الفاتيكان في رمضان معاً على دروب السلام

الفاتيكان في رمضان... معاً على دروب السلام

المغرب اليوم -

الفاتيكان في رمضان معاً على دروب السلام

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

 

في هذه الأجواء التي يصادف فيها شهر رمضان الفضيل، الصوم الكبير الذي يسبق عيد الفصح، وجهت - كعادتها - دائرة الفاتيكان للحوار بين الأديان، رسالة تهنئة وتبريكات، تأمل وتفكير عميق، إلى العالم العربي والإسلامي، حملت توقيع عميد الدائرة الكاردينال جاكوب كوفاكاد، وجاءت تحت عنوان «مسيحيون ومسلمون... ما نأمل أن نصبح عليه».

يبدو واضحاً أن الهدف من الرسالة الفاتيكانية الرمضانية هذا العام ليس التفكير في ما سبق وكان، بل التطلع إلى المستقبل، إلى الأمام، حيث التحديات التي تجمع المؤمنين معاً من أدنى المسكونة إلى أقصاها.

تؤكد الرسالة على أن فكرة الصوم والصلاة والإحسان في رمضان تعدُّ فرصة ثمينة للتقرب إلى الله، والتمسك بالقيم الجوهرية للإيمان والرحمة والتضامن.

ولعلها من مصادفات القدر هذا العام أن يصوم المسيحيون حول العالم أربعين يوماً وليلة، في توقيت مواكب لثلاثينية الصوم الرمضاني، وكأن التدابير العلوية تقدم لنا فرصة فريدة للسفر جنباً إلى جنب، مسيحيين ومسلمين، في مسيرة مشتركة من التطهير والصلاة والمحبة.

يعتبر الكاردينال جاكوب أنه بالنسبة للكاثوليك حول العالم، الذين يعدون قرابة مليار وأربعمائة مليون، متحدين مع الكرسي الرسولي، أن وقت الصوم المشترك فرصة لمشاركة الفرحة، لأنه يذكرنا بأننا جميعاً حجاج على هذه الأرض، حجاج في طريق الرجاء، والسعي نحو الدار الآخرة، تلك التي تبدأ من على الأرض بالعمل الصالح والكلم الطيب.

رسالة هذا العام تدعو الجميع للتفكير، ليس فقط في ما كان، بل ما يمكن فعله وتحقيقه معاً، وكيف للجميع أن يمهدوا دروب الحياة من أجل حياة أكثر رحابة، وأن يجعلوا الأمل هو سيد الموقف.

هل نريد أن نكون مجرد متعاونين لبناء عالم أفضل، أم أشقاء حقيقيين لنشهد معاً على محبة الله لجميع البشر؟

هذا التساؤل المثير للتأمل يدعونا في واقع الأمر للتفريق بين مستويين من العيش، الأول هو النسق النفعي البراغماتي، والثاني هو الأخوي، الإيماني والوجداني، القافز فوق سدود وحدود الربح بالمفهوم الضيق.

تبدو رسالة دائرة الحوار بين الأديان في الفاتيكان هذا العام، أكثر أخوية، لا سيما أنها تحمل مقاربةً أكثر إيمانية، جديدة وجميلة في الوقت ذاته على بساطتها وعمقها.

يعدُّ القائمون على الرسالة أن شهر رمضان بالنسبة للكاثوليك ليس مجرد شهر صيام فحسب، بل هو مدرسة للتغيير الداخلي، لأن في امتناعه عن الطعام والشراب، يتعلم المسلم السيطرة على رغباته والتوجه نحو الأمور الجوهرية في حياته، وتصف الرسالة الشهر بأنه «زمن الانضباط الروحي»، حيث الدعوة لتنمية التقوى، تلك الفضيلة التي تقربنا إلى الله تعالى وتفتح قلوبنا للآخرين.

يلفت صاحب الرسالة إلى أن زمن الصوم الكبير في المسيحية يضاهي بصورة تقترب من التطابق مفهوم الصوم في رمضان الكريم، حيث تدعونا تلك المسيرة الأربعينية من خلال الصيام والصلاة والإحسان، أي الصدقة على الفقير والمحروم والمحتاج، إلى تطهير قلوبنا والتركيز على ما ينعش حياتنا ويمنحها المعنى. هذه الممارسات الروحانية، وإن كان يُعبر عنها بطرق مختلفة، إنما تذكرنا بأن الإيمان ليس مجرد أمر يقتصر على الأفعال الخارجية، بل هو طريق للتغيير الداخلي العميق والفاعل والمؤثر.

تنقلنا رسالة الفاتيكان إلى المسلمين في رمضان، من عالم التنظيرات الآيديولوجية، إلى حيز الواقع الفعلي والعملي على الأرض.

ففي عالم تكتنفه الظلام والصراعات وانعدام الثقة، لا يمكن أن تقتصر دعوتنا المشتركة على ممارسات روحية متشابهة، ذلك أن عالمنا متعطش للأخوة والحوار الحقيقي، حيث يمكن للمسلمين والمسيحيين معاً أن يكونوا شهوداً لهذا الرجاء، وبرهاناً على أن الصداقة ممكنة رغم ثقل التاريخ والآيديولوجيات التي تجعلنا ننغلق على ذواتنا، في حين يبقى الرجاء ليس مجرد تفاءل عابر، بل فضيلة متجذرة في الإيمان.

ترى الرسالة أن شهر رمضان فرصة رائعة لنظهر مجدداً للعالم مسلمين ومسيحيين أن الإيمان يغير البشر والمجتمعات وأنه قوة للوحدة والمصالحة.

والشاهد أنه في عالم تتصاعد فيه التيارات اليمينية، الداعية لتشييد الجدران وهدم الجسور، تأتي رسالة الفاتيكان ساعية لا فقط في طريق التعايش السطحي، بل السعي نحو الحياة الصادقة المتبادلة، عبر قيم خلاقة تخدم الإنسانية جمعاء كالعدالة والرحمة وحماية البيئة ورفض الظلم وعدم المبالاة.

العالم متعطش للسلام والأخوة... عسى الأصوام تجمعنا في الدعاء معاً لتحقيقهما.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفاتيكان في رمضان معاً على دروب السلام الفاتيكان في رمضان معاً على دروب السلام



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 01:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين
المغرب اليوم - ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib