لبنان الجديد

لبنان الجديد

المغرب اليوم -

لبنان الجديد

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

حساباتهم ، الخاسرون المكابرون كما الرابحون المحتالين. الانتخابات النيابية اللبنانية كانت المرة الأولى التي تبدو فيها الانتخابات. لم يسبق لنا أن رأينا نصف المجلس بوجوه جديدة. نرفع رؤوسهم كبيرة الحجم ، بالجملة ، ودكها في معاقلها المحصنة ، وتحويلها إلى صف المتفرجين. من ثمَّ من فضائل الانهيار الشامل 17 تشرين الثاني / نوفمبر.
جهد مجنون بذله الشباب اللبناني، منذ انتفاضة عام 2019 إلى اليوم. خرجوا من الشوارع والساحات، بعد أشهر من الهتاف والعراك والمطالبات، لكنهم نشطوا في كل اتجاه. لم يتوقفوا لحظة عن الحلم والعمل، في لبنان كما في لندن وباريس ودبي، في النقابات كما في الجامعات، في المقاهي والأزقة. ليست صدفة أن تأتي نتائج الانتخابات تاريخية، وتقلب المشهد. ثمة من آمن عميقا بسلمية الكفاح، وقدرة الديمقراطية مهما كانت تجاوزاتها، كبيرة، وعوراتها محبطة، على إيصالهم، وكان لهم ما أرادوا. 15 نائباً من المجتمع المدني، رقم يرنّ ويرغم على الإصغاء إليه. هؤلاء يدركون أن مهمتهم الأولى هي إعادة الكرامة لمن انتخبهم، إخراج اليائسين من كآبتهم المزمنة. النائبة الجديدة نجاة صليبا أولويتها أن تعيد الشبّان المهاجرين إلى أحضان أمهاتهم. وعدت أن تعتبر لأربع سنوات أن كلاً منهم هو أحد أبنائها. هؤلاء نواب يعرفون الناس ويعيشون معهم، ليسوا كحبيسي المناصب والمقامات. لهذا؛ تمكن شاب مثل ميشال الدويهي أن ينتزع مقعداً في زغرتا بين عائلتين سياسيتين، هما معوض وفرنجية. وتمكن ويليام طوق الذي يعدّ نفسه مستقلاً، لكنه محسوب على المردة، أن يخترق معقل القوات اللبنانية في بشري. في الجنوب، حيث حافظ «حزب الله» على تفرده 30 عاماً، تم اختراقه من اللوائح المدنية باسمين لأحدهما رمزية خاصة. بفوزه تحول فراس حمدان من محتجّ على أبواب المجلس النيابي يتصدى له الحراس، يطاردونه، ويصيبونه بشظايا لا تزال مستقرة في قلبه إلى نائب تضرب له التحية عند الدخول. أما الأهم، فهو أنه تمكن من الإطاحة بأحد أبرز رموز القطاع المصرفي مروان خير الدين، الذي توحدت حوله قوى سياسية تقليدية عدة. وتمكن في الجنوب أيضاً طبيب عيون هو إلياس جرادة أن يُخرج من المجلس النيابي الحزب السوري القومي الاجتماعي ممثلاً بأسعد حردان بعد عشرين سنة من الصمود. وفي البقاع خرج وجه استفزازي آخر هو إيلي الفرزلي، وحقق على إحدى اللوائح المدنية ياسين ياسين اختراقاً لم يكن متخيلاً. ليس قليلاً أن تتمكن لائحة غضة عليها باحثتان مثل نجاة صليبا وحليمة قعقور وشاب هو مارك ضو يترشحون للمرة الأولى أن يزيحوا طلال أرسلان ابن عائلة تاريخية في الجبل ويحرموا وئام وهاب، صاحب الإطلالات التلفزيونية الدائمة، من دخول المجلس. وفي طرابلس يفوز شاب مغترب يدعى إيهاب مطر، لم يكن قد سمع باسمه أحد قبل أشهر فقط، ويرسب في المقابل فيصل ابن عمر كرامي، في مدينة لا تزال تقليدية. تلك ظواهر دلالاتها تفوق الانقسام بين فريقي 8 و14 وتأييد الفئة الثانية على حساب الأولى والانتصار لها، إلى حالات تمرد على نهج سياسي، بات يفتقد إلى لغة عصرية في التعاطي أو أدوات مقنعة في العمل، إذا وجد. يتحدث النواب التغييريون عن «نهج علمي في التفكير»، «مجتمع مدني» يلفظ الانقسامات الطائفية، عن أن السياسة ليست صراخاً ومناكفات «هي كلام هادئ وموزون، وأداة لإدارة التنوع في الحياة».
هذا لا يشبه الدوران في فراغ الجدال العقيم الذي غرقت به الأحزاب اللبنانية، منذ سنوات، ولا نعرف إن كان نواب المجتمع المدني سيصيبون بعدوى عقلانيتهم زملاءهم التقليديين، أم سينجرّ الجميع إلى الثرثرة القاتلة العقيمة من جديد. حقاً ستكون تجربة محبطة لشبان، أرغموا آباءهم وأمهاتهم على اقتراع لم يعتادوه، وهجران أحزاب تربوا على عشق زعيمها حدّ التقديس. فما يحدث اليوم، ليس مجرد تغيير صغير في برلمان بلد يكاد لا يرى على الخريطة، أنه انقلاب جيل على جيل قبله لم يعش سوى الحرب والبغضاء والطائفية، بأنبل السبل وأسلسها. هؤلاء من مهاجرهم وباقتراعهم ضد الأحزاب ساهموا، فعلياً في تبديل النتائج، وتحقيق العديد من الاختراقات لصالح اللوائح المدنية. فما قبل فتح صناديق المغتربين لم تكن كما بعدها.
تكفي تجربة المرشح جاد غصن الذي خسر المقعد النيابي بفارق 88 صوتاً، لتدل على أن الرهان على المال والحزب والجاه، كلها تسقط، أمام قناعة شبان بمرشحهم الذي خاض معركته في المتن ضد عتاة الأحزاب والعائلات ومدمني الرشى، لا يملك سوى المنطق والحجة سلاحاً. تحول جاد غصن إلى حالة شبابية كاسحة، واكبته في الساعات الأخيرة من فرز الأصوات أكثر من عشرة آلاف تغريدة، وبقي تراند رقم واحد في لبنان لثلاثة أيام، مصحوباً بمحبة وتشجيع شبان من مناصريه ومن مختلف الأحزاب المناوئة، تعاطفاً وتعاضداً، مع تجربته الملهمة.
فتح في ساحة معركة طويلة وشائكة. مبكر الكلام على ما ستكون عليه التكتلات والصراعات. قد يكون مجيبًا مما عبر. فكل جديد له معوقاته. لبنان مقبل على سلسلة من الاستحقاقات المتتالية ، انتخاب رئيس للجمهورية ، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي ، وخطة للتعافي الاقتصادي ، وانتخابات. كلها ستتطلب مواقف ، والخروج بالبلاد من النفق الأسود ، ولو بإضاءة شمعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الجديد لبنان الجديد



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نانسي عجرم تتألق بفستان فضي من توقيع إيلي صعب في إطلالة خاطفة للأنظار

دبي - المغرب اليوم

GMT 15:46 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 23:36 2021 الجمعة ,15 تشرين الأول / أكتوبر

علاج فورما للبشرة هو بديل ممتاز لعمليات شد الوجه

GMT 15:22 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

مقتل شخص وإصابة آخر بجروح خطيرة في حادثة سير

GMT 20:09 2018 الثلاثاء ,14 آب / أغسطس

هبوط أسهم شركة "اتلانتيا" الإيطالية

GMT 06:37 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

اللبنانية بولا يعقوبيان تنتقل إلى تلفزيون الجديد

GMT 05:06 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

"لوس أنغلوس تايمز" تتعرض الانتقادات من رواد "تويتر"

GMT 17:14 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

أعرفك.. وشم على نبض القلب، ونفحة من روح السماء!

GMT 01:55 2012 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

خفض قيمة قصر بيل أير إلى 25 مليون إسترليني

GMT 17:13 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب أتلتيكو مدريد يكشف سر الانتفاضة أمام ليفانتي

GMT 16:17 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

معارك القرود تساعد على كشف "النقطة الحرجة" للحيوانات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib