الشيخ والفيلسوف

الشيخ والفيلسوف

المغرب اليوم -

الشيخ والفيلسوف

خالد منتصر
بقلم - خالد منتصر

يقع كتاب تنويريون كثيرون فى فخ الأكاديمية المفرطة، والمصطلحات المعقدة، وعدم الاهتمام برجل الشارع كمستقبل لهذا الخطاب التنويرى، وعدم مراعاة اختلاف ذوق الشباب المعاصر، الذى يستلزم بالضرورة تغيير لغة وأسلوب الخطاب التنويرى، وقليل جداً من كتب تلك النوعية استطاع حل تلك المعادلة الصعبة، ووصل إلى شفرة البساطة والعمق فى نفس الوقت، وكتابنا اليوم ينتمى إلى تلك النوعية.

الشيخ والفيلسوف للكاتب والصحفى والمثقف الكبير شريف الشوباشى، عنوان جذاب ومباشر وواضح، إنه لقاء بين متناقضين، اللقاء عبارة عن مناظرة فكرية ساخنة على طريقة برامج «الكروس فاير» التى لها جماهيرية كبيرة، لكنها ليست فى استوديو تليفزيونى ولكن فى مسجد.

وبرغم أننى لا أثق فى فاعلية مناظرات الاستوديوهات فى الواقع لأسباب كثيرة، لكن مناظرة الخيال التى فى هذا الكتاب استطاعت التخلص من عيوب وخطايا وجرائم المناظرات العربية سواء الدينية أو السياسية، والسر فى نجاح هذه المغامرة يعود للمؤلف الذى جمع بين الثقافة الغربية الفرنسية من خلال التعليم والسفر والاحتكاك بأوروبا من خلال عاصمة النور باريس.

وبين الثقافة التراثية الإسلامية من خلال مكتبة الأب والعائلة التى لها باع فى مجال الثقافة والإبداع نرجو أن يتسع المجال لذكره فى مقال منفصل، نجح فى الاحتفاظ بتلك الشعرة الرفيعة والميزان الحساس، واستطاع ألا ينحاز لطرف على آخر، ولم يرسم صورة الشيخ فرج بطريقة هزلية، بل أتى على لسانه بحجج قوية ومربكة للطرف الآخر، لذلك جاءت قوة رد د. بسيونى أستاذ الفلسفة واكتسبت مصداقيتها وإفحامها من قوة حجج الشيخ، وهنا قدرة الكاتب على الحكى والإمساك بتلابيب القارئ، وجذبه بلغة بسيطة وسهلة، لكنه يفعل كل هذا بدون أن يخون رؤيته التنويرية المتماسكة، ومشروعه الفكرى المتمرد على السائد، والثائر على الرجعى والظلامى.

البداية مع مصطفى طالب كلية الآداب قسم فلسفة الفرقة الأولى، يخطو خطواته الأولى فى هذا القسم الغامض السحرى الذى دخله عن حب، مع محاضرة د. بسيونى تبدأ الصدمة والخروج من قالب المدرسة الجبس إلى عالم الجامعة البراح، بسيونى لم يكن يدرس للطلبة تاريخ الفلسفة وكأنه يسمع دليل التليفون، ولكنه كان يستفز عقولهم بالأسئلة، هددهم «اللى حيقول عن رأى فلسفى حرام أو إنه ضد الدين حاطرده من المحاضرة»!!

أخبرهم بكل تواضع أنه لا يعرف كل حاجة، هز لديهم صنم اليقين، فى ظل حيرة مصطفى وصدمته وبحثه عن الحقيقة توجه إلى الجامع وسأل شيخه فرج الذى اعترض على أسلوب أستاذ الفلسفة، وبين هذين الطرفين المشدودين قرر دعوتهما للمناظرة، كان سؤال ما هى الفلسفة هو المفتاح، بدأ يدرك أن التعريفات الصارمة الجامعة المانعة لا وجود لها فى الفلسفة، وأن بداية حب الحكمة والتفكير العقلى والفلسفى المنظم بدأ مع طاليس حين استطاع التنبؤ بالكسوف، بدأ البشر بسبب الفلسفة ينزعون عن الظواهر الطبيعية صفة النزوات الإلهية، الفيلسوف يبحث عن الحقيقة، رجل الدين وجد الحقيقة!!

فرق بين من يستخدم الحجة والمنطق والبرهان ومن يستخدم الخوف والترهيب والرعب. أكد د. بسيونى على أنه لا وجود لما يسمى خاتم الفلاسفة، وأكد الشيخ على أن القانون الإلهى لا قانون فوقه.

المناظرة ناقشت هل الخوف من الموت هو صانع الأديان؟

استخدم الشيخ كل الأسلحة التقليدية ومعاول هدم العلمانية، ودخل عن طريق الجنس والعلاقات المفتوحة والمثلية فى الغرب، رد عليه أستاذ الفلسفة وكأنه يقدم درساً خصوصياً للشباب المستلب المغيب ليعلمهم كيفية الرد على تلك الأسطوانة المشروخة.

ارتفعت حدة المناقشة عندما اتهم أستاذ الفلسفة مؤمنى الخوف والطمع، الخوف من جهنم والطمع فى الحور العين، ليمتد الحديث بعدها عن معنى الفعل الأخلاقى، وهل من الممكن وجود أخلاق بدون احتياج للدين؟.

هل الفضيلة والرذيلة هى الحكم والمعيار أم الحلال والحرام؟

أهم منعطف كان استعراض تاريخ تجريم السؤال، والعنف ضد إتاحة التعاطى مع الدين للناس وللشارع وللبشر العاديين، ولماذا كان رجال الدين فى منتهى العنف ضد تلك الخطوة؟

ما هى العلمانية؟ سؤال أشعل المناظرة، واشتعلت أكثر عندما اتهم أستاذ الفلسفة الفكر الدينى بالإقصاء والتفرقة.

لم يهادن أستاذ الفلسفة عندما طرح سؤال هل من الممكن التوفيق بين الدين والفلسفة؟، أجاب بحسم: لا.

انتهت المناظرة، لكن هل انتهت حيرة مصطفى؟ والتى هى حيرة ٩٩٪ منكم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشيخ والفيلسوف الشيخ والفيلسوف



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib