حاول جلب السلام فغيّر الاقتصاد

حاول جلب السلام... فغيّر الاقتصاد!

المغرب اليوم -

حاول جلب السلام فغيّر الاقتصاد

حسين شبكشي
بقلم - حسين شبكشي

خلال حملته الانتخابية الأخيرة كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب دائماً ما يعيد ويكرر ويتباهى ويذكّر بقدراته على إيقاف الحروب وتحقيق السلام، وخصوصاً تلك التي بين أوكرانيا وروسيا، وإسرائيل و«حماس»، وأن تلك الحروب لم تكن لتحصل مطلقاً وتنطلق شرارتها لو كان هو رئيساً لأميركا وقت اندلاعها. وها هي الشهور تمر الواحد تلو الآخر والحال كما هو عليه، بل يزداد سوءاً. ووعدُ ترمب بإنهاء حرب أوكرانيا وروسيا خلال أربع وعشرين ساعة تحول إلى هباء منثور. فالحرب هذه باتت تهدد دول «حلف الأطلسي» نفسه، وتحديداً دولاً مثل بولندا ولاتفيا وإستونيا التي تواجه اختراقات ممنهجة للطائرات الروسية المسيّرة، في حين أن أميركا تظل تقدم لإسرائيل الضوء الأخضر للتمادي في توسيع مشروعها الاستيطاني الاستعماري داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقف فعلياً أيضاً ضد «حل الدولتين» الذي تبناه المجتمع الدولي بغالبية كاسحة، لتمنح إسرائيل مجدداً رخصة قتل مفتوحة.

ولطالما احتلت أخبار هذه الحروب المتفاقمة عناوين الأخبار لتغطي على التداعيات الاقتصادية الكبيرة، والتي تسببت فيها سياسات ومواقف ترمب المتوترة والمضطربة.

التداعيات الاقتصادية الكبرى تسبب فيها ترمب منذ الساعات الأولى لتوليه الحكم، وذلك بعد إطلاقه سلسلة من القرارات التي فُرضت بموجبها حزمة من التعريفات الجمركية القياسية بحق معظم دول العالم، مما أدى إلى حروب تجارية عنيفة، وتقهقر في معدلات التبادل التجاري، واضمحلال دور منظمة التجارة الدولية إلى أدنى حد ممكن تصوره.

وبالرغم من كون ظاهر المشهد أنه بالإمكان الحكم عليه أنه مشهد عشوائي، انفعالي، خارج عن المنطق، وبعيد عن المتوقع، ولا علاقة له بالحكمة، فإن هناك تصوراً كبيراً هو الذي يتطلب هذا النوع من القرارات الحادة من قبل إدارة الرئيس الأميركي ترمب ومجموعة مستشاريه المتطرفين. هذه الإدارة تسعى بكل ما أوتيت من قوة، وبكل ما لديها من أدوات ونفوذ؛ إلى خسف قيمة الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى ممكن؛ وذلك لأجل أن تكون المنتجات والخدمات الأميركية منافسة وقادرة على جذب المستهلكين حول العالم لانخفاض أسعارها بشكل كبير جداً. وهذا سيغير حال الدولار ويجعله ملاذاً غير مغرٍ ولا مستقر ولا آمن للاستثمار. وهذا يفسر تماماً سر هبوط الدولار الأميركي بأكثر من 14 في المائة خلال هذا العام، وفي المقابل الارتفاع الهائل لأسعار الذهب الذي تجاوز 3700 دولار أميركي للأونصة، ومرشحة للوصول إلى 5 آلاف دولار مع الارتفاع الكبير في معدلات شراء الذهب الفعلي من قبل بنوك مركزية مختلفة حول العالم، لعل أهمها في ذلك الصين والهند. وليس الذهب هو الملاذ الآمن الوحيد ولا البديل لمغامرة الدولار، ولكن العملات المشفرة تلقى هي الأخرى رواجاً وقبولاً غير عادي. يتم باستمرار ترديد أن ترمب هو رجل الصفقات، وهو الرجل الذي امتلك العديد من كازينوهات القمار، ويدرك تماماً أنه يقدم الآن على أكبر وأخطر مقامرة بحق النظام الاقتصادي العالمي.

رفع ترمب شعاراً شعبوياً خلال حملته الانتخابية، وهو «اجعل أميركا عظيمة مجدداً». وكونه تياراً سياسياً احتل وسيطر على الحزب الجمهوري بأسره، أطلق عاصفة من المشاعر المتأججة تُعنى بالحمائية والعنصرية والتشكيك في الآخر.

النظام الاقتصادي العالمي هو ذلك الذي أقرته الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، فخرجت نتاج ذلك مؤسسات حاكمة مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وتلت ذلك «اتفاقية الغات» للرسوم التجارية، لترتقي بعد ذلك لتكون منظمة التجارة الدولية. وكانت الولايات المتحدة مركز الثقل للمنظمة، وعملتها هي الأبرز، واقتصادها الأهم، وأدواتها الأخطر. وواجهت من خلالها تحديات اليابان، والنمور الآسيوية، ودول السوق الأوروبية، والاتحاد السوفياتي، بنجاح كبير. والآن تتقهقر وتتراجع وهي تواجه المنافس الأخطر لها، والمقصود هنا التنين الصيني، ويليه العملاق الهندي.

دونالد ترمب لم ينجح في إطفاء الحروب الدائرة، ولكنه أشعل حرباً اقتصادية هائلة أدخلت العالم في حالة ردود عميقة لا أحد يدري مداها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حاول جلب السلام فغيّر الاقتصاد حاول جلب السلام فغيّر الاقتصاد



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 13:17 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib