بين نارين

بين نارين!

المغرب اليوم -

بين نارين

حسين شبكشي
حسين شبكشي

فتح قرار منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة، «تويتر» بحظر حساب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عليها بصورة دائمة، جدلاً محتدماً وجاداً عن حرية الرأي، وحق الكلمة، وحماية القوانين والدساتير لتلك المسألة، التي لها مكانة شِبه مقدَّسة في المجتمعات التي تنادي بها وتطبّقها. هذه مسألة تعني في المقام الأول المجتمعات الغربية (وبعض الدول الصناعية الأولى الأخرى في مناطق مختلفة حول العالم)، ولكن الموضوع في هذه الحالة «أميركي» بحت، وكما عوّدتنا الولايات المتحدة دائماً، فيما يتعلق بقضاياها المحلية، فإن ما يحدث بداخلها لا يبقى حصرياً فيها، ولكنه سرعان ما يلقى اهتمام وفضول الناس حول مختلف أنحاء دول العالم.

الجدل يقع وبشكل أساسي على مسألتين رئيسيتين حتى الآن؛ الأولى هي حماية حرية الرأي التي يكفلها الدستور الأميركي بشكل صريح وواضح، وفي أحد أهم بنوده الرئيسية، وما إذا كانت «تويتر» تمادت وتجاوزت حدودها، ومارست هيمنة غير دستورية (بالعرف وليس بالقانون) لحجب حرية الرأي، وبشكل انتقائي بحت، نظراً لوجود حسابات أخرى تدعو للعنف ضد الغير، وخطابها عنيف وعنصري بغيض (وهي الحجج التي أوردتها «تويتر» في تبيان موقفها وقرارها بحظر حساب الرئيس ترمب)، وهذه الحسابات لا تزال سارية، ولم تُمسّ، مما يعني أن هناك ازدواجية في المعايير عند إدارة «تويتر» نفسها، علماً بأن هناك منصات تواصل اجتماعي أخرى عملاقة ومؤثرة جداً قررت هي الأخرى الحذو في مسار «تويتر» نفسه، والقيام أيضاً بحظر حساب الرئيس ترمب، مما يعني أنه باتت هناك سابقة مهمة بالمعنى القانوني من الممكن البناء عليها لاحقاً، وهذا ما تم فعلياً.

مع أهمية وضرورة التوضيح بأن الدستور الأميركي يكفل ويحمي حرية الرأي بشكل عام، فإن الشركات المقدِّمة لخدمات التواصل الاجتماعي هي شركات من القطاع الخاص في المقام الأول، ولها مطلق حرية اختيار أنظمتها وقوانينها بما تراه يتماشى مع أهدافها وخططها التسويقية، وعليه، يكون توقع «إلزام» الشركات المقدِّمة للتواصل الاجتماعي بفتح حساباتها للكل من دون مراعاة لأنظمتها الداخلية هو نوع من التسلط والقمع المعاكس.

أما المسألة الثانية، فتتعلق بمدى توسع وتمادى نفوذ شركات التقنية الكبرى وسطوتها وتأثيرها «غير التقليدي» على الحياة العامة، وصناعة الرأي العام والشعبي، مما قد يكون له آثار غير بريئة على صناعة السياسات والتشريعات بشكل مباشر وغير مباشر. وهذه المسألة تلقى اهتماماً منذ فترة ليست بالقليلة، وتثير اهتمام الساسة والمشرّعين الموضوعين بين نارين وخيارين صعبين، أحلاهما مُرّ. فاليوم لا يخفى على أحد أن شركات التقنية الكبرى هي المحرك الرئيسي والأهم للاقتصاد الأميركي، والتحرك بتقييد شركات التقنية الكبرى قد يبعث برسالة عنيفة وغير مطمئنة لرؤوس الأموال المستثمرة في هذا القطاع المؤثر والمهم. ولكن ترك هذه الشركات تكبر ويزداد نفوذها قوة وتأثيراً هو أيضاً هاجس مخيف ومقلق لصانعي السياسات في واشنطن تماماً، كما كان الوضع ذات يوم مع البنوك الكبرى، وشركات النفط، وشركات الاتصالات.
الاقتصاد الأميركي يفخر دوماً بأنه النموذج المثالي لاقتصاد السوق الليبرالي الحر والمفتوح، الذي يجعل قواعد السوق هي معيار البقاء والمنافسة بين كل الشركات المتصارعة فيه، وعليه وبالتالي، فأي شكوى ضد نفوذ أي شركة أخرى ما على المشتكي إلا تكوين مجموعة استثمارية والدخول إلى السوق بمنتج منافس. قد يكون هذا الطرح مبسّطاً ومثالياً في بعض الأحيان، لأن هناك حجة مقابلة تقول إن «فجوة التنافس» THE BARRIER OF ENTRY أصبحت كبيرة جداً، وبالتالي باهظة التكلفة، بحيث يصبح عملياً من المستحيل التغلب عليها.

إنه فصل جديد من الصراع بين الحكومات والمشرعين من جهة، ورؤوس المال من جهة أخرى، وهو صراع قديم ومتجدد منذ زمن بعيد، ولكنه اليوم يحضر أمامنا بمؤثرات في منتهى الفاعلية والتأثير. كيفية التعامل مع هذه المسائل سيكون لها الوقع السياسي والاقتصادي المدوي في المرحلة المقبلة، سواء أكان ذلك بتشريعات جديدة تقيّد من قوة شركات التقنية الكبرى، أو دخول منافسين جدد بنفوذ مالي مؤثر لصالح «الفريق الآخر» (كما حصل ذات يوم من قبل شركة «فوكس نيوز» في عالم الصحافة التلفزيونية).
في كل الأحوال أميركا مقبلة على مشهد يتغير، وما على العالم سوى متابعة الإثارة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين نارين بين نارين



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib