عيد ميلاد المكتئب العبقري
تصاعد التوتر بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية في دير الزور الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في غزة بنيران صديقة استشهاد الصحافي خالد المدهون برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيته للأحداث في منطقة زكيم شمال قطاع غزة تفاصيل جديدة حول حادث الاعتداء على البعثة المصرية في ولاية نيويورك سوريا تنفي شائعات إصابة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة بحالة تسمم بيني جانتس يقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة لبحث تحرير الأسرى وسن قانون التجنيد قبل انتخابات 2026 جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقــ.ـتل قائد فصيل بكتيبة شمشون في حادث جنوب قطاع غزة «حماس» تدعو لـ«شد الرحال» إلى «الأقصى» تزامناً مع دعوات المستوطنين لتكثيف اقتحامه وفيات وإصابات في حادث سير مأساوي بنيويورك بعد انقلاب حافلة سياحية على متنها حوالي 50 شخصًا وفاة 8 مواطنين في غزة خلال يوم واحد وارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 281 شهيداً بينهم114 طفلاً وسط استمرار الحصار الإسرائيلي
أخر الأخبار

عيد ميلاد المكتئب العبقري

المغرب اليوم -

عيد ميلاد المكتئب العبقري

خالد منتصر
بقلم : خالد منتصر

المشهد فى أتيليه القاهرة، ليل داخلى، صمت وحزن يخيمان على المكان بعد وفاة أمل دنقل، المخرجة عطيات الأبنودى تجهز لقطات كانت قد سجلتها مع «دنقل» فى الغرفة رقم 8 بمعهد الأورام، تسلل وجلس فى المقاعد الخلفية، وتعمد أن يدخل والقاعة مظلمة أثناء عرض اللقطات مرتدياً «كاسكيت»، عرفته رغم خفوت الإضاءة، أعرف بصمة روحه حتى ولو أخفى ملامح وجهه، أحفظ رشاقة تعبيره، ولا أحتاج إلى بدانة البدن لكى أتعرف عليه، إنه صلاح جاهين، الكتيبة العبقرية الموهوبة التى تتلبس جسد فرد واحد، هو مَن يستحق ألف بطاقة هوية، لأنه كطيف قوس قزح الملون، تحاول لمسه بعد زخات المطر فإذا به يراوغك لتقترب منه أكثر وأكثر.كانت هذه الجلسة قبل وفاته بثلاث سنوات تقريباً، كان «جاهين»، المولود فى ٢٥ ديسمبر ١٩٣٠، فى أقصى حالات الاكتئاب، انسحب قبل انتهاء خطب الرثاء، كان كمن يقول: «زهقت خطب.. كفاية.. اتخدعت والناس اتهمتنى إنى خدعتهم.. كنت مؤمن بالخطب لغاية ما اكتشفت إننا ماتجاوزناش مرحلة الخطب.. وإنى كنت باجرى ورا سراب، وباروج لوهم»، تطاول عليه أحد الحاضرين الشباب محملاً إياه نتيجة ما نحن فيه!!، دمعت عيناى وأنا لا أعرف هل أبكى على أمل دنقل الذى هزمه السرطان، أم أبكى على صلاح جاهين الذى قهره الاكتئاب؟!مثلما كان نموذج مريض الكبد الذى يحكيه لنا أساتذتنا فى كلية الطب هو عبدالحليم حافظ، كان نموذج الاكتئاب الذى يساعدنا على فهم المرض هو صلاح جاهين، كنت أحب الطب النفسى، وأحب «جاهين» أكثر، كنت أحفظ تشخيص حالته «اضطراب وجدانى ثنائى القطب»، اسم صعب، ووصف علمى جاف، ولافتة باردة لا تخبرنا نحن الطلبة عن العبقرية والانطلاق والتميز الذى يختزنه هذا المريض، حالات انبساط وموجات حزن، قطبان ما بين البهجة حتى شاطئ الرقص وتخوم التنطيط والانطلاق، والحزن حتى حافة الانتحار وهوة الوحدة والتشرنق على الذات، كنا نعرف رفاقه من المبدعين فى رحلة الاكتئاب، كنا نعرف من الساسة «تشرشل»، الذى أطلق على المرض اسم الكلب الأسود، وأبراهام لينكولن وروزفلت، كنا نعرف من الفنانين والمبدعين عدداً لا يحصى، منهم: كافكا وكيتس وجوته وفان جوخ وإزرا باوند وهيمنجواى وفيرجينياوولف وشومان ومى زيادة وصلاح عبدالصبور وتشايكوفسكى وألبير كامى ومارلين مونرو، كنا نعرف أن الاكتئاب ليس وليد اليوم، فقد ورد فى العهد القديم قصة شاؤول الذى أصابته الأرواح الشريرة بحالة اكتئاب عقلى دفعته إلى الانتحار، ومن يقرأ مسرحية هاملت لشكسبير يقرأ وصف والد أوفيليا لهاملت عندما صدته ابنته التى كان يهيم بها البطل الدنماركى، يقول شكسبير: «فلما صدته عن نفسها، أصابه الأسى، ثم امتنع عن الأكل، ثم حرم النوم، ثم أصيب بالضعف، ثم ابتلى بالخفة، وبهذا التردى والهبوط بلغ درك الجنون الذى يهذى الآن فيه ويبكينا جميعاً عليه»، ونحن دائماً نبكى على عباقرة الاكتئاب بعد فوات الأوان.عندما أعلنت وفاة صلاح جاهين فى ربيع ١٩٨٦ تخيلناها كذبة أبريل، كما تخيل هو فى 1967 أن الهزيمة كذبة يونيو!، سحقت الهزيمة روحه وأكملت دائرة اكتئابه وأغلقت طوق الحلقة الجهنمية على عنقه، فالكثير من المثقفين علّق عار الهزيمة على عنق «جاهين»، واتهمه بأنه شارك فى صنع الوهم وتخدير الناس، اتهم «جاهين» بأنه دشن عقلية الديكتاتور عندما قال: «قول ما بدالك إحنا رجالك ودراعك اليمين»!، اتهم أيضاً بأنه سخّر موهبته لتجميل حلم قبيح يختبئ وراء قناع ذميم بزعمه أن تماثيل الرخام ستنتشر على ضفاف الترع المصرية المشبعة بقواقع البلهارسيا!.ذنب «جاهين» أنه آمن بالحلم وصدّقه وروّج له وحكاه وصاغه فناً وشعراً، كان الحلم جميلاً والأمل رحباً، وبقدر حجم الحلم والأمل جاء حجم الصدمة، كان «جاهين» خارجاً لتوه من اكتئاب فقدانه لنصف وزنه فى موسكو، اعتبر أنه قد فقد شقيقه التوأم، وبعد الهزيمة فقد نصف روحه فى القاهرة؛ حيث وصلته أنباء تدمير جميع طائراتنا وهى ما زالت رابضة على الأرض، وانسحاب جنودنا حفاة من سيناء يخنقهم ملح الدمع ودم الجرح الطازج النازف ألماً ومهانة، تضخم مارد الاكتئاب اللعين، وتضخم أكثر عندما قرأ وسمع تلامذته وزملاءه ينتقدونه بقسوة، وعندما حاول أن يستعيد توازنه وينتج أفلاماً استعراضية مبهجة لأن راداره الحساس كان يقرأ النبوءة كزرقاء اليمامة، ويعرف أن رعباً أكبر من هذا سوف يجىء!، رعب التطرف، تنبأ من خلال فيلم «خلّى بالك من زوزو» بسيطرة خفافيش الظلام على الجامعة، من الممكن أن تكون قد خانته صياغة بعض تفاصيل الفيلم الأخرى، ولكنها أخطاء من يحرث أرضاً جديدة ويخوض فى أحراش مجهولة مليئة بحقول الألغام.اتهمه نجم النقد السينمائى آنذاك سامى السلامونى بأنه ضحى بكل شىء من أجل الفلوس، خاصة أن «جاهين» كان منتج الفيلم، كان «السلامونى» أكثر النقاد شعبية بين القراء وأعذبهم أسلوباً بسخريته المريرة ولقطاته الذكية، وأنقل لكم اقتباسات مما كتبه «السلامونى» عن «جاهين» فى نهاية 1972 بمجلة الإذاعة والتليفزيون لرصد مسافة الجفوة بين التلاميذ والأستاذ، كتب قائلاً: «الفيلم يتناقض تماماً مع ماضى صلاح جاهين، بل يتناقض مع الكاريكاتير الذى يرسمه، بحيث يمكن أن نظن أن الذى يرسم والذى ينتج شخصان مختلفان»، ويضيف: «سخرية من كل شىء وتشويه لكل شىء وبيع للرقص والإثارة وعالم الكباريه، ثم بيع للقيم والمقدسات وأحلام المستقبل، هذه هى الإضافة الجديدة التى يقدمها فنان العشرين سنة الماضية الذى تحول إلى منتج»!.موهبة صلاح جاهين الجامحة، وجنونه الفنى، وبراءته الإنسانية، فيضان تعدى حواجز وسدود السماح والتسامح المصرى مع خيال الفنان، شاعر ورسام وسيناريست وممثل وكاتب أغانٍ ورئيس تحرير ومكتئب أعظم ومبدع عبقرى، كوكتيل إنسانى موهوب ومعطاء لم يحتفظ بالمسافة المناسبة بينه وبين السلطة فاحترق بنارها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد ميلاد المكتئب العبقري عيد ميلاد المكتئب العبقري



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

ميريام فارس بإطلالة جريئة وتصاميم بيار خوري تبرز اختلاف الأسلوب بينها وبين ياسمين صبري

بيروت - المغرب اليوم

GMT 21:17 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 10:56 2021 السبت ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حكيم زياش يواصل الغياب عن التشكيلة الأساسية لتشيلسي

GMT 07:33 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

فيورنتينا يفسد فرحة فيرونا في الدوري الإيطالي

GMT 11:56 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

"التقدم والاشتراكية" يعلّق على أغنية "عاش الشعب"

GMT 14:18 2019 الأحد ,28 تموز / يوليو

الكاف تسحب غدا قرعة تصفيات مونديال 2022

GMT 19:09 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

"اليويفا" يعاقب دينامو زغرب وتشيلسي

GMT 17:42 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

شروط تأسيس الشركة الرياضية في المغرب

GMT 02:08 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

أستاذة جامعية كويتية تطلب اللجوء إلى أميركا

GMT 16:17 2018 الأحد ,09 كانون الأول / ديسمبر

السعودية تعلن وفاة الأميرة الجوهرة بنت فيصل آل سعود

GMT 13:36 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

العناية بمشرحة مستشفى الحسن الثاني بعد قضية تعفن الجثث

GMT 14:41 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتا كلوب يوجه رسالة إلى جماهيره قبل مواجهة الرجاء

GMT 13:36 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

عليكِ بـ"الزجاج المعشق" لإضفاء النور داخل منزلك

GMT 04:04 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر معالم السياحة في مدينة لوكا الإيطالية

GMT 15:51 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عمر بوطيب يقترب من الانتقال إلى الدوري الفرنسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib