أميركا واستدعاء «خطاب الضيق»

أميركا واستدعاء «خطاب الضيق»

المغرب اليوم -

أميركا واستدعاء «خطاب الضيق»

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

على عتبة المائة عام، يأمل الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، أن يمتد به العمر، حتى يقترع لصالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والعهدة على حفيده، جيسون، الذي أخبر الصحافة المحلية في ولاية جورجيا.

هل يتذكر الأميركيون كارتر اليوم من جراء رغبته التي تنمّ عن ولاء حزبي منقطع النظير، أم أن هناك سبباً آخر يستدعي استرجاع ما قاله الرجل يوماً ما؟

كل الشواهد تقول إنَّ على الأميركيين إعادة قراءة ما عُرف باسم «خطاب الضيق» الذي ألقاه كارتر في الخامس عشر من يوليو (تموز) من عام 1979.

قبل نحو خمسة وأربعين عاماً، بدت إدارة كارتر وكأنها في مواجهة مشاكل تبدو مستعصية على الحل، فقد بلغ وقتها معدل التضخم 13 في المائة، فيما كانت طوابير البنزين تدفع الأميركيين إلى الانتظار لملء سياراتهم بالوقود في أيام متناوبة، كما كانت محطة الفضاء الأميركية، «سكاي لاب»، على وشك السقوط من السماء، ولم يكن أحد يستطيع أن يجزم على وجه اليقين بالمكان الذي قد تسقط فيه، فيما بلغت شعبية الرئيس 25 في المائة، وهي أدنى مستوى لها منذ عهد ترومان، وفي وسط هذا كله، كان أغلب أعضاء حزبه يتطلعون إلى ترشيح السيناتور إدوارد كيندي للرئاسة عام 1980.

في تلك الآونة، تطلع الأميركيون للاستماع إلى خطاب حول أزمة الطاقة التي ضربت البلاد، وهو ما كان كارتر يخطط لإلقائه في أسبوع عيد الاستقلال.

غير أن ما حدث كان على العكس من ذلك، فقد ألغى كارتر الخطاب المتوقَّع؛ ما جعل الأميركيبن يتساءلون: لماذا؟ وما الذي يخطط له؟

في مساء الخامس عشر من يوليو، ألقى كارتر بعد أن نزل من اعتكاف في جبال ماريلاند خطاباً سوف يُعرف تاريخياً باسم «خطاب الضيق»، أو فقدان الثقة.

جرت العادة أن تؤكد خطابات الزعماء الأميركيين على مفاهيم من نوعية «الاستثنائية القدرية» و«المدينة فوق جبل»، وجميع مصطلحات أميركا التي لا يمكن للعالم الاستغناء عنها، في ظل دورها الرسائلي وسط الأمم.

لكن عوضاً عن الكلمات المغلفة بالغطرسة الإمبراطورية، ألقى الرئيس الطيب ما يشبه الموعظة الدينية، التي استلهم فيها روح الآباء المؤسسين الطهرانية ومنطلقاتهم الإيمانية.

تناول كارتر في خطاب الضيق أزمة الثقة التي ضربت في قلب وروح الإرادة الوطنية، ودعا الأمة إلى التأمل في معنى وهدف وجودها، منتقداً الإغراق في المادية والأحادية.

غير أن جملة بعينها لا بد لها من أن تلفت انتباه السامعين، ويتردد صداها عبر خمسة عقود تقريباً في الداخل الأميركي.

قال كارتر: «إن تآكل ثقتنا بالمستقبل أمر يهدد بتدمير النسيج الاجتماعي والسياسي لأميركا».

يعنّ لنا أن نتساءل: هل يعيد الماضي نفسه أميركياً؟

عند كاتب أميركا الساخر مارك توين أن الزمن لا يعيد نفسه، لكن أحداثه تتشابه.

يبدو واقع أميركا اليوم، مقارنة بما كانت عليه في 1979 ضبابياً إلى حد الظلام، ومظلماً إلى حدود العتم، ويكاد الجميع يغرق في ظل اضمحلال الثقة بين الأميركيين وبعضهم بعضاً، خصوصاً في ظل حزبين متناحرين، لا متنافسين، يكاد كلاهما يقود أميركا إلى التمرد، ومِن عنده سيتَّجه الجميع حكماً نحو العصيان، لتصب الأزمة في خانة الحرب الأهلية التي يتحدث عنها كثيرون.

أميركا اليوم على حافة ما هو أخطر من عدم ملء السيارات بالبنزين؛ إذ تمتلئ الصدور بالحزازات، وإلى الدرجة التي يشكك فيها كل طرف في نتائج انتخابات الرئاسة المقبلة مسبقاً؛ ما يفتح الباب واسعاً لأحاديث التزوير، والتنبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها؛ ما يمكن أن يخلق حكومتين على الأرض، ونشوء وارتقاء رئاسة ظلّ، وهو ما لم تعرفه أميركا في تاريخها.

لا تبدو ملامح ومعالم الضيق داخلية فحسب، لا سيما في ظل تحولات مخيفة في الأزمة الروسية - الأوكرانية، الكفيلة بإدخال العالم في حرب نووية. أما عن الشرق الأوسط، فحدث ولا حرج عن الفخاخ المنصوبة في دروبه، التي يمكن أن تحوِّل المناوشات المسرحية إلى حرب إقليمية، ثم عالمية.

من سوء الطالع أنه لا يوجد كارتر آخر ينبِّه الناس ويرفع الالتباس، فالرئيس الحالي شبه مغيَّب، ونائبته منشغلة في حملة للانقضاض على المقعد الوثير، بينما المرشح الجمهوري، تكاد غيمة من الإحباط تخيم على معسكره.

ليست أميركا فقط التي تحتاج لمراجعة خطاب الضيق، بل ربما العالم برمته، إن أراد الفكاك من الهول الساطع والقادم لا محالة في الغد القريب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا واستدعاء «خطاب الضيق» أميركا واستدعاء «خطاب الضيق»



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 14:41 2023 السبت ,22 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.5 درجة في اليونان

GMT 07:39 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغجر يحبُّون أيضًا" رواية جديدة لـ"الأعرج"

GMT 15:40 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيفية اختيار لون المناكير المناسب

GMT 23:58 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

ساني يهزم نيمار في سباق رجل جولة دوري أبطال أوروبا

GMT 19:43 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

البدواوي يكشف أن "حتا" شهدت إقبالاً كبيراً من السياح

GMT 14:00 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي "إشبيلية" يرغب في التعاقد مع ماركوس يورينتي

GMT 00:51 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

التلفزيون الملون لم يدخل بيوت الآلاف في بريطانيا

GMT 00:29 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

صفية العمري تؤكّد أنها تبحث عن الأعمال الفنية الجيدة فقط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib