الاستزمان
تصاعد التوتر بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية في دير الزور الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في غزة بنيران صديقة استشهاد الصحافي خالد المدهون برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيته للأحداث في منطقة زكيم شمال قطاع غزة تفاصيل جديدة حول حادث الاعتداء على البعثة المصرية في ولاية نيويورك سوريا تنفي شائعات إصابة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة بحالة تسمم بيني جانتس يقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة لبحث تحرير الأسرى وسن قانون التجنيد قبل انتخابات 2026 جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقــ.ـتل قائد فصيل بكتيبة شمشون في حادث جنوب قطاع غزة «حماس» تدعو لـ«شد الرحال» إلى «الأقصى» تزامناً مع دعوات المستوطنين لتكثيف اقتحامه وفيات وإصابات في حادث سير مأساوي بنيويورك بعد انقلاب حافلة سياحية على متنها حوالي 50 شخصًا وفاة 8 مواطنين في غزة خلال يوم واحد وارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 281 شهيداً بينهم114 طفلاً وسط استمرار الحصار الإسرائيلي
أخر الأخبار

الاستزمان

المغرب اليوم -

الاستزمان

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

الاستزمان هو الهيمنة على محور الزمن، في حين أن الاستعمار التقليدي كان هيمنة على المكان وأهله وموارده. فعلى مدى القرون الماضية، عُرف الاستعمار كفعل مادي يرتبط باحتلال المكان والسيطرة على موارده، بالقوة العسكرية أو بالهيمنة الاقتصادية والسياسية المباشرة. وقد ترسخ هذا الفهم في الفكر السياسي والتاريخي خلال العصر الكولونيالي، وحتى في أدبيات ما بعد الكولونيالية، حيث كانت الأرض والمكان مسرح الصراع، وتُقاس قوة الدول بقدرتها على بسط نفوذها على الجغرافيا والتحكم في الموارد.

أما الاستزمان، فهو شكل جديد من الاحتلال يهيمن على زمن الأمم: ماضيها (عبر سرقة التراث والآثار أو تشويهها)، حاضرها (من خلال القوة الناعمة)، ومستقبلها (عبر الديون أو الحصار الاقتصادي). وهو نتيجة التحولات المعاصرة في النظام العالمي، حيث لم يعد الاحتلال فجاجةً كالاستعمار القديم، بل صار أكثر خفاءً وتعقيداً، يتجاوز المكان ليطول الزمن نفسه.

في هذا السياق، يمكن فهم «استعمار الزمن» باعتباره امتداداً للاستعمار التقليدي، لكنه يستبدل التاريخ بالجغرافيا، والسنوات بالأرض، والهيمنة عبر الديون والآليات المالية طويلة الأمد بالاحتلال العسكري. هذه الآليات تعمل على محور الزمن، فتجعل القرارات السياسية والاقتصادية مرهونة بأفق زمني خارج إرادة الأمة.

إذا كانت الديون ارتهاناً للزمان، فإن الحصار الاقتصادي أداة إضافية للتحكم فيه. فالعقوبات، سواء كانت مالية أم سياسية، لا تستهدف الموارد الحالية فقط، بل تقيد مسار التطور المستقبلي، وتجبر الدول على إعادة ترتيب أولوياتها بما يبطئ أو يسرع إيقاعها الداخلي. فإذا كانت القروض الطويلة الأجل استعماراً للزمن، فإن الحصار يكثف هذا الاستعمار، إما عبر تسريع أزمة الموارد وإجبار الأمة على قرارات عاجلة، وإما عبر تعطيل التنمية، وتأجيل أفق التقدم.

الاستزمان ليس مجرد استعارة شعرية، بل حقيقة تتجلَّى في قيود تمتد إلى ما بعد الحاضر، فتجعل الأجيال القادمة سجينة زمن الآباء المقيد. ففي تجارب فك الاستعمار، من الهند إلى مصر، استطاعت الأمم استعادة مواردها بعد التحرر، لكن التحرر من الاستزمان أصعب؛ إذ يشبه الدخول في دوامة زمنية لا مخرج منها. هنا يصبح المستقبل مثقلاً بالتزامات طويلة الأمد، ويتحول إلى حق انتفاع للحاضر على حساب أجيال لم تولد بعد، مع القيود التي يفرضها الحصار على النمو والاستثمار، وبالتالي على الزمن الإنتاجي للأمة.

من هنا، أرى أن دراسة الاستعمار في بعده المكاني وحده غير كافية؛ فالمكان والزمان بعدان متكاملان لتحليل الظواهر السياسية: المكان إطار تُدار فيه الموارد، وتُرسم الحدود الجغرافية للنمو، أما الزمان فهو البنية التي تُقاس عليها القرارات، والإطار الذي يُحدد خط التطور الممكن أو الممنوع، فحين يحتل المستعمر المكان يفرض قيوداً على الحاضر؛ وحين يحتل الزمن، عبر الدين أو العقوبات، فإنه يصادر إمكانات المستقبل، ويحد من خياراته قبل أن تأتي.

وتبرز هنا أهمية مفاهيم مثل «تمطيط المفهوم» و«سلم التجريد» لجيوفاني سارتوري، الذي يحذر من توسيع مفهوم الاستعمار ليشمل كل أشكال السيطرة من دون تمييز، ما قد يفقده الدقة التحليلية. يمكن النظر إلى الاستعمار على أنه مستوى عالٍ من التجريد يشمل السيطرة على المكان والزمان معاً، بينما يمثل استعمار المكان واستعمار الزمن مستويات أدنى، لكل منها سماته الخاصة. وعندما يُضاف الحصار الاقتصادي، يتحول الاستزمان إلى أداة مزدوجة: تقييد للمستقبل والتحكم في إيقاع التنمية.

خطورة الاستزمان والحصار الاقتصادي أنهما استعمار ناعم، لكنه عميق الجذور؛ فهو لا يفرض وجوداً عسكرياً ظاهراً، بل يعيد برمجة المستقبل عبر الحاضر، مستنداً إلى أدوات مالية واقتصادية وسياسية. وبهذا يصبح المسار التاريخي للأمة محكوماً بإرادة خارجية، تتحكم في خيارات الزمن: متى تتسارع التنمية، ومتى تتعطل، ومتى يُستنزف المستقبل لصالح الحاضر. يمكن تسميته أيضاً «احتكار الأفق» — أي السيطرة على المجال الاحتمالي للمستقبل بأدوات زمنية أو مالية أو اقتصادية.

الوعي بالاستزمان والحصار الاقتصادي ضرورة نظرية وعملية، ليس فقط لفهم القيود على الحاضر، بل أيضاً لاستعادة القدرة على رسم المستقبل. وكما أن التحرر من الاستعمار المكاني تَطَلَّبَ مقاومة سياسية وعسكرية، فإن التحرر من الاستزمان يتطلب مقاومة معرفية واقتصادية وسياسية، ورؤية طويلة المدى ترفض بيع الأجيال القادمة مقابل مكاسب آنية. فالزمن، مثل المكان، يمكن أن يُحتل، لكن استعادته أصعب لأنه غير مرئي، ولا يُقاس بالحدود بل بالآفاق التي تُفتح أو تُغلق أمام الشعوب.

إن متاهة الزمان التي دخلتها بعض الأمم يصعب الخروج منها إلا بإدراك معاني الاستزمان، وابتكار سبل التحرر منه، وهي متاهة قد تبدو خيالية مثل متاهة المبدع الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستزمان الاستزمان



GMT 16:07 2025 السبت ,23 آب / أغسطس

أثمان سيكون على لبنان دفعها…

GMT 16:02 2025 السبت ,23 آب / أغسطس

مع القهوة

GMT 16:00 2025 السبت ,23 آب / أغسطس

قانون الغاب الأمريكي الإسرائيلي

GMT 15:57 2025 السبت ,23 آب / أغسطس

أكثر الأقاليم دموية

GMT 15:54 2025 السبت ,23 آب / أغسطس

ضياعٌ بين «الروبابيكيا» وحراج ابن قاسم!

GMT 15:52 2025 السبت ,23 آب / أغسطس

لا صوت للنواب!!

ميريام فارس بإطلالة جريئة وتصاميم بيار خوري تبرز اختلاف الأسلوب بينها وبين ياسمين صبري

بيروت - المغرب اليوم

GMT 21:17 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 10:56 2021 السبت ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حكيم زياش يواصل الغياب عن التشكيلة الأساسية لتشيلسي

GMT 07:33 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

فيورنتينا يفسد فرحة فيرونا في الدوري الإيطالي

GMT 11:56 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

"التقدم والاشتراكية" يعلّق على أغنية "عاش الشعب"

GMT 14:18 2019 الأحد ,28 تموز / يوليو

الكاف تسحب غدا قرعة تصفيات مونديال 2022

GMT 19:09 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

"اليويفا" يعاقب دينامو زغرب وتشيلسي

GMT 17:42 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

شروط تأسيس الشركة الرياضية في المغرب

GMT 02:08 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

أستاذة جامعية كويتية تطلب اللجوء إلى أميركا

GMT 16:17 2018 الأحد ,09 كانون الأول / ديسمبر

السعودية تعلن وفاة الأميرة الجوهرة بنت فيصل آل سعود

GMT 13:36 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

العناية بمشرحة مستشفى الحسن الثاني بعد قضية تعفن الجثث

GMT 14:41 2018 الأحد ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتا كلوب يوجه رسالة إلى جماهيره قبل مواجهة الرجاء

GMT 13:36 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

عليكِ بـ"الزجاج المعشق" لإضفاء النور داخل منزلك

GMT 04:04 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر معالم السياحة في مدينة لوكا الإيطالية

GMT 15:51 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عمر بوطيب يقترب من الانتقال إلى الدوري الفرنسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib