نصر أبوزيد من «المنفى» إلى الرحيل
إعصار كالمايجي يودي بحياة أكثر من 116 شخصا ويعد الأشد في الفلبين هذا العام زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب شمال جزيرة سولاويسي في إندونيسيا الخطوط الجوية التركية تعلن عن إستئناف رحلاتها المباشرة بين إسطنبول والسليمانية اعتباراً من 2 نوفمبر 2025 مفاوضات سرية تجرى بين إسرائيل وحركة حماس لتمرير ممر آمن لمقاتلي حماس مقابل جثة الجندي هدار غولدين وزارة الصحة الفلسطينية تعلن إرتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى 68875 شهيداً كتائب القسام تعلن العثور على جثة أسير إسرائيلي في الشجاعية وتتهم إسرائيل باستهداف مواقع استخراج الجثث بعد مراقبتها نتنياهو يهدد مقاتلي حماس في الأنفاق بين الاستسلام أو الموت وسط نقاشات إسرائيلية حول صفقات تبادل جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن اغتيال عنصر من قوات الرضوان التابعة لحزب الله انفجار ضخم جنوب قطاع غزة ناتج عن نسف مربعات سكنية بمدينة رفح غزة تتسلم 15 جثماناً فلسطينياً في إطار صفقة تبادل الجثامين
أخر الأخبار

نصر أبوزيد.. من «المنفى» إلى الرحيل

المغرب اليوم -

نصر أبوزيد من «المنفى» إلى الرحيل

خالد منتصر
بقلم - خالد منتصر

فى ذكراه الرابعة عشرة تذكرت مقالاً كنت قد كتبته له فى منفاه وقبل الوداع الأخير، مطالباً فيه الدولة آنذاك بأن تحمى وتستعيد نصر أبوزيد: ها هى غربة نصر أبوزيد تتحول إلى اغتراب، وحنينه إلى الوطن ينقلب غضباً، هذا هو ما أحسست به عندما قرأت حديثه الأخير الذى أدلى به إلى محمد الأتاسى فى دمشق، كنت أتمنى بدلاً من حديثه الرمضانى الموجع أن يأكل معنا الفول والمخلل فى الحسين، وأن نتسكع معه فى وسط البلد نخترق معاً حجب الضباب مع مطلع الفجر يدفئنا صوت محمد رفعت والنقشبندى، ونمارس النميمة على سكان كوكب المسلسلات التليفزيونية الرمضانية، ولكن أخرسنا صقيع هولندا وبرودة أطراف المحروسة!! هزتنى دموعه من الأعماق، وبكيت معه عندما انهمرت هذه الدموع كالفيضان واختنق د. نصر بالبكاء فى حفلة المطرب محمد منير التى قدمها أخيراً فى دمشق، سأله الأصدقاء عن سر بكائه فقال: «عندما شاهدت فيلم المصير وسمعت لأول مرة أغنية علّى صوتك بالغنا، وجدتها طريفة وضحكت، لكن عندما غناها منير هنا ولحظة قال لسه الأغانى ممكنة، انتفضت ولم أعد أستطيع التحكم فى دموعى، ورحت أسأل نفسى: أفعلاً هى ممكنة!! وعندما بكيت فى المغرب حين غنى الأصدقاء للشيخ إمام، وتوقفوا بعدها واعتذروا متخيلين أنهم جرحونى، قلت لهم: لماذا تتصورون أنه الألم؟ استمروا فى غنائكم، ودعونى فى دموعى، هى بمثابة غسيل لى».

لأول مرة أقرأ للدكتور نصر حديثاً عن الموت والفراق، تخيلناه نحن المثقفين القساة أحياناً الواصلين دوماً بعد فوات الأوان، تخيلناه منحوتاً من الجرانيت، شاهدناه وهو يحارب خفافيش الظلام فى الجامعة، ويصر على حقه فى الترقية ليس أملاً فى الدرجة العلمية لمواطن باحث عن مكان أكاديمى مرموق، ولكن أملاً فى الدرجة الحضارية لوطن يبحث عن مكان على خريطة المستقبل، حسبناه بخيالنا المريض رجلاً صلباً لا يبكى ما دام على هذه الدرجة العظيمة من القوة، لم نكن نعرف أنه عندما يذهب إلى غرفة نومه فى شقته المتواضعة فى مدينة 6 أكتوبر يجهش بالبكاء، وهو يدير شريط تسجيل حياته منذ أن خرج من قريته الواقعة فى حضن الدلتا عاملاً بسيطاً باحثاً عن العلم فى دروب وشوارع ومقاهى ومدرجات القاهرة، إلى أن طردته نفس هذه الدروب، ولفظته هذه الشوارع، وتمنعت عليه مدرجات جامعته لدرجة أن آخر رسالة دكتوراه اشترك فى مناقشتها تمت تحت حراسة الأمن المركزى!! كان يبكى وهو يحتضن يد زوجته ابتهال التى دس المجتمع أنفه بينهما يريد تفريقهما وكأن الحب والزواج شقة مفروشة يستطيع المجتمع المالك أن يطردك منها، أو رخصة مرور يسحبها منك عسكرى الدرك متى شاء وكيف شاء!!

بعد أن قتلوا الحب والحياة وخنقوا المعرفة والدهشة كان لا بد أن يتحدث نصر أبوزيد عن الموت وهو يبكى هناك على قبر نزار قبانى، الذى عاش مثله فى الغربة وعندما مات رفض المتطرفون الصلاة على جثمانه، قال خائفاً من نفس المصير: «تخيلت أن الأمر نفسه يحدث مع زوجتى إن هى قررت أخذ جثمانى إلى مصر، وعندما زرت قبر صلاح الدين لم أستطع أن أمنع نفسى من مقارنة تواضع قبر صلاح الدين بأبهة أضرحة القادة العرب، لا أنكر أنى فى الآونة الأخيرة رحت أتأمل فى مسألة الموت ومعنى القبر وقيمته، وتمنيت على زوجتى أن تدفننى حيث أموت، ولا تتجشم عناء نقل جثمانى إلى مصر، الأرض كلها أرض الله، ولا أريد لزوجتى إلى جانب الحزن الذى ستعيشه، أن يقول أحدهم كلمة أو يكتب مقالاً يجرحها ويزيد عناءها، وحتى إذا عدت إلى مصر ميتاً واحتفى بجثمانى فما معنى ذلك إذا كنت سأموت وحيداً بعيداً عن وطنى؟؟!!».

كم أنت قاسٍ أيها الوطن على أبنائك المخلصين، وكم أنت محق فى حزنك وغضبك يا دكتور نصر، فالوطن قد تركك تحارب الأفاعى والخفافيش وحدك، وبعض مدعى الثقافة عملوا كطابور خامس وباعوك عند أول منعطف، أما البسطاء الذين حاربت من أجلهم فقد تم تغييبهم فى عملية تخدير جماعى لكى تسهل قيادتهم، كل منهم درويش بدرجة مواطن، ينام على وسادته الفكرية المريحة التى صنعها له الأصوليون من ريش النعام، ولا يريد أن يستبدلها بوسادة العقل فهو مرادف القلق، وأعرف أنك مجروح من وطنك ولأول مرة تعلن ذلك ولك كل الحق عندما قلت «نعم أنا مجروح بمعنى الغضب، ولا أخجل من ذلك، فمن حقى أن أغضب، وأعتقد أن غضبى يحمينى أحياناً، أحب مصر إلى درجة أنى لا أريدها أن تكون مقبرة لى، مصر وطن حرمت العيش داخله فلماذا أدفن فيه؟ إذا كان وطنك لا يريدك حياً، يجب أن تحرمه منك ميتاً، أنا أميز بين مصر الناس ومصر المؤسسات، لكن مع ذلك هى علاقة غريبة جداً، أحياناً أفكر بمصر وكأنها أمى، لكنها أمى التى رفضتنى ونبذتنى، إلى درجة أنى قلت لها: يا مصر أنا كنت عايز أفتح طاقة نور وانتى مش عايزة فبخاطرك يا مصر، أنا بعيد عن المكان وليس عن الناس، أحمل حبى للمصريين وغضبى من مصر، والجامعة هى جرحى الذى لا يندمل».

انتهت إجابة نصر أبوزيد ولكن هل انتهت إجابة الوطن؟ أعتقد أنها قد بدأت، وعلى المسئولين أن يتحملوا مسئوليتهم ويقوموا بدورهم ويسعوا لعودته، وأعتقد أنه قد آن الأوان لعودة نصر أبوزيد لإثبات أننا ما زلنا مجتمعاً مدنياً متحضراً لم يعشش الفكر الإرهابى المتخلف فى نخاعه الشوكى بعد، وعلينا كمجتمع أن نثبت لأنفسنا قبل الآخرين أننا قوم نتحمل الخلاف ونعلى من قيم الحوار ونتسامح مع الفكر أياً كانت طبيعته ما دام ظل فكراً ولم يتحول إلى كلاشنكوف، فليس من المعقول أن يظل مفكر كبير فى قامة نصر أبوزيد مطارداً كل أمنيته كما قال فى الحديث «أن أزور قريتى وألتقى بإخوتى الذين لم تتح لى فرصة وداعهم»، هل من المعقول أن نتركه فى هذا اليأس المزمن بلا أى أمل كما يقول فى حديثه الموجع «يعنى إيه الأمل فى إنى أكسب المعركة، أنا النهارده داخل على الستين، وسأحال قريباً إلى التقاعد حسب قوانين الجامعة، يعنى خلاص ما فيش معركة، وعلى الأجيال الجديدة أن تخوض معركتها، الجامعة المصرية خربت بفعل عوامل الفساد المنتشرة فى المجتمع ككل، والفساد يسند بعضه بعضاً، وأنا لا أتوقع أن تقوم قائمة للجامعة المصرية فى المستقبل القريب، والمفروض أن تكون الجامعة هى رأس رمح التقدم فى أى مجتمع، الأمر أصبح عندنا مختلفاً، فى السابق لم يكفر طه حسين داخل الجامعة، أما أنا فقد تم تكفيرى فى الجامعة وحوكمت خارج الجامعة»، ومن تشخيص أوجاع الجامعة إلى تشخيص سرطان الوطن ككل، حيث قال «إنهاك مصر لم يكن لأسباب اقتصادية أو عسكرية، إنما حصل استنزاف للعقول خلال الحقبة النفطية والهيمنة الوهابية على المؤسسات الدينية، وإذا كان مفهوم النفط كبنية اقتصادية معناه أن تتحقق الثروة بدون عمل، أى أن الثروة موجودة تحت الأرض ولا يحتاج استخراجها إلى الحفر، فكذلك أصبحت المعرفة موجودة فى الماضى وهى لا تحتاج إلى إعمال العقل للوصول إليها، بل تحتاج فقط إلى نبش الماضى بحثاً عن حلول الحاضر».

هل نفيق قبل أن يداهمنا التصحر الحضارى؟ هل نستطيع الربط ما بين عودة نصر أبوزيد كرمز للتحضر وعودة الخضرة والخصوبة إلى براعم العقل المصرى الذى جف كالصبار؟ هل نستطيع دعوته لبلده وفتح أبواب العودة أمامه وكأننا نفتح نوافذ الأمل كى نستقبل نسمات العقل الناقد والفكر المستنير؟ إن الرجل قد بلغ حافة جبل اليأس ولم يعد أمامه إلا القفز كعباس بن فرناس، الذى حاول الطيران فى مجتمع لا يعرف إلا الزحف، إننا حين ننقذ نصر أبوزيد فإننا ننقذ أنفسنا، إن عودته هى حماية لنا قبل أن تكون حماية له، لا بد أن يعود ولتكن البداية دعوته لمناقشة رسالة علمية وسنحميه بأجسادنا حتى يعود هذا المفكر العظيم للحديث عن الحياة والمستقبل، فهل وصلت الرسالة أم أننا لم نعد نتقن حتى فن القراءة؟!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصر أبوزيد من «المنفى» إلى الرحيل نصر أبوزيد من «المنفى» إلى الرحيل



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:43 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي
المغرب اليوم - حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي

GMT 00:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا
المغرب اليوم - أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك
المغرب اليوم - راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك

GMT 23:49 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

"صراع" أندية إسبانية على نجم الرجاء السابق

GMT 06:52 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الفيضانات تجبر 2000 شخص على إخلاء منازلهم في الأرجنتين

GMT 22:06 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المكسرات تقلل خطر الموت المبكر من سرطان القولون

GMT 15:01 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

خط كهرباء يصعق 7 أفيال برية في غابة شرق الهند

GMT 01:47 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

5 صيحات جمالية عليك تجربتها من أسبوع نيويورك للموضة

GMT 13:04 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

أمير كرارة يعتزم تقديم جزء جديد من مسلسل "كلبش"

GMT 07:38 2018 السبت ,12 أيار / مايو

مجوهرات شانيل لإطلالة جذابة في ربيع 2018

GMT 05:18 2016 السبت ,29 تشرين الأول / أكتوبر

طرق تحسين إضاءة المنزل بعد انقضاء الشتاء وحلول الخريف

GMT 18:56 2013 الأربعاء ,20 شباط / فبراير

مطعم أردني يقدم الأكلات التراثية في جو عائلي حميم

GMT 09:23 2013 الجمعة ,15 شباط / فبراير

جسور لندن تأخذ المارة من الماضي إلى الحاضر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib