خروج الحريري عودته إلى السياسة

خروج الحريري... عودته إلى السياسة

المغرب اليوم -

خروج الحريري عودته إلى السياسة

نديم قطيش
نديم قطيش

هل يخرج رئيس الحكومة السابق وزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري من الحياة السياسية؟

يشغل هذا السؤال الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية منذ أسابيع، إذ إن ثبوت هذا الخبر يعد التحول السياسي الأبرز في تاريخ الجمهورية الثانية التي ارتبط اسمها باسم مدينة الطائف السعودية.

فرغم كل الأزمات التي عصفت بالحريري كشخص، وبالحريرية كاقتراح سياسي رسم جزءاً من تاريخ لبنان المعاصر، فإن الحريري والحريرية لا يزالان ضمن المعادلات السياسية الرئيسية، التي تُبنى الكثير من الحسابات في ضوء استمراريتها أو إعلان نهايتها.

ليس من باب نظريات المؤامرة اعتقاد البعض أن الحريري يناور ليصيب عصفورين بحجر واحد. أولاً أن يستدرج آفاقاً مالية لتمويل معركته الانتخابية، وثانياً أن يستثمر في حالة القلق المرافقة للأنباء عن نيته الاعتزال، بغية بث الرسائل لمن يلزم، حول مركزيته في حياة لبنان واللبنانيين.

بيد أن ما أظنه أقرب إلى الواقع أن الحريري في وارد العزوف، وربما الخروج النهائي من الحياة السياسية وهو يمتلك لأجل ذلك الكثير من الأسباب الموجبة. سأترك جانباً بعض «وشوشات الصغار»، ممن سيرون في السطور التالية «حثاً خبيثاً» للحريري على خطوة العزوف، التي أعلم أنه يدرسها بعناية، وأنه بات أقرب مما يتصور كثيرون إلى لحظة القرار بشأنها.
فعلى المستوى الشخصي تقارب الأثمان التي دفعها نجل رفيق الحريري حدود الخرافة. لم يكن الرجل دوماً الضحية التي يحب جمهوره تقديمه على صورتها، لكن الأكيد أنه في كثير من الأحيان كان الضحية. ضحية جور السياسة في لبنان، وقسوة التركيبة التي لا تشبهه ولا يشبهها، وإن اكتسب في خواتيم تجربته، لا سيما بعد التسوية الرئاسية، بعض ملامحها، إما مباشرة وإما بالواسطة.

في كل الأحوال، حفت بالحريرية تراجيديا متعددة الطبقات، بدأت باغتيال المؤسس الرئيس رفيق الحريري، وانتهت بانهيار الإمبراطورية المالية التي ورثها سعد الحريري، وما أعقبها من انهيار على مستوى الصورة و«البراند» السياسي الدولي والإقليمي والوطني والسني. كان الأب قصة صعود أسطوري.

له أن يستريح وأن يأخذ مسافة من الأشياء والأفراد والملفات والقضايا، باحثاً عن سبل لإعادة إنتاج نفسه بالمعنى الشخصي والخاص، قبل المعاني العامة والسياسية والوطنية.

له أن يستريح وأن يعطي نفسه فرصة، وأن يعطي البلاد خيار أن تجد طريقة حياة خارج وهج أسطورة رفيق الحريري، التي تعد أعظم تجربة سياسية في تاريخ لبنان المعاصر. من الظلم أن يستمر الحريري أسير اللاهثين خلف استعادة رفيق الحريري، أو أن تستمر البلاد أسيرة سعي الابن لقيامة أبيه. يكفي رفيق الحريري شرفاً وتكريماً أنه حكم لبنان شهيداً أطول مما حكمه رئيساً.
أما بالمعاني السياسية الأوسع، فإن عزوف الحريري عن خوض الانتخابات وربما الخروج أو تعليق المشاركة في الحياة السياسية، هو خيار تأخر كثيراً، بعد أن دُفع الرجل إلى تسويات بددت الكثير من رصيده السياسي ومناعته الوطنية والإقليمية والدولية. لم تقف التسويات عند طريقة تشكيل الحكومات وإدارة مجلس الوزراء، والارتجال القاتل في لعبة تجديد دماء «تيار المستقبل»، أو إيصال عون إلى رئاسة الجمهورية، بل مرت حكماً عبر «تسوية» لنتائج المحكمة الخاصة بلبنان الناظرة في جريمة اغتيال الحريري، من دون تحصيل أي مكسب وطني يعوض ذرة واحدة من الخسائر التي ترتبت على الاغتيال. أما من باب الإنصاف فلا ينبغي تجاوز التغييرات التي أصابت البيئة الاستراتيجية الحاضنة للحريري والحريرية، منذ بداية فك الحصار عن بشار الأسد فرنسياً عام 2007، وصولاً إلى تأزم علاقة الحريري بالرياض، مروراً بحلقات الجحيم السوري الذي شكل بنتائجه الفلكية أكبر الصدمات السياسية للحريري ووضعه تحت ضغط الرهاب بأن يأخذ سنة لبنان إلى مصير سنة سوريا!

وبالمعنى السياسي أيضاً، فإن عزوف الحريري عن خوض الانتخابات وربما الخروج أو تعليق المشاركة في الحياة السياسية، يشكل إدانة ضرورية لوهم الديمقراطية اللبنانية المختطفة بقوة سلاح ميليشيا حزب الله.

فعلاً ما الفائدة من خوض الانتخابات؟ لقد فاز التحالف السياسي الذي قاده الحريري في الانتخابات مرتين عام 2005، وعام ، وفي المرتين منع الحريري من الحكم عبر حكومة تسمح له وللبنانيين باختبار برنامجه السياسي والاقتصادي. وعندما فاز تحالف حزب الله بالحكم، وقال قاسم سليماني يومها إنه أصبح هناك حكومة للمقاومة في لبنان، جيء بالحريري ليكون كبش الفداء الدائم والقناع المناسب لجمهورية الولي الفقيه. يحضرني هنا أن الفارق الرئيسي عن حكومات أبيه التي لم تكن هي الأخرى حكومات الأب بالتمام والكمال، أن الأب كان يتكئ على توازنات إقليمية ملائمة، لا سيما في السنوات الخمس الأولى التي كان سقف السياسة اللبنانية في أثنائها محكوم بالتسوية بين دمشق والرياض، إلى حين وفاة حافظ الأسد.

بهذا المعنى يمكن لخروج الحريري أو تعليق مشاركته في الحياة السياسية أن يطلق حالة اعتراض هي الأشرس على واقع احتلال الميليشيا للقرار السياسي والوطني في لبنان، وأن يمهد لولادة لحظة سياسية ضاغطة لتعديل قواعد الشراكة السياسية في لبنان والمساهمة في تحريره من الاحتلال السياسي الإيراني.

حسناً يفعل سعد الحريري لو أعلن خروجه السياسي، بيد أنه ينبغي أن يفعل ذلك كفعل سياسي منظم وعميق التفكير لا ابتزازاً أو بلفاً، ولا حرداً وإحباطاً. وبهذا المعنى يمتلك عبر عدم مشاركته السياسية فرصة أن يكون أكثر فعلاً وأعمق أثراً من وجوده السياسي كأسدٍ في قفص حزب الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خروج الحريري عودته إلى السياسة خروج الحريري عودته إلى السياسة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم

GMT 18:29 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مبابي يتعهد بتكريم ضحايا هجمات باريس خلال مواجهة أوكرانيا
المغرب اليوم - مبابي يتعهد بتكريم ضحايا هجمات باريس خلال مواجهة أوكرانيا

GMT 19:10 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى
المغرب اليوم - دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى

GMT 19:30 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها "ورد وشوكولاتة"
المغرب اليوم - الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 04:12 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 00:44 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الممثلة ميريل ستريب تتحدّث عن معاناة المرأة بشكل عام

GMT 03:53 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

"دولتشي أند غابانا" تطرح مجموعتها الجديدة لعام 2017

GMT 16:35 2023 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.6 ريختر يضرب شرق روسيا

GMT 10:12 2023 الأربعاء ,10 أيار / مايو

مقتل صحفي فرنسي في قصف روسي في شرق أوكرانيا

GMT 14:51 2022 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

بيدري نيتو يغيب عن كأس العالم 2022 بسبب الإصابة

GMT 21:41 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أقوى خلطة طبيعية لتطويل الشعر بوقت قياسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib