من زهران إلى خان كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

المغرب اليوم -

من زهران إلى خان كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

تقرأ عن زهران ممداني الفائز بمنصب العمدة في نيويورك، وتقرأ عن الآمال العريضة التي يضعها كثيرون بيننا على كتفيه، فلا تملك إلا أن تعود إلى أسطورة يونانية قديمة، ربما تسعفنا في وضع الأمر في إطاره الصحيح.

الأسطورة تقول إن رجلاً أقام فندقاً على جانب من الطريق، ولم تكن القضية أنه أقام فندقاً يؤوي إليه المسافرون، فما أكثر الذين أقاموا فنادق على كل طريق، ولكن القضية كانت أنه طلب ممن صمم الفندق أن يجعل جميع الأَسرّة مقاساً واحداً لا يزيد ولا ينقص. ولما راجعه المصمم وأفهمه أن الناس ليسوا سواء في الطول ولا في الوزن، ردّ فقال إنه يعلم ذلك، وإن عنده حلاً لهذه المسألة.

كان إذا نزل عنده مسافر طويل جزّ الطول الزائد في جسده، بحيث يكون مقاس الجسد بعد الجز على مقاس السرير بالضبط. وكان إذا صادف مسافراً قصير القامة راح يمط في جسده، لعله يأتي في النهاية على قدر طول الفراش الذي سيقضي الرجل ليلته عليه.

وهكذا اشتهر الفندق في الأسطورة اليونانية بأنه النُّزل الذي يجعل الزبائن على مقاسه هو، وأنه الفندق الذي يرحب بالمسافرين الذين يخضعون لضوابطه ومقاييسه، وأنه في آخر المطاف يصبّهم في قالب واحد لا يتغير ولا يتبدل.

شيء من هذا المعنى تجده في ممداني، أو بالأدق في ما سوف يكون عليه أن يقدمه من موقعه الجديد في مدينة اشتهرت بأنها المدينة الأكبر للمال والأعمال في العالم. فالعمدة الفائز معروف عنه أنه أقرب إلى اليسار الاقتصادي منه إلى اليمين الذي ينتمي إليه الرئيس ترمب مثلاً، وقد كان ترمب صريحاً حين اتهمه بأنه شيوعي، وكان يفعل ذلك معه على سبيل تخويف أهل المدينة، وخصوصاً الأثرياء بينهم من انتخابه.

ولكنهم انتخبوه وخيّبوا ظنّ ساكن البيت الأبيض، ولم يكونوا غائبين عن الوعي، وهُم ينتخبونه هو، لا المرشح المنافس، وإنما كانوا على نوع من الوعي الخفي بأن نيويورك بالنسبة للعمدة الفائز هي بالضبط كالفندق في الأسطورة القديمة.

إن رجلاً مثل زهران ممداني لا يمكن أن يصل إلى موقع العمدة في مدينة بحجم نيويورك، إلا بعد أن يكون قد مرّ بآلة غير مرئية تجعله على توافق مع المدينة، ومع النُّظم الحاكمة لها، والقوانين التي تحكم حركة المال فيها، والقواعد التي تمشي على أساسها، والتقاليد التي تعرفها وتلتزم بها منذ كانت بالصورة التي نراها عليها ونعرفها بها.

تسمع ما يقوله بعض أصحاب النوايا الحسنة بعد فوز الرجل، فتشعر وكأن العمدة الفائز سوف يدعو أبناء المدينة إلى إطلاق لحاهم وتقصير جلابيبهم، وسوف يطلب من نسائها ارتداء الحجاب، وسوف يرفع الأذان في سمائها عند موعد كل صلاة، وسوف يفرض ما تقول به الشريعة على المقيمين فيها، وسوف... وسوف... مما تفهمه إذا ذهبت تطالع الكثير المنشور عن فوزه، وعما هو منتظر منه، وعما سوف يلحق بمدينة المال والأعمال على يديه.

طبعاً هذا ليس تقليلاً من شأن فوزه الكبير، ولا من قيمة المفاجأة التي حقّقها بالفوز غير المتوقع، ولكن ما يقوله هذا الفوز يظل داخل الإطار الأميركي، ويظل على علاقة بما بين الجمهوريين والديمقراطيين من سباق سياسي، أكثر مما هو على علاقة بغير ذلك خارج الحزبين، ويظلّ مؤشراً سياسياً في الداخل الأميركي، أكثر من أي مؤشر آخر.

العمدة الفائز سوف يدخل «القالب النيويوركي» إذا صحّ التعبير، بل تستطيع أن تقول إنه دخله قبل أن يفوز، وإلا، ما كان في الأصل قد فاز، وسوف تجده منخرطاً في القالب الأميركي، الأكبر من القالب النيويوركي، وسوف تراه وهو يستجيب لأشواق أهل نيويورك من أصحاب المال والأعمال، ومن غير أصحاب المال والأعمال، وسوف يكون كأنه نزيل في الأسطورة اليونانية القديمة، وسوف تكون نيويورك كأنها الفندق في الأسطورة نفسها، وبكل المعاني التي أرادت تلك الأسطورة أن تقولها في وقتها، ثم في غير وقتها عندما يكون علينا أن نستدعي معناها.

وما يقال عن زهران ممداني يمكن أن يقال عن صديق خان في عاصمة الضباب أيضاً، فكل منهما مسلم، هذا صحيح، وكل منهما ملتزم بدينه، هذا صحيح كذلك، ولكن الأصح أن كل منهما يترك ما يخصّه خارج دار العُمدية، ويتصرف على أساس ما يخص المدينة التي يجلس على رأسها، وبما يتوافق مع تقاليدها وأعرافها المرعية. وما عدا ذلك آمال أطلقها الناس الطيبون في المدينتين وخارجهما عند فوز الرجلين، وبغير أن يراجعوا المعنى المستقر في الأسطورة القديمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من زهران إلى خان كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة من زهران إلى خان كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة



GMT 18:33 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يدور على ذاته… وسوريا في البيت الأبيض!

GMT 18:30 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

عهد أحمد الشرع يبدأ من واشنطن...

GMT 11:50 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

لمّا قام قائمها

GMT 11:48 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تحذّر أميركا من «التحرش» بفنزويلا!

GMT 11:45 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«بي بي سي»... من كان منكم بلا خطيئة؟!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:55 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

شركات أميركية تربح بمليارات الدولارات من حرب غزة
المغرب اليوم - شركات أميركية تربح بمليارات الدولارات من حرب غزة

GMT 16:54 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تبحث توقيع أطول اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة
المغرب اليوم - إسرائيل تبحث توقيع أطول اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة

GMT 19:30 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها "ورد وشوكولاتة"
المغرب اليوم - الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 12:37 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

معاناة برشلونة مستمرة رغم الفوز الصعب على بيتيس

GMT 05:39 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

34 امرأة يروين قصص التحرش بهن على يد منتج أميركي

GMT 04:28 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

زهير الواصلي يحصل على عرض للانتقال في الميركاتو الشتوي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,01 آذار/ مارس

الحرب فى سوريا وعليها.. هل ينجح مؤتمر جنيف؟

GMT 05:50 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الطقس و الحالة الجوية في تطوان الثلاثاء

GMT 11:21 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

واد زم تستضيف بطولة المغرب للكرة الحديدية

GMT 18:46 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

بطل المغرب يفوز بدوري أومينوم الخامس للغولف

GMT 11:39 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة روبي تفاجىء الجمهور بتسريحة شعر جريئة

GMT 14:18 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

صور غير محببة يكره الرجل أن يراها في الزوجة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib