حديث الهدنة

حديث الهدنة...!

المغرب اليوم -

حديث الهدنة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

 

عند قراءة هذا المقال، سوف يكون قد مضت 48 ساعة على «الهدنة» في غزة، وبقيت منها 48 ساعة أخرى. في حديث نتنياهو لمجلس وزرائه، قال إنه من ضمن أسباب قبوله للهدنة المؤقتة أربعة أيام أن تقوم القوات الإسرائيلية بالإعداد للجولة القادمة من الحرب. لم يستخدم تعبير «التقاط الأنفاس»، ولا استخدمت «حماس» هذا التعبير، ولكن من المفهوم أن التفكير في إعادة الذخيرة إلى البندقية، والصاروخ إلى منصته، بينما المعركة حامية الوطيس، صعب.

بالطبع، فإن الهدنة كانت ضرورية لكل الأطراف في غزة وخارجها، فالعالم كله أراد هدنة، ربما ليغسل عاره، حيث يصعب استرداد الشرف، بينما «الخدج» من الأطفال، أي هؤلاء المولودين توًّا، لا تنفع حضانتهم في حمايتهم من العدوان أو الجوع أو حرمانهم من الأكسجين. ويبدو أننا في كل أزمة كبرى سوف نتعلم كلمة عربية جديدة، في أزمة الكورونا عُرفت كلمة «الجائحة»، التي وجدتها في القاموس تعنى «الهلاك»، وهو المعنى الأشد تعبيرًا صادقًا مع الوباء.

الآن، الأزمة تأتى من جوف التاريخ بالغ القدم، وكأنما يضعنا مباشرة أمام ما لا يوجد ما هو أحدث مثل مولد طفل، وأحيانًا لم يستكمل نموه في رحم أمه، ربما بالطبيعة، أو من الخوف، أو من المسيرة الطويلة التي هي تقليد النكبات الفلسطينية، أو من الذعر الذي تسلل عبر مئات الملايين من الخلايا إلى عقل طفل لم يُولد بعد.

مشهد «الخدج» كان هو الأشد إلحاحًا من كل مشاهد غزة، ليس لأنه لم تكن هناك مشاهد فظيعة أخرى، وإنما لأننا اعتدنا هذه الأخرى في حروبنا السابقة، أو حتى في حروب الخليج والحروب العالمية.

عرفنا حروبنا، التي أصبحت كلها أرقامًا، حتى إن قطاع غزة أصبحت لديه خمسة حروب عدًّا ونقدًا من الأرواح والأموال والمدن والمستشفيات والمدارس ونكبة رحيل البشر. لم يكن هناك فارق بين «النكبة» هذه المرة، والنكبات السابقة، نفس الهرولة، والجرى، وعربات تجرها الدواب، ومركبات تزدحم أسطحها بالبشر والقليل الذي يحتاجونه من غطاء.

الطريق إلى الهدنة لم يكن سهلًا، كانت للعالم كله مصلحة في التخلص من الأنين، وفى المنطقة، فإن الواجب جعل القمم تتوالى، وكان صعبًا علينا أن نفهم لماذا لا يتحرك «المجتمع الدولى»؟، ولماذا لا يعرف أحد شيئًا عن «حقوق الإنسان»؟، ولدى مجموعات منّا هل يمكن مخالفة «القانون الدولى» بهذه السهولة؟.

المسألة في كل جوانبها دائمًا أعمق وأعقد من كل ما نعرفه، وبشكل ما، فإن التاريخ يثقل بثقله حين يحل «الهولوكوست» والنكبة إلى كفتى الميزان دون معرفة أننا نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين. على أي الأحوال، فإن ساعات الهدنة تبدأ بالعمل الشاق للاستعداد للجولة التي تليها؛ ولكن الحالمون بالسلام يحتاجون أيامًا أكثر للإنقاذ وربط الجراح والتعامل مع الحالات الإنسانية، وربما التفكير في طريق للسلام.

الحقيقة هي أن مَن أسهم في التوصل إلى الهدنة، القطريين والمصريين بشكل خاص، نجحوا في وضع قاعدة، ربما تفيد في إطالة مدى وقف القتال، ربما، ومَن يعلم، فقد يكفى الأمر للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. القاعدة هي أنه في مقابل إطلاق كل عشرة رهائن لدى الفصائل الفلسطينية المقاتلة- أساسًا حماس والجهاد الإسلامى- فإن إسرائيل مستعدة لإطالة وقف إطلاق النار 24 ساعة إضافية.

الأمل هكذا كبير، فحماس ورفاقها لديهم 240 رهينة، سوف يطلق منهم 50 خلال أيام الهدنة الأربعة، وسوف يبقى لديها ما يكفى 19 يومًا إضافيًّا. إسرائيل بالمقابل لديها أكثر من 8000 أسير وأسيرة، ويمكنها أن تقدم ما يقابل ذلك. الوسطاء ربما تكون لديهم فرص إضافية.

ما وصلنا إليه ربما تبدو فيه روائح للتفاؤل، وهذا ليس من تقاليد الحروب العربية الإسرائيلية، وفى عام 1948 كان هناك أكثر من هدنة انتهت إلى أكبر فوز عرفه الإسرائيليون، وكبرى الكوارث التي عرفها الفلسطينيون.

ولكن التفكير في أن التاريخ لا يعرف إلا كيف يعيد نفسه هو خرافة قائمة على تعميم ما لا يعمم لأن الزمن لا ينزل في نفس النهر مرتين لأن العالم الذي وضع حرب أوكرانيا جانبًا لا يستطيع الابتعاد عنها كثيرًا، خاصة أن هناك فرصة لحل الدولتين، وعودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى مكانها مرة أخرى.

ولأن العالم العربى يعرف الآن الإصلاح والتنمية، ويريد الاستقرار الإقليمى، وهناك مسارات سلام جرَت من قبل وأخرى كانت في الطريق، واستكمال ذلك يتطلب البداية الجديدة بوقف أكثر ديمومة لإطلاق النار. الضغوط سوف تكون كثيرة، ومَن يعلم إلى أين سوف تنتهى هذه الهدنة؟!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث الهدنة حديث الهدنة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib