ما بعد غزوة الدوحة

ما بعد غزوة الدوحة!

المغرب اليوم -

ما بعد غزوة الدوحة

عبد المنعم سعيد
بقلم : عبد المنعم سعيد

بعد قرابة عامين من عملية «طوفان الأقصى» التى سجلت غزوة حماس للإطار الإسرائيلى القريب، وما تبعها من غزوات عدة قامت بها إسرائيل كان آخرها حملات «عربات جدعون» الأولى والثانية، وما شكلته من امتدادات إلى الجوار القريب فى سوريا ولبنان، ثم البعيد إلى إيران واليمن؛ فإن حرب غزة الخامسة وصلت إلى نقطة أخرى فارقة عندما جرت عملية «قمة النار» فى التاسع من سبتمبر 2025.

العملية جاءت وسط سباق صعب بين ما تقوم به إسرائيل من تعميق الحرب فى القطاع المكلوم الذى تراكمت فيه المجاعة مع القتل والتدمير. كانت العملية لاصطياد قادة حماس على أرض دولة عربية تقوم بدور الوساطة مع مصر والولايات المتحدة الأمريكية. لم يكن الفشل فقط هو نصيب الهجوم المفاجئ، وإنما أكثر من ذلك، إذ ولّد سلسلة من الألغاز حول مشاركة الولايات المتحدة، وخلق حالة من الانزعاج حول مصير الجهود الدبلوماسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحول «إعلان نيويورك» الذى مثل خريطة طريق فى اتجاه وقف إطلاق النار والتسوية السياسية والسلام فى النهاية.

«قمة النار» رغم فشلها خلقت تعميقًا للعدوان على غزة وسكانها من ناحية، وارتفاعًا كبيرًا فى العمل الدبلوماسى الذى يقدم الدعم لقطر ويعقد مؤتمرًا كبيرًا فى الدوحة يجمع الدول العربية والإسلامية. أصداء إعلان نيويورك فى إسرائيل لم تخلق مناخًا مشجعًا، وإنما دفعت نتنياهو أكثر فى اتجاه مطاردة قيادات حماس أينما وجدت. المدهش أن حماس هى الأخرى، وهى تشهد الواقع المرير فى غزة، ظلت على مناوراتها فيما يخص إطلاق الرهائن وإبداء الاستعداد لتسليم سلاحها للسلطة الوطنية الفلسطينية.

طريق السلام الآن ليس أقل تعقيدًا مما كان عليه منذ بدء الصراع والحرب. فبعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق أوسلو مع إسرائيل، وتبعتها الأردن فى وادى عربة على اتفاقية سلام مع إسرائيل. وفى 2020 جرى التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية للسلام والتطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. حصل خمسة من القادة الذين شاركوا فى هذه الاتفاقيات على جائزة نوبل للسلام: محمد أنور السادات، ومناحيم بيجين، وياسر عرفات، وإسحق رابين، وشيمون بيريز.

وبين هذه الاتفاقيات وما اعتراها من نجاح أو فشل، كانت هناك كثرة من المبادرات للتوصل إلى سلام نهائى وشامل بين العرب والإسرائيليين مثل مباحثات الحكم الذاتى، ومبادرة الملك فهد، ومبادرة السلام العربية، ومفاوضات كامب ديفيد وطابا، وإعلان جنيف، وخريطة الطريق، وجهود اللجنة الرباعية للسلام التى ضمت الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى. فالحقيقة هى أن البحث من أجل السلام لم يكن أقل إصرارًا ولا أقل جهدًا من الحرب. ولكن، للأسف، فإن الدراسات عن الحروب العربية مع إسرائيل كانت أشد غزارة بكثير من بحوث السلام، مما ولّد شعورًا بالإحباط لدى الرأى العام الإقليمى والدولى. كان اليأس دائمًا يتغلب على الفرص التى تجعل السلام ممكنًا حتى بعد حروب مدمرة ودامية. حرب غزة الخامسة ليست استثناء، حيث تتنازعها شدة القتال بينما جهود وقف إطلاق النار الممهدة للسلام تبدو بعيدة عن النظر. الأمر فى جوهره يتطلب نظرة جديدة ليس فقط على تكرارية الحروب وتتابعها وشدة قسوتها، وإنما أيضًا على أساليب السلام وتوجهاته. الثابت هو أن تجارب السلام المستقرة السابقة قد جرت أولًا من دول وطنية ملتفة حول قيادتها دون انقسام أو تشتت، وثانيًا أنها جرت مباشرة ووجهًا لوجه، وثالثًا أن الولايات المتحدة، وإن أيدت جهود السلام من قِبَل طرفيها، لم يكن لها دور جوهرى، وإنما كانت المصالح القومية للدول هى الحاكمة.

فى الحالة المقابلة فإن الانقسام الفلسطينى، الذى كان لإسرائيل فيه دور كبير، نقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أنه عندما يقدم كل التأييد لحركة حماس فى انفصالها عن السلطة الوطنية والضفة الغربية فإنه يكون قد منع الدولة الفلسطينية من الوجود.

المسألة بعد «غزوة الدوحة» بمثابة شد الحبل بين المضى قدمًا فى مسار «إعلان نيويورك» من خلال دور إقليمى مباشر للدول العربية الرئيسية مع إعطاء مقدمة التفاوض لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ أو أن الغزوة الأخيرة سوف تقود إلى ما هو أوسع وأكبر من القتال. أخذًا لذلك فى الاعتبار، فإن المشروع العربى الإقليمى للسلام لن يكون فقط من أجل تسوية الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، وإنما أيضًا إقامة سوق إقليمية واسعة قائمة على التنمية، تعزز المصالح الوطنية للدول العربية. الطريق إلى ذلك يبدأ بإنشاء تآلف عربى للدول التى أقامت بالفعل دولة وطنية ذات هوية متميزة ولا تعرف الانشقاق أو الحرب الأهلية، ولها مصلحة قائمة فى السلام الإقليمى، ولا ينتهى بإعادة تشكيل النخبة السياسية الفلسطينية لإقامة دولة وطنية مستقلة لا تعرف فصلًا للسلاح عن السلطة السياسية الشرعية. وأخيرًا إدماج إسرائيل واستيعابها فى المنطقة كدولة تشارك فى بناء إقليم مزدهر يبدأ بالبناء على تجربة منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، مع توسعه فى إقليم آخر للرخاء المشترك فى شمال البحر الأحمر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد غزوة الدوحة ما بعد غزوة الدوحة



GMT 15:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الاعتراف بفلسطينَ اعتراف بإسرائيل

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام

GMT 15:27 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

تحقيقٌ صحافي عن عبد العزيز ومن عبد العزيز

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية

GMT 15:15 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

حكاية الطبيب والأميرة ديانا!

GMT 10:37 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الرضا مرة أخرى

GMT 10:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

محمد سعد يبحث عن العصافير!

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

وزارتان لوزير البترول

وفاء الكيلاني وتيم حسن يخطفان الأنظار في "الموريكس دور" وأناقة لافتة للثنائيات

بيروت - المغرب اليوم

GMT 22:04 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

نظام غذائي يكشف أسراره في التخفيف من التهاب المفاصل
المغرب اليوم - نظام غذائي يكشف أسراره في التخفيف من التهاب المفاصل

GMT 21:14 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 16:40 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تراجع قياسي جديد للروبل إزاء الدولار واليورو الجمعة

GMT 20:01 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

الإسباني خوان كارلوس غاريدو مدربا لنادي الرجاء

GMT 14:05 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

أهم و أبرز اهتمامات الصحف العراقية الصادرة السبت

GMT 04:31 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إنجذاب الشباب إلى موضة تامر حسني البسيطة

GMT 16:50 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس إدارة نادي الرجاء البيضاوي يهاجم سعيد حسبان

GMT 23:43 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

4 نجمات خارج المنافسة في رمضان 2025 أبرزهم نيللي كريم ويسرا

GMT 10:39 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

حيل سريعة لارتداء الجينز بطرق أنيقة للحصول على مظهر أنيق

GMT 19:01 2023 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

سجال أنغام و أفيخاي أدرعي يحظى بتفاعل لافت في مصر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib