الشرق الأوسط الأكثر إثارة

الشرق الأوسط الأكثر إثارة!

المغرب اليوم -

الشرق الأوسط الأكثر إثارة

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

لا يزال عدد غير بسيط من المحللين السياسيين يحاول فهم أبعاد الاتفاق السعودي - الإيراني المفاجئ الذي تم برعاية من الصين، وآثاره المنتظرة على منطقة الشرق الأوسط تحديداً والعالم عموماً.
اتفاق مفاجئ أُعد له جيداً في السر والخفاء يحقق أهدافاً عديدة ومهمة للأطراف الثلاثة المعنية به؛ فالصين لأول مرة تضع بصمتها الواضحة على ساحة السياسة الخارجية، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط التي كانت حكراً على الولايات المتحدة الأميركية، وباتت بالتالي تلعب دوراً محورياً على الساحة الدولية يليق بمكانتها كثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعد أن كانت لفترة طويلة تكتفي بأدوار رمزية تليق بوصفها «دولة ناشئة»، بحسب توصيف منظمة التجارة الدولية، البعيد تماماً عن الواقع.
وتعد الصين هذا الاتفاق إنجازاً لها، وتعيد بذلك كرة اللهب الشرق أوسطية إلى ملعب واشنطن للتفكير فيه، بعد أن أنهكت واشنطن الصين أمنياً وعسكرياً في ملفي تايوان وبحر الصين. الصين التي تستورد جل احتياجها من النفط من السعودية وإيران، لها مصلحة مباشرة في أن تكون هناك حالة سياسية مستقرة جداً بين البلدين؛ لانعكاس الاضطراب بينهما على مصالح الصين الاقتصادية، وهذا من أهم الأسباب التي جعلت الصين تتدخل في الموضوع بقوة، وتحسمه وتضمن تنفيذه.
إيران تأخذ قسطاً من الراحة من الضغوطات عليها، وتفتح باباً جديداً مع أهم دول المنطقة الاقتصادية، وإحدى أبرز القوى الاقتصادية في العالم اليوم، وقد يكون فيه فرصة للتعامل الاقتصادي وتخفيف الضغوطات على عملة إيران الوطنية التي أصابها الانهيار الهائل.
السعودية تحقق ضمانات أمنية لحدودها الجنوبية، وعدم تطاول الميليشيات التابعة لإيران في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان على السعودية إعلامياً أو أمنياً، كما كان يحصل من قبل، وذلك بضمان صيني مؤثر جداً بالنسبة لإيران.
لم تكن السعودية ترغب في أن تُستدرج في كمين «الضربة الإسرائيلية على إيران» التي تهدد بها إسرائيل منذ فترة طويلة، وكانت إيران دائماً ما تعلق بأن ردها، إذا ما حصل ذلك، سيكون في دول الخليج، وسحبت بهذا الاتفاق «التأييد» الإقليمي للضربة الإسرائيلية على إيران، الذي كان الإعلام الإسرائيلي يروج له، وهذا سيسحب من بنيامين نتنياهو الزخم الذي يواجه به أزمته السياسية الداخلية غير المسبوقة، والتي أدت إلى شرخ هائل في الشارع اليهودي في إسرائيل، وصل صداه إلى الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية نفسها.
فإسرائيل لديها أزمة هوية خطيرة، لسنوات طويلة كانت تروج لنفسها أنها دولة ديمقراطية ليبرالية، تؤمن بالمساواة وفصل السلطات، وهي بذلك تشترك مع الولايات المتحدة الأميركية في ذات القيم؛ تلك القيم التي سماها توماس جيفرسون أحد أهم الآباء المؤسسين للدستور الأميركي عندما قال: «إننا بصدد تأسيس فكرة تصلح أن تكون مرجعية عالمية»، وهذا الذي دفع المفكر الأميركي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما أن يصدر كتابه الأشهر بعد سقوط الشيوعية وانتصار المعسكر الغربي بعنوان: «نهاية التاريخ»، ولكن إسرائيل التي تأسست بناء على وعد من وزير الخارجية البريطانية بيلفور لمنح «حق الوطن للشعب اليهودي في فلسطين»، ويميز دستورها بين اليهود وغيرهم بشكل فظ؛ لم يعد من الممكن أن تدعي إسرائيل أنها على ذات القيم الأميركية.
كل تلك التفاصيل تجعلنا في مرحلة جديدة في الشرق الأوسط على أقل تقدير، هي مرحلة التقاط الأنفاس والهدوء الذي طال التطلع إليه، والالتفات لقضايا التنمية بشكل أساسي، ويبقى التحدي الأكبر هو المصداقية التي ستنفذ بها تلك الاتفاقية والتي ستؤدي إلى الثقة التي يُبنى عليها. التاريخ يجبرنا على أن نكون حذرين جداً، ومتخوفين للغاية، ولكن المستقبل يفرض علينا التفاؤل.
منطقة الشرق الأوسط بحاجة ماسة لإعادة ترتيب أوراقها، وخفض حرارة لهيب التوترات، والاستفادة القصوى من موازين القوى المتغيرة عالمياً.
الاتفاق السعودي - الإيراني ليس اتفاقاً دبلوماسياً تقليدياً؛ فهو تم من قبل جهتين معنيتين بالأمن الوطني، وبالتالي أبعاده أهم وأعمق، ولذلك من المتوقع، إذا ما كُتب له النجاح، أن تكون له آثار إيجابية على المنطقة. الأيام القادمة كفيلة بإثبات المأمول.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط الأكثر إثارة الشرق الأوسط الأكثر إثارة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 13:17 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib