زواج مصلحة بين تل أبيب وطهران

زواج مصلحة بين تل أبيب وطهران

المغرب اليوم -

زواج مصلحة بين تل أبيب وطهران

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

تتفق إسرائيل وإيران على تدمير المشروع الوطني الفلسطيني من بوابة غزة، وتختلفان على كل ما عدا ذلك.

تسعى إسرائيل، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، إلى سحق احتمالات قيام دولة فلسطينية موحدة، في حين تهدف إيران إلى تبديد أي أمل في السلام في المنطقة، لا سيما سعي المملكة العربية السعودية لاستعادة مسار السلام الشامل الضامن لحقوق الفلسطينيين.

اليمين الإسرائيلي المتطرف لم يُخفِ سعيه الدائم لتغذية الانقسام بين غزة والضفة. وإيران تعارض علناً مسارات السلام العربي - الإسرائيلي الذي بدأت حلقاته الخليجية في السنوات الأخيرة تُشعرها بأن زلزالاً سياسياً يتهيأ في المنطقة.

تريد إيران ما يكفي من الدماء في غزة لتستكمل اختطاف الرأي العام العربي، لا سيما في البيئات التي ترى طهران أن العداء لإسرائيل خرج من وعيها. وتريد ترميم صورتها في مواجهة إسرائيل بعد سيل الإهانات التي تلقتها من حكومات بنيامين نتنياهو على شكل اغتيالات وعمليات أمنية معقدة داخل طهران. تريد إسرائيل، من جهتها، ما يكفي من الدماء في غزة لإعادة تأسيس الردع والرعب بعد أقوى صفعة يتلقاها الكيان في صميم وجدانه ووعيه. لم يُقتل هذا العدد من المدنيين الإسرائيليين في يوم واحد منذ الهولوكوست، وهذا ما يفسر حجم التوحش في الرد على القطاع.

فهل من منسوب دموي مشترك في غزة يكفي لتحقيق هدفَي كلٍّ من إسرائيل وإيران، أم أن أخطاء الحسابات ستقود إلى حرب شاملة؟

منذ بداية الحرب تصرفت إيران على أنها معنية بكل تفاصيل ما يجري. ظهر ذلك جلياً في الدور الذي يلعبه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عبر زياراته المكوكية وتصريحاته السياسية التي تبدو كأنها صادرة عن «مدير الحرب» لا عن دبلوماسي إقليمي معنيّ بنزاع يحصل ضمن المدى الاستراتيجي لبلاده. تصرف على قاعدة أنه هو من يحدد أفقها وسرديتها وشروطها، حتى خلافاً لحكومات العواصم التي يتحدث منها، كما حصل في بيروت!

وبخصوص توسع الحرب، بعثت إيران برسائل متناقضة. قال عبداللهيان إن أيدي ميليشيات المحور كلها على الزناد وإن الغزو البرّي سيقود إلى فتح جبهات أخرى ضمن استراتيجية توحيد الجبهات. أما ممثل إيران في الأمم المتحدة فقال إن بلاده لن تدخل الحرب ما لم تتعرض مصالح إيران المباشرة للاعتداء.

على الجانب الآخر، تبدو إسرائيل غير معنية حتى الآن بأكثر من معالجة ملف غزة معالجةً جذريةً من دون الذهاب باتجاه معالجة الأسباب الأصلية للحروب المتكررة، أكان ذلك يعني عملية سياسية سليمة تعطي الفلسطينيين حقوقهم أو توجيه ضربة لإيران تُفهمها أن الرد على أذرع الأخطبوط هي ضرب رأسه.

مع ذلك لا يمكن لأحد أن يضمن عدم انزلاق الأمور نحو حرب أوسع حتى وإن كانت الأطراف تسعى لتجنبها.

ماذا بخصوص التسوية السياسية؟

جدلية العلاقة بين الحرب والسلم تجلت مراراً وتكراراً طوال التاريخ البشري المديد. من الحرب البيلوبونيسية بين أثينا وإسبرطة قبل الميلاد، إلى الحربين العالميتين في القرن العشرين، مروراً بحرب 1973، ووصولاً إلى حرب الخليج الثانية وغيرها وبينها الكثير، كانت الحروب الكبرى مقدمات لفترات من الاستقرار والسلام. فالحروب محفز مهم للابتكار في ترتيب آليات الحكم، والدبلوماسية، والقانون الدولي.

نشوة «الانتصار» الأولى يومَي السبت والأحد، 7 و8 من الشهر الجاري، سرعان ما أفسحت المجال لكل هذا الرعب الذي نتابعه على الشاشات. ظهر جلياً أن الحرب لا يمكن أن تكون خطوة فلسطينية في الاتجاه الصحيح، أياً تكن حاجتهم لما يرمِّم الكرامة الوطنية. أما على الجانب الإسرائيلي، فلا أفق سياسياً لاستراتيجية الانتقام الراهنة. والحال تصير القوة العسكرية العارية سبباً لدوام الصراع ودورات العنف. من حيث لا تريد إسرائيل سينتج عبر حرب غزة جيل جديد من المتطرفين الفلسطينيين ممن لم يكن تحولهم في هذا الاتجاه مسألة حتمية قبل الحرب، دعْكَ من نزيف النخب المؤيِّدة لفكرة السلام. كما أن الافتراضات التي مزّقتها الحرب، حول أمن إسرائيل وكفاءة جيشها ومخابراتها، ستؤدي إلى تفاقم التوترات الداخلية بعد فترة توحُّد وجيزة بين الإسرائيليين بفعل المأساة التي صنعها لهم هجوم «حماس». وعليه، وفي غياب أفق سياسي للقوة العسكرية، من المرجح أن تقوّض القسوة المسلحة الأهداف ذاتها التي سعى العمل العسكري إلى تحقيقها، عدا عن تقويض السمعة الأخلاقية لإسرائيل، بين العواصم التي أيّدت حقها في الدفاع عن نفسها.

إن كان من حسنة لهذا الانفجار الدموي، فهي أنه أنهى البنى المتطرفة على جانبي الحرب أو مهّد الطريق لذلك. «حماس» انتهت سياسياً ولا يمكن أن يُقبل بها طرفاً في أي معادلة سياسية مقبلة بعد أن ارتكبت كماً من الجرائم غير المبررة وبطريقة ألصقت بها صفة «داعش» بما هي، في ذهن الغرب، كنايةً عن الإجرام الصافي.

ونتنياهو انتهى، مع سقوط كل الأساطير الأمنية التي أسَّس لها في وعي الإسرائيليين. أضف إلى ذلك أن عتاة قادة إسرائيل ممن سبقوه لم ينجوا من مقصلة المحاسبة بعد الحروب. انتهت غولدا مائير سياسياً بعد حرب 1973، ومناحم بيغن بعد اجتياح بيروت 1982، وإسحاق شامير بعد الانتفاضة الأولى نهاية الثمانينات، وإيهود أولمرت بعد حرب يوليو (تموز) 2006.

كما أن التيار الديني المتطرف ممثلاً في كلٍّ من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بدا خارج المشهد تماماً، ومعرَّضاً لأن يتحمل مسؤولية تهيئة الأرضية لانفجار الأوضاع بسبب سياسات الاستفزاز وأدلجة الصراع.

ثمة فرصة لأن تنتهي الحرب بخسارة معسكر التطرف في الجهتين، وأن يقود ذلك إلى إحياء وتعزيز معسكر السلام في إسرائيل وفي العالم العربي في مواجهة الأفق المدمر الذي يقودنا إليه زواج المصلحة بين تل أبيب وطهران.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زواج مصلحة بين تل أبيب وطهران زواج مصلحة بين تل أبيب وطهران



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - انقسامات الديمقراطيين تتضح بعد التصويت لإنهاء الإغلاق الحكومي

GMT 19:59 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

طالبان تبرر فشل المفاوضات مع باكستان بفتوى دينية
المغرب اليوم - طالبان تبرر فشل المفاوضات مع باكستان بفتوى دينية

GMT 19:10 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى
المغرب اليوم - دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى

GMT 19:30 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها "ورد وشوكولاتة"
المغرب اليوم - الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 07:49 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 14:51 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

صلاة التراويح في رمضان في المنازل في المغرب

GMT 02:52 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

ابنة أصالة تُعطي دروسًا للفتيات لوضع المكياج

GMT 06:34 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

أودي تكشف عن سياراتها 2.0Q2 TFSIبخدمات مميزة

GMT 03:34 2016 الثلاثاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يجدون نوعين من المخلوقات الغريبة التي تشبه الزواحف

GMT 09:28 2023 الإثنين ,31 تموز / يوليو

أداء الأسبوع يرتفع في بورصة البيضاء

GMT 06:57 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مكاسب أسبوعية لأسعار النفط في الأسواق العالمية

GMT 05:08 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مجمعات تكنوبارك تتوسع غي المغرب و تشمل ثلاث مدن جديدة

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة جديدة تساعد في التنبؤ بنتائج فيروس "كورونا" تعرف عليها

GMT 00:15 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

احتفال السفارة المغربية في هولندا بذكرى المسيرة الخضراء

GMT 17:28 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تؤثر أسعار الفائدة على تداول العملات في سوق فوركس

GMT 22:44 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

هشام الجخ يتحدث عن نشأته في برنامج "يسعد مساكم"

GMT 09:40 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

مضيان يتوقع فوز حزب الاستقلال بانتخابات 2021
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib