هذه الجريمة البيضاء

هذه الجريمة البيضاء

المغرب اليوم -

هذه الجريمة البيضاء

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

جاء زمان كان فيه مسرح الهوسابير يضىء منطقة وسط البلد، وكانت الإعلانات فى التليفزيون لا تتوقف عن العروض التى يقدمها، وكان نجوم الكوميديا الكبار يتعاقبون فى تقديم أعمالهم من فوق خشبته، وكان فى المقدمة منهم فؤاد المهندس، وعادل إمام، وسمير غانم، وعلاء ولى الدين.. وغيرهم كثيرون.

ثم جاء زمن آخر انطفأت فيه أضواؤه، ولم يعد كما كان، واختفى اسمه بعد أن كان على كل لسان، ولكن المنتجة أروى قدورة أعادته إلى الحياة، وقدمته إلى جمهور المسرح فأضاءت جوانبه، وكان ذلك من خلال مسرحية «جريمة بيضاء»، التى كتبها زميلنا الأستاذ يسرى حسان، وأخرجها سامح بسيونى، وحشد لها عددًا من الفنانين الشباب البارعين، الذين أسعدوا جمهورهم مع كل ليلة عادوا فيها يقفون أمامه على خشبة المسرح.

وقد أخذ يسرى حسان مسرحيته عن رواية «العُطْل» للأديب السويسرى فريدريش دورنمات، الذى عرفناه بأعمال شهيرة، من بينها: «زيارة السيدة العجوز» و«رومولوس العظيم» ثم «هبط الملاك فى بابل»، التى كان الراحل الكبير أنيس منصور قد نقلها إلى العربية.وعندما وقف المخرج يخاطب الجمهور قبل العرض أشار إلى أن المسرحية باللغة الفصحى، وأن تقديمها بغير العامية كما جرت العادة يظل مجازفة فى ظنه.. ولكنى أعتبرها ميزة لا مجازفة لأن العرب كلهم لا يزالون قادرين على فهم بعضهم البعض بالفصحى وحدها، فإذا تخاطبوا بالعامية صاروا ٢٢ دولة!.. والمعنى أن الفصحى تجمع ولا تُفرّق، وأن العامية تفعل العكس، وأن علينا أن نُعيد إحياء الفصحى فيما بيننا دائمًا، فلا نخجل من ذلك، ولا نجد فيه أى حرج، ولا نرى موجبًا للاعتذار مسبقًا للجمهور.

ولا تزال الجريمة البيضاء هى التى لا نص فى القانون يعاقب عليها، ورغم أنها تضر فى كل أحوالها، فإن مرتكبها يفلت من العقاب، كما أن القانون يقف أمامها موقف العاجز.. مثلًا: إذا كان موظف فى شركة يعامل المترددين عليها بغلظة، ويعبس فى وجوههم دائمًا.. فهذه جريمة تؤذيهم، وتجرح مشاعرهم، وتصيبهم بالإحباط، ولكن لا عقاب عليها، ولا نص فى القانون يلاحق مرتكبها.. وتستطيع أن تقيس على ذلك عشرات الجرائم التى تتجاوز بضررها الفرد لتصيب الدولة والاقتصاد!.

وربما كان هذا هو السبب الذى جعل دورنمات ومن بعده يسرى حسان يسعيان إلى تجسيد هذا المعنى على المسرح، أما أبطال القصة فثلاثة، أحدهم كان قاضيًا، والآخر كان وكيلًا للنيابة، والثالث كان محاميًا، وكانوا قد تقاعدوا جميعًا، ثم اختاروا قرية بعيدة يقيمون فيها، وهناك كانوا يُعيدون تقديم المتهمين لمحاكمات جديدة، محاكمات لا تلتزم بنصوص قانونية بالية، ولا بأدلة مادية لا تتوفر فى الكثير من الحالات!.

المثل الشعبى يقول إن «الشاطرة تغزل برجل حمار».. وبالقياس، فإن الذين أخرجوا هذه المسرحية إلى النور قد غزلوا بإمكانات مادية بسيطة للغاية، ولأنهم شطار، فإنهم قدموا عملًا مسرحيًّا ممتازًا، وأتاحوا سهرة رائعة لكل الذين شاهدوا العرض، وأثبتوا من جديد أن المسرح هو أبوالفنون، وأنه سيظل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذه الجريمة البيضاء هذه الجريمة البيضاء



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق في الأبيض بإطلالات عصرية ولمسات أنثوية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:26 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل ريفي في بريطانيا من وحي تصميمات روبرت ويلش

GMT 11:35 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّن حديقة منزلك مع هذه الفكرة الرائعة بأقل تكلفة

GMT 17:00 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يسعى للفوز بذهبية أولمبياد باريس

GMT 06:20 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

230 ألف شخص يشيعون بيليه إلى مثواه الأخير

GMT 15:10 2022 الأربعاء ,23 آذار/ مارس

شركة "توتال" الفرنسية توقف شراء النفط من روسيا

GMT 20:10 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مشروع قانون لتنظيم أسعار المحروقات في المملكة المغربية

GMT 14:16 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

فساتين سواريه للنحيفات المحجبات

GMT 23:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تعرف على قائمة الأسعار الجديدة للسجائر في المغرب

GMT 15:22 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 20:49 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أسعار مازدا mazda 3 في مصر

GMT 21:11 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شركة أميركية ترصد صورًا لأهم أحداث الكوكب خلال العقد الماضي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib