ماذا يفعل ترامب بالولايات المتحدة

ماذا يفعل ترامب بالولايات المتحدة؟!

المغرب اليوم -

ماذا يفعل ترامب بالولايات المتحدة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

كنت فى الولايات المتحدة معظم عامى ٢٠١٥ و٢٠١٦ حيث كانت الفترة الحرجة للانتخابات الرئاسية الأمريكية والتى أدت إلى انتخاب «دونالد ترامب» رئيسا. وقتها كانت ظروفى تمثل حالة من التفرغ التام لمتابعة المنافسة بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، والمناظرات داخل كل حزب؛ وبحكم المهنة فى العلوم السياسية كانت الوقائع مثيرة ومخيفة. لم يكن ترامب مرشحا عاديا، بل إنه كان خارجا عن كل الأعراف والتقاليد المرتبطة بالانتخابات التى كانت مصدر فخر للدولة والشعب الأمريكى. واجه الرجل وقتها ١٧ مرشحا فى الحزب الجمهورى قام بسحقهم بلسان سليط كان حفنة منه فى أزمنة سابقة كافية بالإطاحة به خارج الحلبة؛ وظهر أنه مدرع ضد المحاسبة على حياته الجنسية التى تفجرت مع احتدام المنافسة بما فيها شرائط تسجيل يتحدث فيها عن تحرش ضد النساء؛ وفى صفاقة غير معهودة فإنه خرج عن قواعد نشر صحيفته الضرائبية وما علق بمشروعاته من مؤاخذات عنصرية ومالية.
فيما بعد فإن محاميه «مايكل كوهين» وصفه بأنه كان مشابها لزعماء «المافيا» معتبرا إياه «مافيوزو» من الطراز الأول. وقتها كان لى تعليق دائم فى محافل الرأى؛ أن الرجل سوف يأخذ الولايات المتحدة أرضا، وكذلك سوف يفعل بالعالم كله، فهو خارج على كل القواعد العالمية والأمريكية. وقد صدق حدسى عندما استمرت المراقبة طوال فترة رئاسته الأولى حيث بذل جهدا فائقا فى تقويض المؤسسات الأمريكية، وكذلك الحزب الجمهورى نفسه الذى يتزعمه حيث حوله من حزب إبراهام لينكولن محرر العبيد، إلى حزب عنصرى يتعامل أعضاؤه معه كزعيم وليس كقائد للحزب. وعندما جرت الانتخابات التالية وفاز فيها جوزيف بايدن فإنه فعل ما لم يفعله مرشح من قبل عندما شكك فى نتائج الانتخابات الأمريكية مؤكدا أنها قامت على «التزوير»، وبعدها حاول منع عمليات التصديق على النتائج فى مراحلها المختلفة، وأخيرا عند التصديق النهائى فى الكونجرس بقيادة نائبه مايك بنس حرض مؤيديه من الجماعات العنصرية المختلفة على مهاجمة «الكونجرس» فى ٦ يناير ٢٠٢١.

الغريب فى كل ذلك أن سيطرة وهيمنة ترامب على الحزب الجمهورى باتت غير مسبوقة، فالرجل رفض تماما المناظرات مع منافسيه فى دورة الانتخابات الراهنة، وبدلا من الإطاحة به كانت النتيجة الإطاحة بكل المرشحين الآخرين. والآن فإن ترامب بات تركيزه على المؤسسة القضائية الأمريكية حيث ركز على انتقادها فى أعقاب قيام المحلفين فى محكمة مانهاتن بولاية نيويورك بإدانته فى ٣٤ جنحة فى قضية «رشوة الصمت» أو «Hush Money» وقدرها ١٣٠ ألف دولار التى دفعها المتهم من أموال الحملة الانتخابية لبطلة أفلام إباحية مقابل سكوتها. حكم المحلفين وضع واقعة غير مسبوقة فى التاريخ الأمريكى لإدانة رئيس أمريكى سابق، خاصة أن حبل القضايا لا يزال فى أوله حيث هناك قضايا تتعلق بالحصول على وثائق رئاسية لا يحق له الاحتفاظ بها، وتحريض جماهير للهجوم على مبنى الكونجرس فى ٦ يناير ٢٠٢١، مع حزمة من قضايا الضرائب. الغريب أنه طوال فترة الحملة الانتخابية لم يكن هناك ما يدعو للاعتقاد أن قاعدة ترامب الانتخابية تتأثر بما يجرى فى ساحة القضاء وبقى الرئيس السابق متفوقا على الرئيس الحالى فى استطلاعات الرأى العام بما مقداره ١٪.

وفى أعقاب صدور الحكم فإن الالتفاف جرى حوله من قبل الأعضاء البارزين فى الحزب ويتولون مناصب مرموقة فى المؤسسات المختلفة، ومن عجب أن المرشحين الجمهوريين لعضوية مجلسى النواب والشيوخ ومناصب حكام الولايات، جميعهم ظلوا على تأييده رغم صدور حكم المحلفين.

فى كتابات سابقة نظرت إلى ترامب باعتباره حالة من حالات تأثير الفرد على التاريخ، الفرد فى التاريخ يحاول أن يكون متحديا لما هو سائد ومعتاد ومستقر عليه؛ ولم تكن هناك صراحة أكبر من تلك التى قال بها ترامب إنه سوف يقوم بإزعاج النظام القائم، ولعل كلمة «Disruptive» التى استخدمها كثيرا أكبر من كلمة الإزعاج فى اللغة العربية، هى باختصار تبعثر ما هو قائم وتدفعه دفعا فى اتجاهات مختلفة. هى من «المُربكات» التى تمنع الاتساق والاستمرارية والاستدامة. والحقيقة أن دور الفرد فى التاريخ يصبح متزايدا عندما يكون له «رؤية» مختلفة، ولديه من التصميم ما يكفى لوضع هذه الرؤية موضع التطبيق. وترامب يبدو لديه مثل هذه النظرة فى ثلاثة اتجاهات: أولها فى اتجاه الولايات المتحدة التى يراها فى مؤسساتها الراهنة فاقدة للعظمة التى هى قدرها؛ ولذا فإن أمريكا لن تكون عظيمة مرة أخرى ما لم تتخط تقاليد ليبرالية جعلتها ضعيفة ومخترقة الحدود، ويرى خداعها كل يوم فى المنافسة الدولية. الأعداء يتربصون بها، أما الأصدقاء والحلفاء فإنهم يستغلونها، ويركبون على قدراتها للحصول على خدمات مجانية. وثانيها فى اتجاه النظام الدولى الذى لا يوجد فيه ما يحسب حسابه موضوعيا من حيث القدرة إلا روسيا التى لديها ما يوازن ويردع الولايات المتحدة، أما البقية الباقية من الدول فإنهم محض تفاصيل.

العالم لدى ترامب ليس متعدد الأقطاب، وإنما فيه قطبان إذا ما جرى التوافق بينهما فإن قضايا العالم المختلفة يمكن التعامل معها. النتيجة الطبيعية لذلك هى أن توافقا أمريكيا روسيا أو «Condominium» يمكنه أن يحد من الطموحات الروسية من ناحية، ويجعل أمريكا فى غير حاجة إلى حلفائها من ناحية أخرى. وثالثها أن الليبرالية الأمريكية فى صياغتها الجمهورية أو الديمقراطية فإنها تعبر عن «مؤسسة» عرضت أمريكا والأمريكيين لأخطار بالغة نتيجة ما بات معروفا «بالعولمة»، ولا يمكن التخلص منها إلا بسياسات مضادة تقوم على العزلة والإجراءات الحمائية، وفك أسر الولايات المتحدة من المنظمات الجماعية الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها.

الفرد فى التاريخ فى العادة له «كاريزما» شخصية وهذه متوافرة لدى ترامب بغزارة؛ ولكن أهم ما لديه هو الأفكار الزاعقة التى من الجائز أن تخطر ببال آخرين لكنهم لا يتحدثون عنها خوفا من الإحراج. ولكن «الكاريزما» لديه تقترب من الوقاحة، وضحاياها فى المرحلة الحالية تقع إزاء النظام القضائى الأمريكى؛ وكان هو الذى عرضه لخطر بالغ عندما استغل فترة رئاسته فى تغيير تركيبة المحكمة الدستورية العليا بحيث بات عدد القضاة المحافظين وأصحاب الميول الجمهورية ستة بينما بقى معارضيهم ثلاثة من الليبراليين. ولذا فإن الأرجح هو أنه سوف يسعى للدخول إلى سلسلة من قضايا الاستئناف الذى تصل به إلى المحكمة الدستورية العليا؛ وفى الطريق فإنه سوف يفعل مع المؤسسة كلها ما فعله من قبل فى النظام الانتخابى. المعضلة الكبرى التى تواجه الأمريكيين، وربما العالم كله بحكم ما للولايات المتحدة من تأثير، هى أن ترامب يواجه الرئيس بايدن الذى رغم الواقعة التى ألمت بمنافسه، فإنه لم يحقق اختراقا إلى الناخبين بسبب عمره وحالته الصحية ومراوحة فى سياسته الخارجية سواء كانت فى الحرب الروسية الأوكرانية أو فى حرب غزة الخامسة فى الشرق الأوسط

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يفعل ترامب بالولايات المتحدة ماذا يفعل ترامب بالولايات المتحدة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib