تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة
تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة يرفع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 69 ألفًا وتصعيد ميداني في القدس والضفة الغربية زلزال بقوة 5.3 ريختر يهز غرب قبرص دون تسجيل خسائر بشرية إردوغان يعلن بدء التحقيق في سبب تحطم الطائرة على الحدود الأذربيجانية الجورجية رئيس الأركان الإسرائيلي يتعهد بمحاسبة المستوطنين المعتدين في الضفة الأمير فيصل بن فرحان يصل كندا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع لبحث القضايا الدولية محكمة الغابون تحكم بالسجن 20 عاما غيابيا على زوجة وابن الرئيس السابق علي بونغو بتهم الفساد مصرع 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً في غرق قارب قبالة سواحل ليبيا كوريا الجنوبية تصدر حكمًا عاجلًا ببراءة أوه يونج سو بطل Squid Game من تهمة التحرش الجنسي وإلغاء أي محاولات استئناف أو اعتراض على الحكم الإعصار فونج وونج يجبر تايوان على إجلاء أكثر من 3 آلاف شخص ويتسبب بمقتل 18 في الفلبين وتدمير آلاف المنازل زلزال بقوة 5,1 ريختر يضرب منطقة شمال شرق مدينة توال بجزيرة بابوا إندونيسيا على عمق 10 كلم
أخر الأخبار

تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة

المغرب اليوم -

تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

 

توظف الرسامة اللبنانية تغريد دارغوث فكرة البطاقات البريدية، التي تحتفي بجماليات الطبيعة والمواقع الأثرية الشهيرة والملامح المندثرة من حيز لبنان المديني، مدخلاً لاستكشاف تصورات اللبنانيين عن ذاتهم الجمعية.

لا يُختلف على الدور الذي تلعبه النوستالجيا في حياة العديد من اللبنانيين، وسيلةً للدفاع عن الذات المهددة. هذا ما تلاحظه دارغوث في هوسهم بماضيهم، في ظل التآكل المستمر للهوية اللبنانية الجامعة. تنبهنا إلى أن الحنين لصور ورموز بعينها هو حالة إنكار جماعية للواقع. مسكنات سيكولوجية أكثر منها عناصر تجسد إرثاً مشتركاً.

لذلك لا تكتفي دارغوث في لوحاتها بنقد تسليع النوستالجيا، من خلال تقديم الأرزة والصخرة والبحر والمعبد وجبران خليل جبران، كـ«كيتش» غارق في الجمالية السطحية والمبالغات العاطفية الخالية من أي قيمة فنية حقيقية. بل تفرض علينا في معرضها الأخير، في صالة صالح بركات في بيروت، امتحان الموازنة بين هذا الإرث الثقافي، والحاجة إلى تجاوزه. من هنا إصرارها أن ترفع صور الكارثة النازلة باللبنانيين وتعلقها جنباً إلى جنب مع صور لبنان المتخيل أو الآفل. لوحات قاسية عن صوامع القمح المترنحة بعد انفجار بيروت عام 2020، أو الطائرات المحطمة والسفن الجانحة، التي تحمل جميعها كنايات عن ترنح وتحطم وغرق البلد برمته.

تصرخ لوحات دارغوث في وجوهنا أن الملمح الأكثر ألفة للبنان في لحظتنا المعاصرة هو ملمح الكارثة الأسطورية التي حلت به، على مراحل عدة، لا رومانسية الماضي المندثر ورموزه البسيطة، التي يراد لها أن تخفي المآسي العميقة في التاريخ الحديث للبلد.

من خلال التجاور المتوتر بين لبنان الكارثة ولبنان النوستالجيا، تدعونا لوحاتها للاعتراف بما آلت إليه الهوية اللبنانية من «فيتشية» (Fetishism) صارخة، أي التعلق الهوسي، بفتات الهوية، وجعل الفتات يقوم مقام الهوية كلها، أكان هذا الفتات صخرةً أو شجرةً أو بحراً.

تجعل دارغوث من أرزاتها صوراً معزولة ومكررة، في مسعى لتجريدها من عظمتها الرومانسية وكشف هشاشتها. تظهر الأشجار في لوحاتها وكأنها متجمدة في الزمن، ومجردة من عمقها الثقافي الأصلي. ترسم لتفضح التسليع النوستالجي، والذاكرة الانتقائية، التي تكتفي بسردية اختزالية للهوية الوطنية تعج بالرموز والتبسيط الاستهلاكي والإفراط الاستعراضي، في ظل الانهيار الحاصل واضطراب معنى أن تكون لبنانياً اليوم.

تشاء الصدف أن يتزامن معرض تغريد دارغوث مع الإعلان عن توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فسلامة ظل لفترة طويلة خلت يمثل إحدى بطاقات لبنان البريدية الحية التي تحتفي «بعبقرية» الرأسمالية المصرفية، المنتهية إلى أكبر عملية سطو على مدخرات المودعين. كما الحال في تصوير دارغوث للهوية الوطنية المجوفة، ينطوي اعتقال سلامة أيضاً على تجويف موازٍ لفكرة المحاسبة والعدالة. يصعب الاقتناع بأن توقيفه يمثل تحولاً حقيقياً نحو العدالة، بقدر ما يمكن وصفه بتسليع الإصلاح لإنتاج عدالة استعراضية تبقي الخلل الأساسي من دون مساس.

في مواجهة هذا الاكتفاء بالرمزيات والكنايات والاستعراض، تقتحم لوحات دارغوث الذاكرة اللبنانية المعقمة والمختزلة، كما تصورها البطاقات البريدية. من خلال لوحاتها تعيد الاعتبار للمأساة على نحو يسمح لها بتقديم النوستالجيا اللبنانية خلفيةً للصراعات والأوجاع التي تشكل جزءاً أساسياً من تاريخ لبنان، لا كحاجب لها.

ينطوي معرض تغريد دارغوث على رعب فسيح، من احتمال «تسليع الألم» نفسه وتحويل معاناة اللبنانيين، كما تاريخهم، إلى سلعة ثقافية عاطفية قابلة للاستهلاك. تستبق لوحاتها صيرورات معقدة لتنبهنا إلى احتمال أن يتحول الألم إلى «بطاقة بريدية» مرئية تُفصل عن سياقها الأصلي.

يندرج النقد الذي تقدمه تغريد دارغوث للبنان النوستالجي ضمن إرث طويل لليسار اللبناني عمل على تفكيك السرديات الريفية التي روجت للنقاء وبساطة العيش. لكن الفنانة اللبنانية تحاذر أن تقترح سردية بديلة، لطالما استسهلها اليسار، عبر دعوات لتبني الدولة المدنية أو نقد الإمبريالية والطائفية السياسية. على العكس من ذلك تأتي خلاصات دارغوث أقل يقينية وأكثر غموضاً.

صحيح أنها نظرت دوماً إلى السياسة من خلال عدسة يسارية عالمية، وتناولت في أعمالها السابقة مواضيع مثل الإمبريالية الأميركية، والتدمير النووي الوشيك، واستخدام الجماجم رموزاً قاسيةً لعواقب السياسات الأميركية. كما تناولت معاناة فلسطين من خلال توظيف شجرة الزيتون رمزاً لمقاومة الكولونيالية الإسرائيلية، ما جعل النضال الفلسطيني جزءاً لا يتجزأ من فنها. وحتى حين أعملت ريشتها في نقد شيوع عمليات التجميل، جعلت ذلك جزءاً من مقاومتها لإمبريالية رأسمالية تحاول فرض معايير صارمة للجمال والجسد تنطوي على منطق استهلاكي واستعراضي لاغٍ للخصوصيات والفرادة.

بيد أنها في معرضها الأخير، تغوص دارغوث أكثر في أسئلة هويتها الوطنية، مثلها مثل مواطنيها بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020 الذي دمر أجزاء كبيرة من مدينتهم وزعزع الكثير من مرتكزات استقرار هويتهم. وأحسب أن هذا التحول من توظيف منظور عالمي واسع في أعمالها إلى التأمل في شأن وطني وشديد الشخصية يمثل لحظة فارقة في مسيرتها. فهو لا يعكس فقط تطوراً في نهجها الفني، بل أيضاً تعمقاً في تعاملها الفكري مع مسألة الهوية وكيفية تركيبها وتفكيكها وإعادة بنائها.

ولعلها عبر شمول تمثال المغترب اللبناني في لائحة الرموز التي اشتغلت عليها، وإنجاز رسوماتها عنه على أقمشة أكياس الرمل المكنية عن الحرب وأزمنتها، تفتح دارغوث باب التساؤل حول مصير الهوية اللبنانية المتشظية. كأنها تحثنا على تأطير رواية الاغتراب اللبناني في إطارها الحقيقي، أي، لا في كونها مادة للاحتفاء، بل في كونها في العمق، إعلاناً عنه انضمام اللبنانيين إلى موجات النازحين الذين تقذفهم المجتمعات المنهارة، والذين إذ يرحلون يحملون معهم صورة أوطان رحلت قبلهم ولن يعودوا إليها.

يجدر الاعتراف ختاماً بأن من أوجه القصور المتأصلة في النقد الفني هو محدودية التأويل ذاته. فالفن غالباً ما يتجاوز الكتابة النقدية التي بحكم طبيعتها تخاطر بتبسيط تعقيداته، وحجب تعددية المعاني الكامنة فيه. وبهذا المعنى، ينطوي التأويل، رغم ضرورته للحوار، على تناقض فاضح، إذا غالباً ما ينتهي إلى الحد من الأفق الذي يطمح إلى توسعته، وهو ما يقتضي الاعتذار من تغريد وصالح ومغامرتهما الجديدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - انقسامات الديمقراطيين تتضح بعد التصويت لإنهاء الإغلاق الحكومي

GMT 18:13 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان لم يتلق رداً إسرائيلياً على التفاوض
المغرب اليوم - لبنان لم يتلق رداً إسرائيلياً على التفاوض

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 07:49 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 14:51 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

صلاة التراويح في رمضان في المنازل في المغرب

GMT 02:52 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

ابنة أصالة تُعطي دروسًا للفتيات لوضع المكياج

GMT 06:34 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

أودي تكشف عن سياراتها 2.0Q2 TFSIبخدمات مميزة

GMT 03:34 2016 الثلاثاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يجدون نوعين من المخلوقات الغريبة التي تشبه الزواحف

GMT 09:28 2023 الإثنين ,31 تموز / يوليو

أداء الأسبوع يرتفع في بورصة البيضاء

GMT 06:57 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مكاسب أسبوعية لأسعار النفط في الأسواق العالمية

GMT 05:08 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مجمعات تكنوبارك تتوسع غي المغرب و تشمل ثلاث مدن جديدة

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة جديدة تساعد في التنبؤ بنتائج فيروس "كورونا" تعرف عليها

GMT 00:15 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

احتفال السفارة المغربية في هولندا بذكرى المسيرة الخضراء

GMT 17:28 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تؤثر أسعار الفائدة على تداول العملات في سوق فوركس

GMT 22:44 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

هشام الجخ يتحدث عن نشأته في برنامج "يسعد مساكم"

GMT 09:40 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

مضيان يتوقع فوز حزب الاستقلال بانتخابات 2021
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib