معادلة برّي تطبيع ما هو غير طبيعي

معادلة برّي: تطبيع ما هو غير طبيعي

المغرب اليوم -

معادلة برّي تطبيع ما هو غير طبيعي

سام منسي
بقلم - سام منسي

خطاب رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس حركة أمل، شريكة «حزب الله» في الثنائي الشيعي، بمناسبة ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، يساعد أساتذة العلوم السياسية في الجامعات لشرح أحجية السياسة اللبنانية. ما من طريقة أفضل وأوضح للتعبير عن أحوال السياسة في هذا البلد والتي أدت إلى حرب أهلية معلنة دامت خمس عشرة سنة وأخرى كامنة ما زالت مستمرة، واجتياحين إسرائيليين وحربين بين «حزب الله» وإسرائيل. سياسة القفز فوق الخلافات والمشاكل دون مواجهتها بأسلوب تدوير الزوايا واعتماد الشيء ونقيضه والتورية والصيغ حمالة الأوجه، إضافة إلى التذاكي داخلياً وخارجياً مع الأصدقاء والخصوم بهدف المماطلة والهروب إلى الأمام.

خطاب بري اتسم بالهدوء والحنكة السياسية، محاولاً رسم معادلة دقيقة للالتفاف على قرار الحكومة القاضي بحصر السلاح بيد الدولة، من دون الدخول في مواجهة مباشرة معها أو استعداء واشنطن وتل أبيب، أو دفع «حزب الله» إلى انسحاب يعطّل جلسات الحكومة.

بري الذي يتحرك على خط مزدوج بين قيادة «حزب الله» ورئاسة الجمهورية، مع قنوات تواصل غير مباشرة مع الرئيس نواف سلام، استطاع أن يدفع الحكومة إلى التمهل في التنفيذ واعتماد القرار من حيث المبدأ من دون الالتزام بجدول زمني أو ربطه بآليات محددة، بحيث أفضت جلسة مجلس الوزراء بعد خروج الوزراء الشيعة منها إلى تظهير لعبة بري البارعة لعلها تخرج الملف من دائرة الانفجار وتحمي الحكومة من الانقسام والشلل أو الاستقالة.

الوقائع تقول إن «الثنائي الشيعي» غير القادر على مواجهة الداخل والخارج، لا سيما إسرائيل، فضّل مناقشة خطة حصر السلاح ضمن جدول أعمال واسع، لا طرحها كبند وحيد، وهو ما أصرّ بري على إبرازه في خطابه الأخير. فهو لم يغلق الباب أمام النقاش بشأن سلاح «حزب الله»، لكنه دعا إلى إدراجه في إطار استراتيجية دفاعية وطنية، على غرار ما ورد في خطاب القسم للرئيس جوزيف عون، وهو مطلب الحزب للقفز فوق نزع السلاح. بهذا الطرح، حاول بري تكييف النقاش من مسألة ضاغطة وملف خلافي قد يفجّر الحكومة، إلى بند قابل للنقاش في سياق خطة وطنية أشمل، تحفظ الحد الأدنى من التوافق، وتمنع عزلة لبنان دولياً وعربياً في حال فرضت عليه استحقاقات لا قدرة له على تحملها.

«حزب الله»، ومن ورائه بري، رغم الخطاب المتشدد والرفض القاطع للتخلي عن السلاح، يبدو أنه لا يمانع من حيث المبدأ مناقشة خطة الجيش لجمع السلاح المتفلت، بل شدد على أنها تبقى إطاراً عاماً يكتفي بالعناوين العريضة، من دون الغوص في التفاصيل الميدانية واللوجيستية، ما يمنح الخطة مرونة ويبعدها عن القيود الزمنية، باعتبار أن فرض سلطة الدولة على كل الأراضي يحتاج وقتاً مفتوحاً وظروفاً لا يمكن التنبؤ بها.

لم ينكر بري التزامه بخطاب القسم والبيان الوزاري وصياغة معادلة لبنانية داخلية لا تظهر بيروت وكأنها تتحدّى المجتمع الدولي أو تقدم أوراقاً مجانية لإسرائيل لتتهم لبنان بعدم الجدية في تطبيق التزاماته.

نتيجة معادلة بري ونتائج جلسة الحكومة بحسب بيان وزير الإعلام الذي فسر الماء بالماء، هي ارتداد ممل لخطاب بري، يمكن إيجازها بالتالي: إبقاء قرار حصر السلاح قائماً من دون إسقاطه، التكتم على تنفيذه عملياً عبر رفض الجدولة الزمنية، إدراجه في إطار وطني أوسع هو الاستراتيجية الدفاعية، إبعاد الحكومة عن الانفجار الداخلي عبر تجنيبها انقساماً ميثاقياً وتجنّب استفزاز الخارج عبر خطاب ظاهره معتدل ومنفتح.

هل نجح بري في تأمين هوامش كافية لحماية سلاح الحزب من أي استحقاق فوري، مؤكداً قدرته على لعب دور الممسك بخيوط التوازن الدقيق بين الداخل المأزوم والخارج الضاغط؟

المقبل من الأيام سيظهّر المشهد، إنما ألاعيب السياسة اللبنانية البارعة في إدراك عمق التركيبة وقدرات النظام القائم، لن تحجب الوقائع بأن الأزمة مستعصية على الحلول الداخلية. ظهرت نبرة التحدي في الخطاب لتقول إن الطرق القديمة ما زالت حية ترزق ولو من خلال الهروب وإنكار الواقع وشراء الوقت عبر التأجيل والمماطلة.محصلة ما يجري هي أولاً المراوحة المعهودة، والأكثر رجحاناً أن يرافقها توتر وتجاذب سياسي بمنسوب مرتفع أكثر مما هو عليه اليوم مصحوباً بمظاهر احتجاجية ضاغطة من الأطراف المتنازعة. ثانياً، سيسعى الثنائي الشيعي إلى إسقاط الحكومة مع التمسك بتحييد رئيس الجمهورية، وربما تصل الأمور إلى حدود توترات أمنية في بعض المناطق لن تشكل خطرا على ما يوصف بالسلم الأهلي. وثالثاً، ستستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية فوق الأراضي اللبنانية بالوتيرة نفسها وقد تتصاعد أحيانا.

المحزن في الشأن اللبناني أن المخارج لن تأتي إلا من الخارج، وليس للبنانيين إلا الصبر بانتظار توافق أميركي-إيراني على تسوية ما لأدوار «حزب الله» وسلاحه في لبنان والمنطقة، من دون إسقاط احتمال حرب إسرائيلية جديدة، وفي الحالتين، التسوية الأميركية-الإيرانية و/أو الحرب الإسرائيلية، لن يعود لبنان الذي عرفناه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معادلة برّي تطبيع ما هو غير طبيعي معادلة برّي تطبيع ما هو غير طبيعي



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 07:55 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

إعادة فتح مطار بروكسل بعد توقف مؤقت نتيجة رصد طائرات مسيرة
المغرب اليوم - إعادة فتح مطار بروكسل بعد توقف مؤقت نتيجة رصد طائرات مسيرة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib