القبة الحرارية وفوضى الأرض المناخية

القبة الحرارية وفوضى الأرض المناخية

المغرب اليوم -

القبة الحرارية وفوضى الأرض المناخية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

خلال مؤتمر من أجل تمويل التنمية، الذي عُقد أوائل يوليو/ تموز الجاري في مدينة إشبيليّة، رابع أكبر مدن إسبانيا، ذات الجذور والعبق التاريخي العربي، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة صرخةً جديدة من صرخاته، في وادي التيه الأرضي، منذرًا ومحذرًا ممّا سمّاه حالة الفوضى المناخية، التي تَلُفُّ الكرة الأرضية، في الوقت الراهن.

منذ بضعة أعوام والسيد غوتيريش لا ينفكّ يشير بقلق وخوف بالغَيْن، إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وأثرها القاتل على الإنسانية، ثم لم يلبث العام الماضي أن تغيرت لغته مستخدمًا تعبير، الغليان الحراري، ومع درجات الحرارة التي وصلت في إسبانيا إلى 46 درجة مئوية، لم يجد سوى فكرة الفوضى المناخية التي تضرب الكرة الأرضية.

عاشت أوروبا مؤخّرًا أيّامًا غيرمسبوقة، بسبب ما قال علماء المناخ إنه "قُبَّة حرارية"، تحبس الهواء الساخن فوقها، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض من جهة، والبحر من جهة ثانية.

في الوقت عينه كثرت التقارير عن حالة النشاط غير العادي في البحر المتوسط، مع ارتفاع درجة حرارة المياه فيه، ومن ثم اضطراب الأمواج، والتهديد بما هو أكثر هولًا.

ظاهرة القِباب الحرارية بحسب "مايكل بيرن"، الخبير في علم المناخ بجامعة سانت أندروز، ربما ليست بالجديدة، أمّا الجديد هذه المرة، فيتعلق بدرجات الحرارة التي تحدثها تلك القباب، وارتفاع درجة الحرارة في أوروبا أعلى بدرجتَيْن مئويّتين ممّا كانت عليه في العصر ما قبل الصناعي، ولهذا حين تخيم تلك القباب تشتعل الأرض.

هل يعني ذلك شيئًا ما؟
باختصار غير مُخِلّ، فشل كافة الجهود الهلامية التي جرت العقدَيْن الماضيين لإعادة ضبط مناخ الكوكب الأزرق، لا سيما بعد تجاوز الحدِّ الأقصى المسموح به لارتفاع درجات الحرارة عن 1.5 درجة مئوية خلال الفترة الزمنية 2015- 2024.

مشاهد الفوضى المناخية لم توفر بقعة أو رقعة فوق البسيطة، الأسابيع والأشهر القليلة الماضي، ففي الولايات المتحدة اجتاحت العواصف الشديدة والأعاصير العنيفة ولاية أركنساس، مخلّفةً دمارًا هائلًا في الممتلكات، حيث تراوحت سرعة الرياح بين 170 و190 ميلا في الساعة.

أستراليا بدورها لم تشهد عواصف عاتية كما شهدت الأسبوعين الماضيين، ما تسبَّبَ في فيضانات عزلت عشرات الآلاف وقطعت الكهرباء والإمدادات عن أعداد مماثلة، وتهديد سلامة الطيران، والمخيف أن درجة الحرارة بلغت الشتاء الماضي هناك 40 درجة مئوية.

الأمر بعينه انسحب على اليابان والعديد من الدول الآسيوية، أما القارة السمراء، فحَدِّثْ عنها ولا حرج، ما بين الجفاف والتصَحُّر، والهجرات المليونية غير الشرعية لجهة المتوسط، بعد أن تساوت الحياة مع الموت.

هل كانت الولاياتُ المتحدة الأميركية بدورها بعيدةً عن تأثير التغيرات المناخية المخيفة إلى حَدِّ الرعب؟

المتابع لما يجري في أقصى الطرف الشمالي من الكرة الأرضية، يمكنه أن يرصد حدثَيْن مخيفَيْن:
الأول: هو الزلزال الذي ضرب منطقة آلاسكا بالقرب من القطب الشمالي، وقد بلغ نحو 7.3 على مقياس ريختر، مع مخاوف كبيرة من أن يستتبعه تسونامي.

هل زلزال القطب الشمالي له علاقة بالتغيرات المناخية فوق الكرة الأرضية؟
الجواب على علامة الاستفهام المتقدمة في حاجة إلى قراءة كاملة، لا سيما أنَّ حربًا عالمية خفية تدور هناك، وتُستخدَم فيها أسلحةٌ شبه خفية، والهدف الرئيس هو وضع اليد على ثروات تلك المنطقة، عطفًا على الممرات القطبية التي تبدو كنتيجة حتمية لذوبان الثلوج هناك بسبب الاحترار.

الثاني: الفيضانات التي ضربت ولاية تكساس في جنوب الولايات المتحدة، وهي مناطق حارة من الغريب أن تتعرض لمثل تلك المنعطفات المناخية الكبيرة، والتي أَوْدَتْ بأرواح أعداد غير مسبوقة.
الأمر نفسه تكرر قبل أيَّامٍ في ولايتَيْ نيوجيرسي ونيويورك، وتبدو المشاهد التي نقلتها شبكات التلفزة الأميركية والدولية، غير مألوفة، والذين يعيشون هناك يخبرون بأنهم عاشوا حالة جنون للطقس غير معروفة الأسباب.

لا تَكُفُّ أصوات المنظمات العالمية المناخية عن الإنذار والتحذير، لكنّ قادةَ العالم الغني، المهمومين بتحقيق الربح الرأسمالي المتوحش، لهم آذان ولا يسمعون، وأعين ولا يَرَوْنَ.

على سبيل المثال، حذَّرَتْ المنظمة العالمية للأرصاد من أن ظاهرة القباب الحرارية، سوف تضحى أكثر تواتُّرًا وحِدَّةً عمَّا قريب، بفعل التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري، ما يستدعي التأهب والتكيف طويل الأمد.

في الوقت عينه تبدو هناك كارثةٌ بيئيّة قادمة لا محالة، فقد رصدت الأقمار الاصطناعية خطرًا جديدًا يتهدد العالم يتمثل في تغير جذري وغير متوقع في بيئة المحيط الجنوبي، إذ بدأت الطبقات السطحية تشهد زيادة ملحوظة في نسبة الملوحة بالتوازي مع ذوبان جليد البحر حول القارة القطبية الجنوبية بوتيرة غير مسبوقة.

فقدت منطقة أنتاركتيكا منذ عام 2015 مساحات من الجليد تعادل مساحة جزيرة جرينلاند، في القطب الشمالي، في أكبر تحَوُّلٍ بيئيّ مسجل على كوكب الأرض خلال العقود الأخيرة.

هذه الطبقة من الجليد حافظت على عزلٍ حراريٍّ يمنع حرارة الأعماق من الصعود، كما كانت تساعد في تكوين جليد بحري أكثر سماكةً واستقرارًا.

ارتفاع درجات الحرارة في قمة العالم شمالًا شملت أيسلندا شمال المحيط الأطلسي، حيث حذرت مبادرة إسناد الطقس العالمي WWA في تقريرٍ أخير لها من أن الجليد ذاب أسرع ب 17 مرّةً من المتوسط التاريخي بين 15 و21 مايو الماضي.

يَعِنُّ لنا أن نتساءل: "أين مقررات مؤتمرات الأمم المتحدة في السنوات الماضية، وهل وُضِعت وضع التنفيذ، قبل أن نصحو على كوكب الأرض الراحل؟
ثم ماذا؟
لم يعد هناك الكثير من الوقت للحديث، فالأزمة المناخية ليست مجرد مسألة تقنية، بل هي واقعٌ مُلِحّ، ومسألة وجودية تتعلق بالعدالة والكرامة والعناية بالبيت المشترك.

أنصاف الحلول من نوعية الرأسمالية الخضراء، والتقنية المفرطة، وتسليع الطبيعة، والنزعة الاستخراجية التي تبقي على الاستغلال والظلم الإيكولوجي لا تفيد بل ستدمر المسكونة وتبيد ساكنيها.

لا يبدو قادة الغرب منتبهين للكارثة التي تكاد تحلُّ بالكوكب الذي كان أزرقَ، والخوف كل الخوف من أن يكون الصراع الرأسمالي القطبي، دافعا لهلاك الزرع والحرث على مستوى العالم.

تحتاج البشرية إلى حالةٍ من الارتداد الإيكولوجي، والذي يراعي بعمق وقوة الحالة الحرجة التي وصلت إليها الكرة الأرضية، لا سيما بعد أن باتت الأزمة المناخية وثيقة ولصيقة الصلة بالأمن القومي لكل دولة من الدول الكبرى والصغرى على حَدٍّ سواء.

ولعله يتوجب علينا قبل الانصراف الإشارة إلى أنه ليس من باب التهويل القول بأنّ هناك حضارات بشريةً عديدة سابقة، تركت لنا آثارًا بعضها منقوش على الأحجار، تحذر من مخاطر الانفجار الكوني المناخي، كما الحال مع حضارة المايا والأزتيك في أميركا الجنوبية، ومنها ما هو معروف لدى الحضارات الشرقية كالمصرية القديمة والآشورية، بل إن كثيرًا من الدول الآسيوية بدورها لديها مثل تلك التنَبُّؤات والتي يستحق الأمرُ مراجعتَها من جديد.

القبة الحرارية وزلزال آلاسكا وفيضانات تكساس، جميعها تقطع بأن آفة حارتنا قولًا وفعلًا هي النسيان، فانظر ماذا ترى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القبة الحرارية وفوضى الأرض المناخية القبة الحرارية وفوضى الأرض المناخية



GMT 17:00 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

يوم فلسطيني بامتياز..ماذا بعد

GMT 16:59 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

تَوَهان المشتغلين في الإعلام

GMT 16:58 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

هل تغير الزمن فعلا ؟!

GMT 15:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الاعتراف بفلسطينَ اعتراف بإسرائيل

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام

GMT 15:27 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

تحقيقٌ صحافي عن عبد العزيز ومن عبد العزيز

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية

GMT 15:15 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

حكاية الطبيب والأميرة ديانا!

الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - المغرب اليوم
المغرب اليوم - أنواع النباتات المثمرة المناسبة في بلكونة المنزل

GMT 07:42 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرسيدس تطلق سيارة رياضية بمواصفات فائقة

GMT 15:45 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

المصري محمد صفوت يودع بطولة لوس كابوس للتنس

GMT 23:22 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

طرق بسيطة لاختيار ساعات عصرية تناسب الرجال

GMT 04:08 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 01:12 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

"نيس" الفرنسي يظهر اهتمامه بضم المغربي أمين باسي

GMT 13:19 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

لاس بالماس الإسبانية المدينة المثالية لقضاء أحلى شهر عسل

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 00:43 2016 الجمعة ,23 أيلول / سبتمبر

شاطئ "الكزيرة" في المغرب جوهرة شمال غرب إفريقيا

GMT 00:02 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو السنباطي يعلن عن رؤيته لمستقبل نادي هليوبوليس

GMT 07:58 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم ماهيكا مانو في طوكيو لمحبي الأماكن الرائعة والمختلفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib