائة. لكن العدد في أميركا كلها سيتراجع تلقائياً، بسبب الإجراءات الجديدة. مئات تم ترحيلهم، أكثر من 1500 تأشيرة في 222 جامعة ألغيت. ثمة من اضطروا للمغادرة بسبب مخالفات قانونية، أو بتهمة نشاط سياسي، ومنهم مَن يجهلون أصلاً سبب حرمانهم من إكمال دراستهم. إذا أضفت إلى ذلك القيود التي فرضت على تأشيرات الطلاب، وتجميد قبول الطلبات في الوقت الراهن، وإحجام كثر ممن كانوا يحلمون بالالتحاق بإحدى كبريات الجامعات هناك، تفادياً لمشاكل قد تطرأ، فتجد الإقبال الدولي سيتقلص حكماً.

التمويلات الأكاديمية للبحث التي كانت تغري عشاق المعرفة تتراجع، الترحيب بالأجانب ينقلب سخطاً وطرداً. يوجد غضب في الهند، البلد الذي يأتي منه العدد الأكبر من الطلاب، لا لإعادة أبنائهم إليهم، بل لتكبيلهم واحتجازهم، وسوء معاملتهم، دون مراعاة التحالف السياسي الحميم. الاحتجاجات تتعالى من الصين كذلك لتواصل اتهام طلابها مرات بالجاسوسية، وأخرى لطردهم أو رفضهم دون أسباب وجيهة. البلدان الآسيويان وحدهما يبتعثان ما يزيد على نصف مليون طالب.

المثير أن الطلاب الأميركيين هم أيضاً، بحثوا بشكل مكثف على منصة «ستودي بورتال» عن فرص تعليمية خارج بلادهم في الأشهر الأخيرة. في ما تراجع البحث عن الدراسة في أميركا من قِبَل الطلاب الدوليين، لتحل مكانها المملكة المتحدة. مما يرشح بريطانيا لأن تكون الوجهة البديلة لكثيرين بمن فيهم الأميركيون أنفسهم. وهي فرصة ذهبية للمؤسسات التعليمية هناك، التي دقت ناقوس الخطر هذه السنة، بسبب شح التمويلات التي لا يمكن تسديدها إلا من جيوب الطلاب الأجانب الميسورين.

الإغراءات تأتي من أوروبا التي خصصت برنامجاً خاصاً بملايين اليوروات لاجتذاب الأساتذة، وهي على استعداد لاستقبال الطلاب، وبدأ قبول الطلبات، وسط ترحيب وتفاؤل بسد العجز لا سيما في المجالات العلمية والتكنولوجية.

الأهم أن اليابان والصين وهونغ كونغ، تعتبر نفسها وريثة جيدة للمجد الأكاديمي الأميركي. واحدة من أهم الجامعات اليابانية «أوساكا» أعلنت عن إعفاء الطلاب والباحثين الموجودين في المؤسسات الأميركية التعليمية وإعطائهم منحاً، وكذلك مساعدتهم على تسهيل إجراءات الدراسة والسفر، في حال رغبوا في الانتقال إليها. اليابان رغم محنتها الاقتصادية الكبيرة، على استعداد لاستقبال عشرات آلاف الطلاب المتفوقين الجدد وتحمل أعبائهم. ولإنجاز هذا الهدف الثمين، فإن جامعتي «كيوتو» و«طوكيو» اليابانيتين تتحضران للإعلان عن مشروع مماثل لما أطلقته «أوساكا». كذلك وبتشجيع من وزيرة التربية، كريستين شوي، في هونغ كونغ، فإن الجامعات هناك رمت شباكها لطلاب «هارفارد»، وهم زبدة النخبة لاستقبالهم مع وعد بتسهيلات ودعم أيضاً.

عروض من كل حدب وصوب، لتصيد العقول التي تبحث عن ملجأ علمي يليق بها، بعد أن فقدت حضناً دافئاً، ومراكز علمية سخية ومغرية من الصعب تعويضها.

لكن الخسارة متبادلة. ففي دراسة حديثة، أصدرتها «رابطة التعليم الدولية» في أميركا، أن التأثير السلبي لانخفاض عدد الطلاب الأجانب، سيكون كبيراً. العام الماضي، صرف هؤلاء ما يقارب 43 مليار دولار، ووفروا 378 وظيفة. والشركات الناشئة تعتمد بنسبة لا يستهان بها على الطلاب الأجانب.

فهل نظرية الحدّ من منافسة الأجانب للأميركيين، في الجامعات والمؤسسات، وحدها كافية للنهوض بالاقتصاد؟ هذا سؤال إجابته سنراها جلية في السنوات القليلة المقبلة.

لكن من الآن وقبل مغادرة المهارات بلاد العم سام، يقطع الرئيس التنفيذي لـ«أبل» تيم كوك، بأن نقل مصانع شركته إلى أميركا غير ممكن، بسبب غياب الكفاءات البشرية المطلوبة، فما بالك بعد أن يعود هؤلاء إلى الهند والصين.

عالم الفيزياء الأميركي من أصل ياباني ميتشو كاكو، الذي تعتبر كتبه في المستقبليات من الأكثر مبيعاً يقولها دون تردد: «من دون العبقريات الأجنبية انسوا (وادي السيليكون) وانسوا (غوغل)».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مَن يرث أميركا مَن يرث أميركا



GMT 17:33 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام... إنقاذ اليهود

GMT 17:30 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

أميركا بين حرية التعبير وخطاب الكراهية

GMT 17:27 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

ترويض إسرائيل؟!

GMT 16:17 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

ماذا تنتظر قيادة «حماس»؟

GMT 16:13 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

1947 و1947 المقلوبة...

GMT 16:09 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

حلّ الدولتين: ماذا لدى الرئيس ترمب؟

GMT 16:06 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

أمل جديد لمرضى السكري

GMT 16:02 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

حمد بن جاسم الكفاءة والموالاة!

الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - المغرب اليوم
المغرب اليوم - أنواع النباتات المثمرة المناسبة في بلكونة المنزل

GMT 02:24 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عطيات تبين وجود حل لاكتساب الطفل للألفاظ البذيئة

GMT 14:17 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

أفكار مميزة لتزيين مدخل منزلك ومنحه "الحياة"

GMT 18:46 2018 الثلاثاء ,20 آذار/ مارس

اعتقال نشطاء يؤجج الاحتجاجات في مدينة جرادة

GMT 06:33 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

عبد الرزاق رزق الله "ماندوزا" يرجع إلى تدريب الراسينغ

GMT 11:26 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

سعر الريال القطري مقابل درهم إماراتي الأحد

GMT 00:20 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

والدة هشام مشتري تشن هجومًا على محامية حمزة

GMT 00:18 2016 الأحد ,04 كانون الأول / ديسمبر

أسامة السعيدي يقترب من العودة إلى الدوري الهولندي

GMT 14:40 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

نقل قرعة كأس العالم على قناة "بين سبورت" الجمعة

GMT 22:32 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

نادي الرجاء البيضاوي يختبر اللاعب الموريتاني عيسى باباه

GMT 14:23 2012 الإثنين ,10 أيلول / سبتمبر

كيرا نايتلي جميلة الجميلات بثوب لإيلي صعب

GMT 15:13 2017 الإثنين ,17 تموز / يوليو

فوتشيك تشيزني حارس مرمى ينتقل الى يوفنتوس

GMT 04:22 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

غرفة الجنايات" في الدار البيضاء ترجئ النظر في قضية قتلة مرداس"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib