بقلم - سليمان جودة
إذا تكلمنا عن تقديم الولاء للأوطان على ما سواه من الولاءات فى المنطقة، فإن وجه وليد جنبلاط، الزعيم الدرزى فى لبنان، يتجلى أمامنا على أوضح ما يكون، ولا ينافسه فى ذلك إلا على السيستانى، المرجع الشيعى فى العراق.
والذين تابعوا محاولات إسرائيل دس أنفها فى قضية دروز سوريا، لا بد أنهم قد لاحظوا أن هذا المعنى قد تجلى لدى جنبلاط على أحسن ما يكون.. فحكومة التطرف فى تل أبيب، برئاسة نتنياهو، توغلت ولا تزال فى الجنوب السورى، وهى تقول إنها تفعل ذلك لحماية الدروز هناك.. وهذا كذب فى كذب.. فلم تكن تل أبيب مهتمة بالدروز فى أى يوم، ولكنها تريد استغلال وجود حكومة جديدة فى دمشق لتحقيق ما تستطيعه من مكاسب، وتمارس ما تفعله تحت لافتة زائفة هى حماية الدروز كطائفة فى سوريا.
والموضوع كله محاولة للصيد فى الماء العكر، ومحاولة لزرع الفتنة مرة، أو بث الوقيعة مرةً ثانية، ولكن وعى جنبلاط يظل فى انتظارها فى كل المرات. إن موقفه الثابت أن الدروز جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن مستقبلهم هناك، لا مع الإسرائيليين، وأن على كل درزى أن ينتبه حتى لا تستغله إسرائيل ضد وطنه الأم، أو توظفه لصالحها ضد حكومة وطنه الأم.
ولم يشأ الزعيم اللبنانى الدرزى أن يكتفى بذلك، ولكنه طار إلى العاصمة السورية أكثر من مرة، وفيها التقى الرئيس أحمد الشرع. وقد كان، وهو يطير ويزور، يدعو إسرائيل إلى أن توفر وقتها وجهدها، وكان يقطع الطريق على محاولاتها المستميتة التى لا تتوقف.
وقد بلغت إسرائيل فى محاولاتها التى لا تعرف اليأس، إلى حد أنها نقلت دروزًا أُصيبوا فى اشتباك مع قوات الأمن السورية جنوب دمشق ليتلقوا العلاج فى تل أبيب!.. إلى هذه الدرجة تريد أن تبدو فى نظر الدروز رحيمةً بهم، وحريصةً عليهم.. ولكن وعيًا من نوع وعى جنبلاط يبقى فى انتظارها، وكان ولا يزال يُفسد عليها كل ما تحاوله.
ومن قبل، كان المرجع على السيستانى يدعو شيعة العراق إلى أن يضعوا العراق قبل كل شيء، وأن يقدموا ولاءهم له على أى ولاء آخر، وألا يلتفتوا إلى ما يمكن أن يشدهم خارج الحدود، لأنهم فى العراق أصحاب وطن قبل أن يكونوا فرقة ولا طائفة.
نموذج جنبلاط فى لبنان يحتاج إلى أن يكون متاحًا فى كل بلد عربى، وكذلك نموذج السيستانى، فكلاهما يضىء الطريق أمام الذين لا يُبصرون كما يجب، وكلاهما يقطع الطريق على كل طامع، أو مفسد، أو ناشر للفتنة... كلاهما عُملة نادرة فى حاجة إلى أن تتحول إلى عُملة رائجة.