ذكريات ثورة 30 يونيو 2013

ذكريات ثورة 30 يونيو 2013

المغرب اليوم -

ذكريات ثورة 30 يونيو 2013

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

الحكم الشائع عن المصريين بأنهم لا يحبون الثورة؛ لأنهم راقدون على ضفاف نهر خالد ينهلون ويزرعون من مائه، ويمشون على أرضه وسط مناخ معتدل، وفي العموم فإنهم يقبلون ما تأتي به الطبيعة سواء كان ذلك في حصاد المحصول أو مطالب الحكام. ثلاثة آلاف عام مرت منذ انتهاء العصور الفرعونية، تعاقب فيها الغزاة والفاتحون، واعتمد معظمهم على ما لدى ذلك الفلاح الأصيل من موهبة حساب الشهور والمواسم، وأحوال الطقس؛ ما يجعل إنتاجه يعطي الإمبراطورية الرومانية قمحاً، أما صلاح الدين الأيوبي فقد كان يطمئن على أن جيوشه في مواجهة الصليبيين لن تموت جوعاً. مطلع القرن التاسع عشر شهد يقظة بدأت بثورة قادها عمر مكرم لكي يعطي الحكم إلى محمد علي الذي كان محض والٍ عثماني آخر. ثورة عرابي كانت أكثر تعقيداً من سابقتهاً، فمن ناحية كانت دليلاً على أن الأمة المصرية وُلدت من جديد، حيث نتجت عن «الحداثة» طبقات اجتماعية، وفرز بين المصريين والأجانب، ومولد نخبة سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة الأبعاد، وبات هناك من «المثقفين» مَن يعبّر عنها مثل عبد الله النديم وآخرين. ثورة 1919 شهدت مولد الدولة المصرية كما نعرفها اليوم حتى ولو كانت في بدايتها «مملكة»، وما انتقلت إليه «جمهورية». في الحالتين كان العالم قد بات في القرن العشرين أكثر تعقيداً مما سبق، ومعه مصر باتت الأكثر حداثة في إقليم كان لا يزال يغط في عصور قديمة. ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 لم تكن ثورة بالمعنى الشامل للكلمة، كانت «حركة مباركة» قام بها الجيش لكي يسعى من أجل جلاء الإنجليز الذين طال بقاؤهم في مصر أكثر مما ينبغي. أصبحت الحركة ثورةً، وتمددت أجنحتها في الإقليم العربي في الخارج، بينما كانت تبحث عن التصنيع والزراعة الحديثة في الداخل. بعدت فكرة الثورة، ولم تبقَ منها إلا حركات احتجاجية شاهدت أولاها مباشرة بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967 عندما خرج طلبة الجامعة أكثر من مرة يطالبون بالحرب ضد إسرائيل. وحدثت ثورة أخرى من أجل الخبز في 18 و19 يناير (كانون الثاني) 1977 وانتهت باغتيال «الإخوان» الرئيس السادات لأنه أقام صلحاً لتحرير الأراضي المصرية!

سجل الثورات في مصر لم يكن شحيحاً إذاً، ولكن طول عمر الدولة بين ألفيات عدة نثر مناسبة الخروج الجماهيري الكبير حتى بدا الاستقرار قانوناً أبدياً؛ وحدث ذلك على الأقل حتى جاءت موجة ثورية في 25 يناير 2011، كانت كما لو كانت بتعبيرات العصر الحالي «تسونامي» يجعل ما أتى بعده يختلف كثيراً عما كان قبله. الارتجاج كان كبيراً، ولا يزال، ولكنه كان كافياً لكي يجعل مصر تنظر إلى مستقبلها أكثر كثيراً مما كانت تلتفت إلى ماضيها. ورث الإخوان المسلمون الثورة، وجاء الشيخ يوسف القرضاوي لكي يستقر في ميدان التحرير بالقاهرة، مستدعياً مشهد آية الله روح الله الخميني، ساعة وصوله إلى طهران. لم يكن في مسيرة مجلس الإرشاد الذي يشابه «البوليتبرو» في الأحزاب الشيوعية ومثيلتها في الأحزاب الفاشية من واجبات السمع والطاعة ما يستحق لا الرصد ولا التحليل، اللهم إلا عودة الذاكرة إلى برنامج «الإخوان» في عام 2007 الذي كان يريد لثورة مصر أن تكون مثل تلك الإيرانية. تفاصيل ما جرى بعد ذلك لا تسعه المساحة، ويكفينا القول إن المشهد العام لم يكن مرضياً للشعب المصري ولا للقوات المسلحة المصرية، وما بينهما من روابط وثيقة فيها من العلاقات العضوية هوية مصرية نقية وخالصة.

العام الذي حكم فيه «الإخوان» كان مثيراً للغاية بعد انكشاف الاتجاه الذي يسيرون فيه، وتحلّيهم بكمية هائلة من عدم الكفاءة أو القدرة على الحكم. وعندما ظهرت حركة «تمرد» تجمع توقيعات المصريين كما فعل أجدادهم في جمع التوكيلات لسعد باشا زغلول، وتطالب بعقد انتخابات رئاسية مبكرة، جمعني عشاء مع السفير محمد رفاعة الطهطاوي وكان أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية، وسألته هل يستجيبون للمطلب الشعبي، فقال إنهم - يقصد «الإخوان» - لا يستمعون لأحد. في يوم 19 يونيو اتصل بي السفير عمر عامر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الدولة، طالباً مني مقابلته في القصر الجمهوري، وعندما ذهبت جاء بشخص يدعى أيمن ياسر رئيس مكتب العلاقات الخارجية، الذي سأل عن رأيي في الأحداث الجارية؛ ووقتها قلت إن هناك 3 مسارات: «الذهبي» وهو أن تُجرى انتخابات رئاسية جديدة، و«الفضي»، وهو أن يُجرى تغيير شامل في الوزارة ويحل محلها وزارة جبهة وطنية شاملة، و«الخشبي» وهو أن تبقى الأمور على حالها، ووقتها سوف تأخذ الطبيعة مجراها، أي الثورة. في 23 يونيو كانت لديّ محاضرة متفق عليها في الندوة التثقيفية الخامسة للقوات المسلحة عن التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري؛ وهي محاضرة وصفها أحد الحاضرين بأنها جعلت اليوم أسود نتيجة ما تتعرض له مصر من أخطار، على رأسها تهديد «الإخوان».

كان ذلك هو اليوم الذي قابلت فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى، وكان هو الذي تحدث في الندوة، معلناً أن القوات المسلحة لن تسمح لأحد بالمساس بشعرة واحدة من رأس الشعب المصري. تفاصيل ما جرى بعدها كان لقاء القوى الوطنية في 3 يوليو، ووضع خريطة للطريق، وبعد ذلك تفويض الشعب المصري لوزير الدفاع والقوات المسلحة بالقضاء على الفوضى، وفض الاعتصام في «رابعة». بدأت مصر هذه المرة في طريق آخر كانت الثورة مسلحة فيه بمشروع وطني كبير للبناء والتعمير والتنمية المستدامة، ولم تكن فيه مصر وحدها، وإنما قاسمها فيه أشقاء عرب فعلوا ما فعلوه تماماً كما حدث قبل عقود عندما خاضوا مع مصر حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بالسلاح والنفط والعون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكريات ثورة 30 يونيو 2013 ذكريات ثورة 30 يونيو 2013



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib