بقلم : سليمان جودة
أضع يدى على قلبى وأنا أسمع ما يقوله مسعد بولس، كبير مستشارى ترامب للشؤون العربية والإفريقية، عن أن بلاده تخشى تكرار السيناريو الليبى فى السودان!.
أما السيناريو الليبى فالمقصود به وجود حكومتين فى البلاد: واحدة فى العاصمة طرابلس فى الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وأخرى فى بنغازى فى الشرق برئاسة أسامة حماد، وبينهما ضاعت بلد العقيد القذافى وتضيع.
وأما أن الولايات المتحدة تخشى وجود هذا السيناريو فى السودان، فإننى أشك فى ذلك على طول الخط، وأكاد أقول إن إدارة ترامب تسعى إلى وجود هذا السيناريو، أو أنها تساعد عليه من طرف خفى وربما غير خفى كذلك، وفى أقل القليل فإنها لا تمانع وجوده إذا سألوها الرأى.
إن الحرب فى السودان بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع دخلت عامها الثالث فى ١٥ إبريل من هذه السنة، أى أنها بدأت فى أيام الرئيس بايدن، وعلى مدى العامين ونصف العام كانت الولايات المتحدة ترسل مبعوثاً من عندها إلى الخرطوم وتسحب مبعوثا آخر، ولم يغير مبعوثوها من الأمر فى شىء، بل ازدادت الأوضاع تعقيدا. باختصار كانت سياسة واشنطن فى أيام بايدن ثم فى أيام ترامب، هى نفسها سياستها إزاء كل قضية تتعرض لها حول العالم، وهى سياسة تقوم على إدارة الأزمة القائمة لا حلها، ولا تكون النتيجة إلا إطالة أمدها إلى ما شاء الله.
وأنت لا تستطيع فى الحقيقة أن تلوم واشنطن على ذلك، لا لشىء، إلا لأنها تعمل فى الاتجاه الذى تراه محققا لمصلحتها، والذنب فى المنطقة ذنبنا فى النهاية لا ذنب أمريكا. إن القضية تخص السودانيين فى الدرجة الأولى، ثم تخص كل بلد عربى من بعدهم، وإذا كانوا قد سمحوا لليد الأمريكية أن تمتد لتلعب فى الملف، فالمسؤولية تقع عليهم لا على الأمريكيين.
مصر من ناحيتها كانت واضحة وضوح الشمس، وكان موقفها الثابت ولا يزال أنها ضد أى كيانات موازية فى السودان. والمعنى أن العالم يعرف أن حكومة سودانية كانت موجودة دائما فى الخرطوم، وهذه الحكومة هى التى لابد أن تظل موجودة، وما عداها كيانات مصنوعة لا اعتراف بها من أى عاصمة الآن، ولا يجب أن ينشأ مثل هذا الاعتراف فى المستقبل.
السودان كان للسودانيين على الدوام وسوف يظل، ولن يغير وجود كيان اسمه قوات الدعم السريع من هذه الحقيقة فى شىء، لكنه كيان يعيد البلاد عقودا إلى الوراء، ويضع البلاد خارج العصر.