« والآن الصهيونيون الجدد»

«... والآن الصهيونيون الجدد!»

المغرب اليوم -

« والآن الصهيونيون الجدد»

حسين شبكشي
بقلم - حسين شبكشي

هناك الكثير من العقائد السياسية التي يعاد تشكيلها مع تغير بعض الظروف السياسية العالمية، فتعود إلى السطح مجدداً ولكن بشكل جديد يراعي فيه هذه التغيرات. ولعل مثال النازيين الجدد خير دليل على المقصود. فبعد الهزيمة الساحقة للرايخ الثالث والنازية في ألمانيا وسقوط أدولف هتلر تَبيَّن لاحقاً أنه رحل ولكنَّ فكره بقي قائماً ولم ترحل أحلامه معه.

فتشكلت في الكثير من دول أوروبا أحزاب قومية متطرفة وحركات وطنية متعصبة جميعها تستمد أفكارها من المشروع النازي ولكن من دون أن تعبِّر عنه بصريح العبارة فتتغطى بشعارات «حماية البلاد من المهاجرين الغرباء»، و«الحفاظ على هويتنا من الثقافات الدخيلة الغريبة عنّا»، وهي أهداف رُفعت لتبرير الوسائل كافة، مهما كانت غير أخلاقية، لتحقيقها.

وطبعاً هناك حركة المحافظين الجدد التي خرجت بشراسة خلال حقبة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، وفرضت أفكارها على الساحة السياسية العالمية بكل قسوة وعنف وهي التي خرجت من رحم التوجهات الحمائية التي أطلَّت على العالم بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية وظهور أفكار متشددة تُعنى بالقضاء الاستباقي على أي تهديد أو خطر لحماية الأمن القومي بشكل عام.

والآن تُظهر لنا أحداث غزة وبوضوح شديد جداً الصهيونيين الجدد في مواقعهم السياسية والتشريعية والإعلامية. فالصهيونية التي خرجت بالأساس كفكرة مسيحية بروتستانتية إنجيلية معادية للسامية من بريطانيا تطالب بوطن لليهود في فلسطين قبل دعوة ثيودور هيرتزل، الصحافي النمساوي العلماني، في مؤتمر بازل الشهير، لوطن ليهود العالم في فلسطين، بخمسين عاماً على التمام والكمال.

كانت تلك الحركة السياسية القومية لا تلقى التشكك والقلق من الحركات الأصولية اليهودية التي تعد الدعوة إلى وطن قومي لليهود مخالفة صريحة لما جاء في التوراة فيما يتعلق بالعقوبة الإلهية في حق اليهود بالشتات.

ولكنَّ اتفاق المصالح الذي حصل بين الحاخامات الأرثوذكس وبن غوريون عند إعلان تأسيس إسرائيل وذلك الذي أقرَّ فيه إعفاء الأرثوذكس من خدمة الجيش وقوانين إسرائيل العلمانية مقابل اعترافهم بالدولة هو ما أحدث تغييراً في الموقف الديني اليهودي التقليدي.

والآن الواقع الحقيقي للصهيونية الجديدة مختلف تماماً عمّا سبق وقت انطلاقتها، فاليوم من كل عشرة صهاينة هناك يهودي واحد بينهم والبقية مسيحيون أصوليون إنجيليون متطرفون ويتجاوز تعداد قوّتهم مائة مليون شخص حول العالم تدعمهم مؤسسات وجمعيات شديدة التأثير في أروقة صناعة القرار السياسي ولديها قدرات مالية هائلة على الدعم والتمويل.

وهناك كتابان رائعان وفي غاية الأهمية يغوصان في مسألة الصهيونية المسيحية بشكل مدهش ومذهل ويقدمان الكثير من الأدلة والبراهين على التأثير المتزايد لهذه الجماعات في صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل فيما يتعلق بحماية أمن إسرائيل وتعزيز قوتها ودعمها اللامحدود. الكتاب الأول لدونالد لويس وعنوانه «تاريخ قصير للصهيونية المسيحية»، أما الكتاب الآخر فهو للقس البريطاني ستيفن سايزر بعنوان «الصهيونية المسيحية: خريطة طريق لارماجادون».

وهذا التوجه الأصولي في المسيحية الصهيونية، الذي تتبناه الطوائف البروتستانتية الإنجيلية متبنيةً تفسيرها المتطرف لسفر النبوءات في العهد الجديد، لا توافق عليه الطوائف المسيحية الكبرى كالأرثوذكس والكاثوليك. ولكن الدعم الحاصل من مؤسسات الصهيونية المسيحية الغرض منه «حماية أرض إسرائيل التي وعد بها الرب لليهود لتعجيل عودة المسيح لإنقاذ العالم قبل نهاية الزمان». وهذه الحركة هي الراعية الرسمية والقوى المؤثرة خلف التشريعات المتشددة في عدد متزايد من الولايات التي تجرّم وتمنع مقاطعة إسرائيل أو معاداتها.

وهو تطرف وتشدد غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية يتناقض تماماً مع حريات الرأي التي يصونها الدستور الأميركي.

المسيحية الصهيونية الموجودة بقوة شديدة ومؤثرة وبشكل أساسي في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والسويد وهولندا ترى أن معركتها الوجودية الأهم هي حماية أمن إسرائيل، وهي أكبر المساندين لإسرائيل في رفضها فكرة حل الدولتين، وهذه المسألة فطنت إليها بشكل واضح الحركات اليمينية المتشددة في إسرائيل التي هي جزء أساسي من تركيبة حكومة نتنياهو، وقررت استغلال ذلك إلى أبعد الحدود بشكل انتهازي مقيت لتبرير سياساتها وقمعها وإجرامها.

زواج المصالح بين المسيحية الصهيونية والحركات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة هو الشكل الجديد للصهيونيين الجدد، وهي خلطة فتاكة ومدمِّرة ومَن لديه شك فليعاود النظر في أحداث غزة وتغطيتها السياسية والإعلامية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

« والآن الصهيونيون الجدد» « والآن الصهيونيون الجدد»



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:41 2023 السبت ,22 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.5 درجة في اليونان

GMT 07:39 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغجر يحبُّون أيضًا" رواية جديدة لـ"الأعرج"

GMT 15:40 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيفية اختيار لون المناكير المناسب

GMT 23:58 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

ساني يهزم نيمار في سباق رجل جولة دوري أبطال أوروبا

GMT 19:43 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

البدواوي يكشف أن "حتا" شهدت إقبالاً كبيراً من السياح

GMT 14:00 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "إشبيلية" يرغب في التعاقد مع ماركوس يورينتي

GMT 00:51 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

التلفزيون الملون لم يدخل بيوت الآلاف في بريطانيا

GMT 00:29 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

صفية العمري تؤكّد أنها تبحث عن الأعمال الفنية الجيدة فقط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib