سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

المغرب اليوم -

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

سام منسى
بقلم : سام منسى

أعلن خليل الحية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، الأسبوع الماضي، رفض تسليم السلاح قبل قيام الدولة الفلسطينية، بعد أن كانت الحركة تربط هذا القرار بإجماع الفصائل. وعادت «حماس» لتنفرد بالمشهد الميداني عبر انتشار مسلحيها في مناطق متفرقة من القطاع، ما دفع رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد مصطفى، إلى مطالبتها بموقف واضح من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا سيّما في مسألة السلاح. ويتكرر المشهد في بيروت، مع إصرار «حزب الله» على عدم تسليم سلاحه قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها وإطلاق الأسرى.

في المقلب الإسرائيلي، يتجنب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الإفصاح عن حقيقة موقفه من المرحلة الثانية من خطة ترمب، ويتمسك برفضه حتى مبدأ الشروع في مسار نحو دولة فلسطينية.

هذا التصلب أدى إلى تعثر تفاهمات وقف النار في غزة وعودة إسرائيل إلى القصف، رغم الضغوط الأميركية والمصرية وغيرها. وفي الموازاة، يتعثر أيضاً اتفاق وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل و«حزب الله»، مع استمرار إسرائيل بالقصف والاغتيالات وتواتر الأنباء عن إعادة الحزب بناء قوته. وهكذا، ينعكس المشهد الغزي على لبنان الذي يعيش حالة «غزة سياسية» تمسك فيها قوة مسلحة بالقرار السيادي وتشل مؤسسات الدولة.

النموذجان اللبناني والغزي يجسدان ظاهرة «الدولة داخل الدولة»، حيث حركات المقاومة، كـ«حزب الله» و«حماس»، المفترض أنها مشاريع تحرر باتت سلطات موازية تستمد شرعيتها من المظلومية والاحتلال، لكنها تسعى للبقاء أكثر من التحرير. تحولت شرعية المقاومة إلى آيديولوجيا سلطة تستعمل لتبرير السيطرة الداخلية وقمع التعددية واستمرار السلاح خارج الدولة، في لبنان امتداداً لذاكرة الحرب الأهلية ومخاوف الشيعة من التهميش، وفي غزة خوفاً من الانهيار السياسي تحت الاحتلال، ضمن هندسة إقليمية تكرس حالة حرب باردة دائمة.

إيران توظف «حماس» و«حزب الله» كأداتي نفوذ وردع وورقة ضغط في مفاوضاتها مع الغرب، فيما يستفيد اليمين الإسرائيلي من وجودهما ويتغذى على استمرار الخطر لتبرير عسكرة الدولة والمجتمع وسياسة الاستيطان. منذ وصول نتنياهو إلى السلطة عام 1996، دأب على إضعاف السلطة الفلسطينية والإبقاء على «حماس» في غزة لتبرير قوله إن إسرائيل لا تملك شريكاً للسلام. وها هو يعيد السيناريو ذاته اليوم، مفضلاً احتواء أخطار «حماس» و«حزب الله» بعد إنهاكهما ومنعهما من تهديد إسرائيل، من دون القضاء عليهما نهائياً ليبقي النزاع مشتعلاً على نار خفيفة ريثما تتوافر ظروف تسمح له بمتابعة سياساته التوسعية والإقصائية.

تحولت معادلة المقاومة والاحتلال إلى دائرة مغلقة من العنف غير المتكافئ، تغذيها مصالح متناقضة ظاهرياً، متكاملة عملياً. إيران وأدواتها كما إسرائيل، يتواطأون ضمناً على إبقاء الصراع في إطار قابل للإدارة، قائم على «رهان الوقت» لا على الحسم. فـ«حماس» و«حزب الله» والراعي الإيراني، اعتادوا الرهان عليه، وسبق أن استفادوا من تحولات إقليمية مكنتهم من التملص من التزاماتهم والحفاظ على واقع المراوحة الذي يعيشون عليه.

كل ذلك يشكل تحديات بنيوية أمام نجاح خطة ترمب التي تتجاوز وقف النار في غزة لتشمل تسوية إقليمية أوسع، ويبدو أن الإطار الذي أعلن في شرم الشيخ ما زال نظرياً. فالمرحلة الأولى من الخطة، المتعثرة أصلاً، أسهل من الثانية التي تحتاج إلى خطوات عملانية، من إنشاء قوة حفظ سلام عربية - دولية تشرف على نزع سلاح «حماس» وضمان الأمن في غزة، مروراً بصندوق لإعمار القطاع وتشكيل حكومة تكنوقراط تدير المرحلة الانتقالية. وتحتاج كذلك إلى خطوات سياسية، هي الأصعب، أشار إليها ترمب في خطابه أمام الكنيست بعد مديح نتنياهو، داعياً إلى قيام ائتلافٍ حكومي إسرائيلي قادر على التعاون مع سلطة فلسطينية بعد إصلاحها لإدارة غزة والضفة الغربية مع انتهاء حكم «حماس».

إن التحول في سياسة ترمب، من خطاب التهديد والنفي إلى الاعتراف بأن «الفلسطينيين باقون، وعلينا أن نجد طريقة للعيش معهم»، يُعد مؤشراً لاقتناع واشنطن بأن الاستقرار لا يمكن أن يقوم على الغلبة العسكرية بل على تسويات سياسية جديدة تُخرج إيران ووكلاءها من معادلة الردع غير المتوازن، وتدفع إسرائيل إلى السلام. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذا التحوّل يواجه تحديات ميدانية في غياب جهة فلسطينية موحدة تمتلك شرعية سياسية وقدرة تنفيذية، وفي ظل حكومة إسرائيلية متشددة ترفض أي تنازل، وبينهما، الدول القريبة من «حماس» المترددة في ممارسة الضغط الفعلي، خشية الظهور كأنها تنزع سلاح المقاومة وتمنح إسرائيل تفوقاً كاملاً.

لن يستتب السلام في المنطقة مع أمثال حكومة نتنياهو وحكم الصهيونية الدينية في إسرائيل وقوى مثل «حماس» و«حزب الله» في فلسطين ولبنان. إلى جانب التحول الإيجابي في سياسة ترمب إزاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، لن تكسر المعادلة بين نتنياهو و«حماس» و«حزب الله» إلا بإرادة عربية وإقليمية ودولية متقاطعة تنتزع ملف السلاح والميليشيات من مساومات الخارج وتلزم الأطراف بمسار تسوية حقيقية، وإلا فستبقى المنطقة تدور في حلقة النار ذاتها، بين حرب مؤجلة وسلام صعب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib